04‏/07‏/2010

قمة عربية مصغّرة لأهداف مكبّرة

قمة عربية مصغّرة لأهداف مكبّرة
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com


التدقيق في بيان قمة طرابلس الغرب العربية المصغرة تعيد للأذهان النقاشات التي دارت بين الدول العربية السبع المؤسسة للجامعة العربية في قمة انشاص قبل خمسة وستين عاما، حين اختلف العرب آنذاك على جنس ملائكة الوحدة العربية ونوعيتها ،وخلصوا الى اهون الشرور وهو التعاون بين دول تطمح شعوبها الى الوحدة، فيما من يقرر غائب عن سمع شعارات الوحدة ونبضها المدوي في كل مكان عربي.
ربما ظروف الدول العربية آنذاك تبرر بعض المواقف،لكن اليوم بالتأكيد ليس من مبرر مقنع لرفض صِيغ نحن بأمس الحاجة اليها.واذا كانت مقررات قمة سرت العربية قد ادت قسطها للعلا بانشاء اللجنة الخماسية لتطوير العمل العربي المشترك،فإن المهم في ذلك المتابعة لايجاد البدائل الممكنة وعدم الاكتفاء بعرض وجهات النظر التي تمَّ التوصّل اليها،والاكتفاء بمنهج ما سبق من سالف الزمان في التوصيات العربية.
نحن العرب اليوم بحاجة لابتداع نُظم وآليات تعيد بعض ثقتنا بنفسنا قبل فوات الأوان،فنظامنا الاقليمي العربي خارج الجغرافيا الطبيعية له،كما هو خارج تاريخه المفترض.قراراتنا المصيرية المفترضة تؤخذ وتنفذ بمعزل عنا، بحيث اصبحنا أكثر من هامشيين حتى في القضايا المتعلقة بحياتنا واستمرارنا.
وغريب المفارقات في وضعنا، ان ثمة دولا اقليمية لا تملك امكاناتنا تنبري للدفاع عنا،وهنا ليس بالضرورة لسواد عيوننا، بقدر ما هو استثمار سياسي اقليمي ليس بالضرورة ايضا يمكن الاستفادة منه عربيا، بقدر ما هو عملية لادارة ازمات قابلة للبناء عليها اقليميا ودوليا. لقد بتنا اليوم مخترقين اقليميا بعد اختراقنا محليا بفلسطين والعراق ولا ندري اي دولة قادمة على لائحة الاحتلال.
ربما النقاش اليوم بانشاء اتحاد عربي على غرار الاتحاد الاوروبي هو حلم من احلام اليقظة العربية المعتادة، لكن البحث به وفيه، لا يلغي كونه امر واجب التحقيق يوما.فماذا فعلت آليات التعاون مثلا ضمن بيئة عمل جامعة الدول العربية؟ ألم تصل الى ابواب موصدة؟ واذا كان السؤال الأهم الذي ينبغي الاجابة عليه هو من اوصلها الى هذا الدرك؟ فالجواب متروك لأصحاب الحل والربط في مجالات التعاون ام الاتحاد ام الوحدة.
المهم في القمة الخماسية انعقادها اولا ،حتى لا يُقال ان العرب لا يرون الا النصف الفارغ من الآمال،وبصرف النظر عن وجهات النظر المتابينة فإن امر اللقاء والتوضيح وامكانية البناء على المواقف ولو ضمن آلية الخمس سنوات، تبقى لها دلالاتها الرمزية المفيدة،ان ثمة في العرب من لا يزال يبحث عن ضوء في ظلام دامس.
طبعا،ثمة مئات التجارب الدولية ذات الأهداف الاتحادية والوحدوية ،التي نجح بعضها وتعثر بعضها الآخر، لكن في غالبيتها كان التصميم والارادة وراء نجاح من نجح وقصور في الأداء لمن فشل. والمهم في هذا الأمر وجوب التعلّم من التجارب المستفادة اقليميا لجهة الاتحاد،والنماذج في هذه الأمر عديدة ومتنوعة؛بدءا بالاتحاد الاوروبي مرورا بكل الاتحادات التي قامت على اسس غير سياسية وواصلت بناء تجربتها وصولا الى اهداف سياسية.
ربما تجربتنا الوحدوية او الاتحادية او التعاونية،انطلقت عبر احزاب وشعارات كبيرة،ربما لم تساعدها الظروف على تحقيقها،وعدم التحقيق لا يعني بالضرورة عدم جدوى او اهمية الفكرة او الشعار،بقدر ما هو تعبير عن فشل الآليات التي اقترحت لتطبيقها في غير مكان وزمان من وطننا العربي. ولذلك ان الأولوية اليوم وفي حالنا العربي المأزوم، البحث عن الآليات والتجارب السابقة علَّ وعسى يمكن البناء عليها.
ان الواقعية السياسية التي لاحت في بيان القمة المصغرة، هي انعكاس لواقع النظام الاقليمي العربي، فمن الصعب الاتفاق على صيغة اتحاد رغم ضرورتها القصوى،والاشارة الى البحث عن آليات محددة خلال الخمس سنوات القادمة تعبر عن نية التوصّل بصرف النظر عن الصعوبات والأهواء والأنواء.وتبقى العبرة في النهاية هي جدية المتابعة والعزم والتصميم.
ينبغي الاعتراف ان ثمة مسائل كثيرة وقضايا متنوعة تغيّرت بيئات تحقيقها،الأمر الذي ينبغي التعامل معها برؤى ووسائل مختلفة عن الوسائل التي رُفعت سابقا والتي كانت بمثابة عدة الشغل السياسي للكثير من احزابنا العربية وانظمتنا الحاكمة.فالوحدة او الاتحاد بالشعارات من فوق لم تعد تعبر عن واقع طموحات من يطلبها، ولربما البحث عن الوسائل البديلة هو الاجدى والانفع،فالتعاون الاقتصادي والمالي والتجاري على سبيل المثال خطوة ضرورية بل شرط لازم لتحقيق اي اتحاد، والأمثلة على نجاحها كثيرة، علاوة على ان تطور الحياة وتشعب انماطها اسهم في انتاج انماط اخرى من السلوك الاجتماعي وحتى الوطني والقومي الذي يتطلب انواعا جديدة من نمط التفكير والسلوك في الذاكرة الجماعية للعرب.
اللافت في التوصيات ايضا، ما دعت اليه من عقد "قمم نوعية" تعالج قضايا محددة ، اقتصادية واجتماعية وتنموية وثقافية،وهي بطبيعة الأمر المسائل التي تشغل بال الشريحة الأعظم من مجتمعاتنا.وهو أمر ينبغي متابعته علَّ عمليات المراكمة والبناء عليه يوصل الى ما هو ابعد من التعاون والاتحاد.
موعدنا القادم، مع وثيقة "تطوير منظومة العمل العربي المشترك" التي ستعرض على القمة العربية الاستثنائية في التاسع من تشرين الاول / اكتوبر المقبل.لعلَّ هذا التاريخ يكون موعدا لإطلاق حلم طال انتظاره!