11‏/07‏/2010

قراءة في مشروع قانون تنظيم الجامعة اللبنانية

قراءة في مشروع قانون تنظيم الجامعة اللبنانية









نشرت في صحيفة الديار بتاريخ 3/4/2006







شهدت الجامعة اللبنانية تطورات هامة خلال الخمسين سنة من حياتها، فتعددت كلياتها ومعاهدها ‏واختصاصاتها وفروعها وتوسّعت هيئاتها التعليمية والإدارية وبات طلابها يشكلون 71 ألف من ‏إجمالي طلاب التعليم الجامعي اي ما نسبته 60% في لبنان. وترافق التوسع الكمي مع تطور ‏نوعي في اكثر من مجال أكاديمي عزز موقع الجامعة اللبنانية في نطاق التعليم الجامعي في ‏لبنان. غير ان التوسع الكمي الهائل في حجم الجامعة والذي تمّ في ظروف استثنائية كالحرب وما ‏بعدها، انتجت مجموعة من الإختلالات البنيوية والاكاديمية التي شوّهت الى حد بعيد الاوجه ‏الايجابية في حياة الجامعة اللبنانية.‏
ان موقع الجامعة اللبنانية ودورها وحجمها في الحياة العامة يفرض معالجة الإختلالات بهدف ‏تمكينها من ممارسة دورها بشفافية وفعالية. وهذه الإختلالات متعددة الأوجه بعضها قانوني ‏وتنظيمي وبعضها مالي وبعضها أكاديمي وبعضها اجتماعي وسياسي؛ فالمشكلات والتحديات التي ‏تواجهها معروفة وجرى تشخيصها وبحثها في العديد من المؤتمرات والأبحاث. وبالرغم من وعي ‏الدور المركزي للجامعة في المجتمع ومن الدعوات العديدة لتعزيزها وتفعيل دورها والصادرة ‏عن كل المراجع الرسمية والأهلية المعنية، فإن الجامعة ما زالت بحاجة الى رعاية وعناية ‏كبيرتين لا سيما في المجالات المالية والإدارية والأكاديمية. كما وتتطلب معالجة قضاياها عبر تصور ‏عام لدورها الأكاديمي والوطني وإطار عام شامل للإصلاحات المطلوبة في المجالات الاكاديمية ‏والإدارية والمالية واوضاع الهيئات التعليمية والإدارية وشؤون الطلبة والبيئة التعليمية ‏من أبنية وتجهيزات وتسهيلات على ان المعالجات الجزئية لن تجدي نفعا لقضية وطنية بحجم قضية ‏الجامعة اللبنانية. فهل أتى مشروع تنظيم الجامعة اللبنانية لبسهم في حل تلك المشكلات ام ‏لا؟
ان قراءة موضوعية تلقي الضوء على العديد من النقاط الواردة فيه. ومهما يكن من امر لا ‏بد من تسجيل بعض الامور ومن بينها:‏
‏- ان اهمية المشروع يأتي من كونه وريثا للقانون الذي ما زال معتمدا في الجامعة ‏منذ 39 عاما اي القانون رقم 75/67.‏
‏- يفتح المشروع النقاش واسعا حول إزالة المعوقات في وجه مؤسسة تحتضن حوالى 60 بالمئة من ‏طلاب التعليم العالي وتملك 17 وحدة ما بين معهد وكلية، إضافة الى 55 فرعا منتشراً على ‏الاراضي اللبنانية كافة بدءا من الجنوب وصولا الى الشمال.‏
‏- ينبغي الملاحظة ان المشروع ليس هو الاول من نوعه. اذ من المهم التذكير ان عدة مشاريع ‏وضعت ودفنت قبل ان ترى النور، اما بفعل القرار السياسي او بفعل الخلافات التي اثيرت بين ‏اهل الجامعة والمعنيين بشؤونها من مسؤولين وغيرهم.‏
‏- يأتي المشروع للبناء على الأمر الواقع القائم، خلافا للقانون السابق. أي ان الجامعة ‏اللبنانية خلال مسيرتها منذ حوالى ستين عاما، وصولا الى الاربعين عاما التي عاشتها في ظل النص، ‏باتت تملك تجربتها الخاصة الايجابية منها والسلبية، وهي بطبيعة الأمر رصيد يمكن البناء ‏عليه والاستفادة منه.‏
وفيما يختص بوجهات النظر حول المشروع من قبل المعنيين به من اساتذة وقوى سياسية داعمة ‏لهم، فيمكن ملاحظة التالي:‏
‏- وجهة نظر ترفض من الناحية المبدئية الدخول في نقاش المشروع قبل صدور مشروع قانون ‏المجالس التمثيلية العالق في مجلس النواب منذ أربعة أعوام.‏
‏- وجهة ثانية تعتبر المشروع واسعا ومتشعبا ويقود الى مزيد من الروتين الاداري ويفاقم ‏الوضع الراهن، علما ان روحية المشروع لافتة وتستند الى مبدأ انتخابي ويتخوف اصحاب هذه ‏الوجهة من تعقيدات اضافية متعلقة بالروتين الاداري وغيرها.‏
‏- وجهة ثالثة تعتبر ان الاشكالية الاساسية في المشروع في انها تزيد من حدة المستويات في اتخاذ ‏القرار الاكاديمي، علما انه في غالبية جامعات العالم ذات الشأن تعتمد على ثلاثة مستويات ‏هي: مجالس الجامعة، الكلية والقسم. بينما المشروع يقترح خمسة مستويات. كما يؤخذ على ‏المشروع إقامة خمس وحدات تحت عنوان التقارب او التجاور ما يؤدي الى ارباكات كبرى.‏
‏- وجهة رابعة تصف المشروع بالمعقد الذي يتطلب الكثير من المراسيم للشرح، ما يؤدي الى ‏ضياع المسائل وتعذر تبيان الحدود والصلاحيات. هذه الوجهة تتخوف من عواقب المركزة ‏المطلوبة، وهذه تؤثر سلبا كما هو واقع الحال، فيما ستصبح مستقبلا اشد تأثيرا على تسيير ‏العمل. إذ ان كل معاملة تحتاج الى مراقبة مما يؤدي الى تأخرها وعدم حصولها على الوقت ‏الكافي لدراستها.‏
إن القراءة الدقيقة والموضوعية في نصوص المشروع المقترح تقودنا الى تسجيل العديد من ‏الملاحظات أبرزها:‏
‏- أتى في المادتين (6) و (7) في مقدمة المشروع حول دور الجامعة «مواكبة أهم المشكلات ‏والخيارات المتداولة لمواجهتها في الاقليمين» الحضاري والجغرافي اللذين ينتمي اليهما لبنان ‏والمشاركة في ترشيد التعامل معها بالبحث وباقتراح الخطط والحلول». و«تتبع الظواهر العامة ‏والخيارات الاستراتيجية المتصلة بمصير الحضارة والبيئة البشريتين وبمسائل الحرب والسلام». ثمة ‏لبس وغموض في المفاهيم، أية حضارة المقصود بها هل هي العربية او غيرها؟ وما هي علاقتها ‏مثلا بالتعددية او التعايش او حوار الحضارات او صدامها؟ وما هو المقصود بالجغرافي هنا؟ ‏أهو المحيط العربي ام الشرق اوسطي سيما اذا تم ربطه بالخيارات الاستراتيجية التي على ‏الجامعة تتبعها لجهة خيارات الحرب والسلام؟ كما اتى في المشروع.‏
‏- حول إدارة الجامعة يلاحظ استحداث نواب للرئيس ورؤساء وحدات وعميد بحث ونائب عميد، ‏فالمهام تكاد تكون متشابهة بشكل لافت الا من الناحية التراتبية والصلاحيات. كما يلاحظ في ‏المادة (32) توسيع صلاحيات مجلس الجامعة لجهة التقرير على حساب صلاحيات الرئيس، ما يؤدي ‏الى صعوبة اتخاذ القرارات كما يلاحظ في المواد (43) و(58) و(81) و(64) تشابها وتكرارا في ‏الصلاحيات بين رئيس الوحدة والعميد ونائبه. وكذلك في مهام مجالسهم دون التقرير او الفصل ‏بينها.‏
‏- في مهام سلطة الوصاية يلاحظ في المواد (10) و (11) و (12) و (13) التي ترتبط ‏بالتعيينات في عدة مستويات كالرئيس ورئيس الوحدة والملاك وعميد البحث، وبتوقيع وزير ‏الوصاية ايضا، العمداء، اختيار الباحثين، الافادات والشهادات المادتين (42) و (54). ‏وكذلك في الرقابة على مالية الجامعة. أن مبدأ الاستقلالية والرقابة الذاتية لجهة ‏الشفافية والاكاديمية ما زالت غير واضحة المعالم، وهي تعيق تطوير الاداء الجامعي وتجعله ‏اكثر ارتباطا بالسياسة والمحاصة.‏
‏- في المواد (38) و(41) و(42) لا توجد خيارات او ترشيحات لتعيين مدير البحث بل يعتمد ‏على اقتراح عميد البحث، وهذا يعطيه سلطة انتقائية واستنسابية. وينطبق الامر نفسه على ‏اختيار الباحثين ايضا.‏
‏- في الهيئة التعليمية ثمة عدة ملاحظات منها، الفقرة الخامسة من المادة (76) «تقتصر مهام ‏المتعاقدين بالساعة على التعليم والمهام المرتبطة به على ان لا تتجاوز الانصبة المخصصة لهم ‏نسبة تحدد في نظام كل كلية» فما المقصود بتحديد الانصبة في كل كلية وماذا اذا تقرر حدا ‏اقصى لا يساوي النصاب القانوني لامكانية التفرغ؟ وفي المادة (78) تم تقسيم رتب الاساتدة ‏الى فئتين في رتبة الاستاذ المشارك والاستاذ وربطها بسنوات التدريس والابحاث، وهو امر جيد ‏ومطلوب لما شاب هذه العملية من شوائب في الفترات الماضية، والعبرة تكمن في الجهة المخولة ‏لهذا التقويم وصلاحياتها ونزاهتها ومكانتها العلمية.‏
‏- ان الفقرة (2) من المادة (79) «يخضع التعاقد بالتفرغ لشرط استيفاء مواصفات الاستاذ ‏المساعد ويتم ذلك من خلال مباراة مفتوحة على اساس الالقاب». ان خضوع الاستاذ الجامعي ‏لشرط المباراة للدخول الى الملاك تجعل منه موظفا كسائر الموظفين وتنفي عنه صفة الاكاديمي.‏
‏- تعطي المادة (84) حقا للاساتذة في الملاك او المتفرغين «كأعضاء غير متفرغين في مجالس ادارة ‏المؤسسات العامة والمصالح المستقلة او اللجان المتخصصة التي تشكل في الادارات العامة». ‏وهاتان الفئتان من الاساتذة التي يجاز لها ينبغي توافر رتبة معينة فماذا لو كان في الملاك ‏او التفرغ في الفترة الانتقالية وهو معين في احدى هذه المؤسسات؟ وهل ادارة المجالس توجب ‏الرتبة الاكاديمية الاعلى؟ وماذا لو لم تكن موجودة في بعضها؟
‏- ثمة علامات استفهام حول الفقرة الثالثة من المادة (11) «فتح دورات دراسية خارج نطاق ‏العام الدراسي، على ان لا تدخل في احتساب الارصدة والمقررات المحددة» وبما انها دورات غير ‏محددة لجهة عدد الاختصاصات او غايتها فمن الممكن استغلالها بهدف التعاقد المفتوح حسب رغبة ‏اهل الحل والربط في الجامعة.‏
‏- كما تثار ملاحظات لافتة على المادة (79) التي تشير الى «الاستعانة بأفراد الهيئة ‏التعليمية للقيام بأعمال ادارية او فنية» لجهة امكانية استخدامها من اصحاب القرار في ‏الجامعة عبر تكليف اساتذة بمهام ادارية لا اكاديمية ربما تصل الى اعمال الاستكتاب او ‏الصيانة مثلا وما الذي يمنع ذلك في بلد كلبنان؟
‏- في مجلس الجامعة كما ورد في المادتين (95) و(96) «يمارس مجلس الامناء دورا استشاريا ‏ومعنويا داعما للجامعة ولمتطلبات تطورها» فما هي حدود الدور الاستشاري والمعنوي، وهل ‏هي مقدمة لوضع سلطة فوق مجلس الجامعة؟
ثمة العديد من الملاحظات الصغيرة المتعلقة بالرقابة وغيرها لم نسردها في هذه العجالة، الا ‏اننا وبهدف الاسهام في تقويم الوضع نقترح التالي :‏
‏- الغاء وظيفة نواب الرئيس وربطها فقط بالشؤون الادارية على ان يبقى نائب واحد.‏
‏- تعزيز صلاحيات مجلس الجامعة باعتباره اعلى سلطة في الجامعة.‏
‏- ربط التعاقد بمجلس الكلية والتفرغ بمجلس الجامعة والملاك بمجلس الوزراء.‏
‏- اعادة النظر في تقسيم الكليات والمعاهد ضمن الاختصاصات المتشابهة.‏
‏- انشاء مراكز او معاهد متخصصة للدراسات العليا.‏
‏- انشاء مجمعات جامعية في المناطق.‏