21‏/07‏/2010

"اسرائيل" ترحِّل التهديد والوعيد من الصيف الى الخريف

"اسرائيل" ترحِّل التهديد والوعيد من الصيف الى الخريف
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية 21-7-2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com


طوال الستة اشهر الماضية اطلقت القيادات السياسية والعسكرية "الاسرائيلية" مئات التهديدات المباشرة وغير المباشرة ضد لبنان،وتوعدته بالويل والثبور وعظائم الامور على قاعدة سلاح المقاومة ، وتخطى الأمر بها الى ربط قضية السلاح وبخاصة الصواريخ الى افتعال سجال اعلامي مع سوريا وايران، توِّج باشارات واضحة مفادها ان صيف المنطقة سيكون ساخنا،ما لبث ان اعادت "اسرائيل" خلط اوراقها التهديدية ورحلتها الى ايلول على قاعدة القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان وما يمكن ان تعيد رسم خريطة الفتنة الداخلية في لبنان. وما يثير الانتباه هذه المرة تصريح رئيس الاركان "الاسرائيلي" ،غابي اشكنازي، الذي ظهَّر هذه الصورة القاتمة واتبعها لتصورات توحي وكأن "اسرائيل" على علم مسبق بالقرار الظني وتفاصيله وحتى تملك تصورا دقيقيا لتداعياته اللبنانية الداخلية.
طبعا ليست هي المرة الأولى التي تلجأ فيها "اسرائيل" الى هذا النوع من التهديدات،كما انها لا تعتبر سابقة في طريقة التعاطي مع ادارة ملفات لبنان ومقاومته، لكن هذه المرّة ثمّة روابط كثيرة قد انكشفت وبات الحديث عنها مقترنا بوقائع وادلة موضوعية ترقى الى مستوى الدليل القطعي غير القابل للنقض،كما لا يمكن تصنيفه ضمن اطار المؤامرات التي كان يُستند اليها سابقا رغم صحتها في مطلق الأحوال.
الجديد في ربط الفتنة في لبنان بالقرار الظني للمحكمة الدولية،ترافقه مع تهاوي شبكات العملاء "الاسرائيليين" وآخرها،شبكة الهاتف الخليوي، التي جعلت لبنان خلال سنوات طويلة مكشوفا امنيا وسياسيا "لإسرائيل" بشكل شبه كامل،بفعل المواقع الحساسة التي شغلها العملاء في شركات الهاتف الخليوي وما قدموه من خدمات خطيرة يمكن ان تطال قضايا حساسة جدا في الواقع السياسي اللبناني ومنها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.وفي هذا السياق يمكن تسجيل العديد من الملاحظات ابرزها:
- لقد تم الكشف عن 154 عميلا "اسرائيليا" في لبنان،كان آخرهم موظفان يشغلان مراكز حساسة في احدى شبكات الخليوي، وبحسب اعترافاتهما قدما "لاسرائيل" خدمات تتيح لها الدخول الى داتا المعلومات العائدة للشبكة وما يستتبع ذلك من تلاعب بها وبمعلوماتها، علاوة على التنصت والمراقبة الطليقة دون حدود او كوابح.
- ان الأمر لا يعتبر عملا فنيا او تجسسيا عاديا اعتادت "اسرائيل" القيام به عبر جولاتها وصولاتها المخابراتية في غير مكان من العالم ومنها البلدان العربية، بل ان الامر مرتبط هذه المرة بسياق التحقيقات والأدلة التي استندت اليها المحكمة الخاصة بلبنان بدءا بلجنة التحقيق برئاسة فيتز جيرالد مرورا بميليس وصولا الى تقارير المدعي العام للمحكمة القاضي بيلمار، وجميعها استندت بشكل مباشر على مجموعة من الاتصالات الهاتفية التي قيل انها تمت اعدادا لعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
- ثمة العديد من المطالبات التي اثيرت سابقا بوجه المحكمة بعدم استثناء فرضية اشتراك "اسرائيل" في عملية الاغتيال ولم يتم الاستجابة الى هذه المطالب ،بل تمَّ التعامل مع هذه الفرضية بخفة مطلقة وتم استبعادها رغم المصلحة الواضحة "لاسررائيل" بعملية الاغتيال واستفادتها العملية منها.
- ان حجم الاختراق الذي تمتعت به "اسرائيل" عبر شبكة الخليوي كان ضخما جدا،لكنه في المقابل لم تتمكن من خلاله خرق حركة اتصالات المقاومة في لبنان، ما يظهر بشكل واضح الاصرار من قبل البعض على نزع شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في لبنان، بخاصة الفترة التي اعقبت عدوان 2006 ، والذي كان سببا من اسباب امكانية اطلاق الفتنة المذهبية في ايار العام 2008.
ان مجمل تلك الملاحظات والوقائع تظهر الاسباب الحقيقية لتعليق "اسرائيل" الامل على بيئة عملائها في شبكة الخليوي، وما قدموه من خدمات جُلى لجهة تركيب وفبركة الاتصالات التي يمكن لصقها بالمقاومة والادعاء بأن "بعض افرادها غير المنضبطين" لهم علاقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري،ذلك على قاعدة اشغال الواقع اللبناني بفتنة عنوانها القضاء على المقاومة في لبنان بأدوات داخلية بعد عجز "اسرائيل" عن ذلك بحروب متعددة خاضتها منذ العام 1982 وحتى العام 2006.
لقد توعّد اشكنازي اللبنانيين بأن شهر ايلول سيكون بمثابة الصاعق الذي سيفجر الوضع اللبناني بفعل ما سيأتي به القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان،ولم يكن ينقصه، الا ان يتلو حيثيات القرار الظني والاعلان عن اسماء المتهمين وموعد سوقهم مكبلي الايدي الى المحكمة، فما سر هذه الثقة الاسرائيلية بما سيكون عليه القرار الظني؟ وهل ان هذه الثقة نابعة من كونها شاركت في فبركة المعطيات والادلة ضد المقاومة؟ انها اسئلة مشروعة ينبغي على كل المعنيين في لبنان او غيره الاجابة عليها.
احدى الثوابت في استراتيجيات التعامل "الاسرائيلي" مع العرب، الهروب الدائم الى الاعتداءات والحروب، وان لم تتمكن من ذلك فباشعال الفتن الداخلية،وهذا ما تراهن عليه حاليا مع لبنان.فهل سيكون الخريف بديلا من الصيف في حسابات اافتنة "الاسرائيلية" في لبنان؟ ام ان اللبنانيين سيتداركون الفخ الذي يمكن ان تنصبه "اسرائيل" عبر المحكمة الخاصة بلبنان؟ ثمة وقائع ومعطيات كثيرة تغلي على نار حامية في الواقع السياسي اللبناني والتي تنبئ بأسراب الغربان السود في سماء لبنان!