06‏/08‏/2010

مقابلة مع صحيفة الرأي العام الكويتية

مقابلة صحفية مع صحيفة الرأي العام الكويتية ارسلت بتاريخ 23-7-2010
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

س - أشرت في بعض مقالاتك الى وجود بعض الثغرات في النظام الأساسي للمحكمة الدولية، ومن بينها الربط بين الجرائم التي وقعت منذ الأول من تشرين الثاني 2004. ما الذي أتاح لكم قانونياً وسياسياً إفتراض عدم وجود رابط بين سلسلة التفجيرات والاغتيالات السياسية التي وقعت؟

ج - - إن ابرز الملاحظات التي يمكن ان توجه الى نظام المحكمة الخاصة توسيع صلاحيات المحكمة بحيث تمتد، بالإضافة إلى جريمة اغتيال الرئيس الحريري، إلى أعمال أخرى مماثلة في طبيعتها وخطورتها “حصلت في لبنان بين الأول من تشرين الأول 2004 و31 كانون الأول 2005 أو أي تاريخ لاحق يقرر باتفاق الأطراف المعنية وموافقة مجلس الأمن”. إن توسيع صلاحية المحكمة هذا، بالإضافة إلى أنه يتعدّى منطوق قرار مجلس الأمن الرقم 1664 الذي هو المستند الأساسي في إنشاء المحكمة الدولية، والذي يحصر ولاية المحكمة “بالتفجير الإرهابي الذي أدّى إلى مقتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وآخرين” على أن تُنشأ “محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الإرهابية”. اضافة الى ذلك، إن توسيع صلاحية المحكمة في الزمان وبالنسبة إلى أفعال جرمية يترك لاستنساب المحكمة تبنّي معايير التشابه في الطبيعة والخطورة مع الأعمال الجرمية التي أودت بحياة الرئيس الحريري، يخالف مبادئ أساسية في القانون الجزائي وخاصة أن قرار مجلس الأمن الرقم 1664 اعتمد كون المحكمة ذات الطابع الدولي يجب أن تستند إلى “أعلى المعايير الدولية في القضاء الجنائي”. إن قرار توسيع اختصاص المحكمة إلى أعمال جرمية قد ترتكب مستقبلاً ويترك للمحكمة القرار في شأن اختصاصها للنظر فيها يصعب تجريده من أهداف سياسية.

س - في البنود المتعلقة بـ "الاختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق" تشير الفقرة "أ" من المادة الثانية الى أحكام قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بالملاحقة والمعاقبة على الأعمال الارهابية. برأيكم لماذا أُدخلت هذه الاحكام على النظام التأسيسي للمحكمة الخاصة بلبنان؟ والى أي مدى تحمل مفردة "الاعمال الارهابية" ضوابط في تحديد سياقها القانوني؟

ج - ليس ثمة أية سابقة أن أنشأت محكمة خاصة دولية أو ذات طابع دولي بهدف محاكمة مرتكبي جريمة سياسية، ويبدو من توصيف الجريمة في الأساس على أنها عمل إرهابي هدفه إتاحة الفرصة لمجلس الأمن التدخل لأهداف سياسية متعلقة ببعض دول المنطقة. اضافة الى ذلك وخلافا لمحاكم أخرى لن تنظر المحكمة في جرائم تعتبر عادة جرائم ضد القانون الدولي كجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وفي ما يتعلّق بجريمة الإرهاب التي تتكرر بشكل واضح في قرارات مجلس الأمن وكذلك في الفقرة المذكورة، فليس هناك تعريف متفق عليه في القانون الدولي لهذه الجريمة أو عقاب معيّن لها. وليس هناك سابقة لمحكمة دولية أن نظرت في جريمة وصفت بأنها عمل إرهابي. لذلك لا مناص من تطبيق القانون اللبناني على جريمة هي في الأساس من اختصاص القضاء اللبناني. وهذا ما نصّت عليه المادة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة.
كما ثمة الكثير من النصوص الغامضة والملتبسة القابلة للتأويل وبالتالي إمكان استثمارها السياسي باتجاهات تحرف عمل المحكمة عن الوصول إلى الحقيقة. وبخاصة التوسع في إمكان شمل الجرائم وما يمكن ربطها بها. فماذا على سبيل المثال لو توصلت المحكمة إلى استنتاج مفاده أن أي عملية نفذت ضد إسرائيل هي عمل إرهابي وبالتالي سيكون الموضوع من صلاحيتها للنظر به.

س - خطاب السيد نصر الله الاخير عن المحكمة الدولية ربط بين شبكة التجسس الاسرائيلية والقرار الظني. ما تفسيركم السياسي لمسألة الربط بين العملاء والمحكمة؟

ج - طوال الستة اشهر الماضية اطلقت القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية مئات التهديدات المباشرة وغير المباشرة ضد لبنان،وتوعدته بالويل والثبور وعظائم الامور على قاعدة سلاح المقاومة ، وتخطى الأمر بها الى ربط قضية السلاح وبخاصة الصواريخ الى افتعال سجال اعلامي مع سوريا وايران، توِّج باشارات واضحة مفادها ان صيف المنطقة سيكون ساخنا،ما لبث ان اعادت اسرائيل خلط اوراقها التهديدية ورحلتها الى ايلول على قاعدة القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان وما يمكن ان تعيد رسم خريطة الفتنة الداخلية في لبنان. وما يثير الانتباه هذه المرة تصريح رئيس الاركان الاسرائيلي ،غابي اشكنازي، الذي ظهَّر هذه الصورة القاتمة واتبعها لتصورات توحي وكأن اسرائيل على علم مسبق بالقرار الظني وتفاصيله وحتى تملك تصورا دقيقيا لتداعياته اللبنانية الداخلية.
الجديد في ربط الفتنة في لبنان بالقرار الظني للمحكمة الدولية،ترافقه مع تهاوي شبكات العملاء الاسرائيليين وآخرها،شبكة الهاتف الخليوي، التي جعلت لبنان خلال سنوات طويلة مكشوفا امنيا وسياسيا لإسرائيل بشكل شبه كامل،بفعل المواقع الحساسة التي شغلها العملاء في شركات الهاتف الخليوي وما قدموه من خدمات خطيرة يمكن ان تطال قضايا حساسة جدا في الواقع السياسي اللبناني ومنها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.وفي هذا السياق يمكن تسجيل العديد من الملاحظات ابرزها:
- لقد تم الكشف عن 154 عميلا اسرائيليا في لبنان،كان آخرهم موظفان يشغلان مراكز حساسة في احدى شبكات الخليوي، وبحسب اعترافاتهما قدما لاسرائيل خدمات تتيح لها الدخول الى داتا المعلومات العائدة للشبكة وما يستتبع ذلك من تلاعب بها وبمعلوماتها، علاوة على التنصت والمراقبة الطليقة دون حدود او كوابح.
- ان الأمر لا يعتبر عملا فنيا او تجسسيا عاديا اعتادت اسرائيل القيام به عبر جولاتها وصولاتها المخابراتية في غير مكان من العالم ومنها البلدان العربية، بل ان الامر مرتبط هذه المرة بسياق التحقيقات والأدلة التي استندت اليها المحكمة الخاصة بلبنان بدءا بلجنة التحقيق برئاسة فيتز جيرالد مرورا بميليس وصولا الى تقارير المدعي العام للمحكمة القاضي بيلمار، وجميعها استندت بشكل مباشر على مجموعة من الاتصالات الهاتفية التي قيل انها تمت اعدادا لعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
- ثمة العديد من المطالبات التي اثيرت سابقا بوجه المحكمة بعدم استثناء فرضية اشتراك اسرائيل في عملية الاغتيال ولم يتم الاستجابة الى هذه المطالب ،بل تمَّ التعامل مع هذه الفرضية بخفة مطلقة وتم استبعادها رغم المصلحة الواضحة لاسررائيل بعملية الاغتيال واستفادتها العملية منها.
- ان حجم الاختراق الذي تمتعت به اسرائيل عبر شبكة الخليوي كان ضخما جدا،لكنه في المقابل لم تتمكن من خلاله خرق حركة اتصالات المقاومة في لبنان، ما يظهر بشكل واضح الاصرار من قبل البعض على نزع شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في لبنان، بخاصة الفترة التي اعقبت عدوان 2006 ، والذي كان سببا من اسباب امكانية اطلاق الفتنة المذهبية في ايار العام 2008.
ان مجمل تلك الملاحظات والوقائع تظهر الاسباب الحقيقية لتعليق اسرائيل الامل على بيئة عملائها في شبكة الخليوي، وما قدموه من خدمات جُلى لجهة تركيب وفبركة الاتصالات التي يمكن لصقها بالمقاومة والادعاء بأن "بعض افرادها غير المنضبطين" لهم علاقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري،ذلك على قاعدة اشغال الواقع اللبناني بفتنة عنوانها القضاء على المقاومة في لبنان بأدوات داخلية بعد عجز اسرائيل عن ذلك بحروب متعددة خاضتها منذ العام 1982 وحتى العام 2006.
لقد توعّد اشكنازي اللبنانيين بأن شهر ايلول سيكون بمثابة الصاعق الذي سيفجر الوضع اللبناني بفعل ما سيأتي به القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان،ولم يكن ينقصه، الا ان يتلو حيثيات القرار الظني والاعلان عن اسماء المتهمين وموعد سوقهم مكبلي الايدي الى المحكمة، فما سر هذه الثقة الاسرائيلية بما سيكون عليه القرار الظني؟ وهل ان هذه الثقة نابعة من كونها شاركت في فبركة المعطيات والادلة ضد المقاومة؟ انها اسئلة مشروعة ينبغي على كل المعنيين في لبنان او غيره الاجابة عليها كما اشار اليها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.