29‏/08‏/2010

مسار المفاوضات المباشرة ومصيرها

مسار المفاوضات المباشرة ومصيرها
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 29-8-2010

تنطلق في الثاني من ايلول المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي بجدول ربما يعتبر الأطول زمنا في عالم التفاوض وعلم النزاعات الاقليمية والدولية،اذ يكاد يكون الأوحد من مخلفات نزاعات القرن العشرين،وربما سيستهلك قرنا آخرا قياسا على موضوعات التفاوض وطريقة اسرائيل في ادارتها وفرض شروطها.فماذا في الموضوعات ؟ وماذا في وجهتي النظر؟وهل ثمةمصير ومسار واضح للتفاوض؟
ثمة اربعة موضوعات رئيسة هي اللاجئين،المستوطنات،القدس والدولة،وبالطبع يتفرع منها العديد من المسائل التي تعتبر بمثابة الغام اضافية قابلة للتفجير عند كل منعطف تفاوضي.وفي مطلق الأحوال ثمة وجهتا نظر من الصعب التوفيق بينها او ايجاد قواسم مشتركة قابلة للبناء عليها.
في موضوع اللاجئين،يستند الفلسطينيون على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة 194 لعام 1948، علاوة على مبادرة بيروت 2002 وخريطة الطريق بهدف الوصول الى حل عادل،الا ان الموقف الفلسطيني لم يوضح بدقة ما هو الحل العادل ولم يستخدم مصطلح حق العودة ولا الى اي مكان سيعودون.فيما تعتبر اسرائيل حق العودة خطابا مستوحا من ظروف الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي والذي لا يتوافق بنظرها مع المتغيرات ،اضافة الى ان حق العودة يتناقض مع مفهوم الدولة التي يطالب بها الفلسطينيون،باعتبار انه اذا انشئت الدولة الفلسطينية فلماذا يعود اللاجئون الى اسرائيل؟.وبالتالي حاولت اسرائيل بشكل دائم مقايضة الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة مقابل الوعد بالدولة.
في قضية المستوطنات يعتبر الفلسطينيون انها غير شرعية وغير قانونية وينبغي توقيف بنائها، والملاحظ في الفترة الأخيرة توقف الفلسطينيون عن المطالبة بازالة المستوطنات التي بُنيت بعد العام 1967 في الضفة والقدس مثل ادوميم ومعاليه. في مقابل ذلك تتعامل اسرائيل مع هذه القضية من وجهتين، في المستوطنات غير القانونية وهي قليلة ولا يتجاوز عددها الـ 250 وذات الكثافة الاستيطانية الخفيفة يمكن التنازل عنها وهي في الاساس مستوطنات بُنيت بهدف تفاوضي للحل النهائي.اما المستوطنات الكبيرة الأخرى كادموميم ومعاليه فتعتبرها جزءا من ارض اورشليم غير القابلة لأي تنازل .
القدس الشرقية بالنسبة للفلسطينيين عاصمة الدولة الموعودة، وفي وقت يطالبون بالسيادة الكاملة على المسجد الأقصى يقترحون التوصّل لضمانات بخصوص حائط البراق بهدف اتاحة وصول اليهود اليه للصلاة امامه. فيما تعتبر اسرائيل القدس عاصمة ابدية لاسرائيل قانونيا وواقعيا منذ العام 1980،وتعلن اسرائيل انها ابطلت وألغت التعهدات التي اطلقتها في مفاوضات كامب ديفيد 2000 لجهة تقسيم القدس وموافقتها المبدئية بامكانية التخلي عن السيادة على الحرم القدسي.
يطالب الفلسطينيون بدولة حدودها الرابع من حزيرن 1967 والتي لا تزيد مساحتها عن 22 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، على ان تكون القدس الشرقية من ضمنها علاوة على الضفة الغربية وغزة وبأن تكون قابلة للاتصال بينها وكذلك مع العالم الخارجي. في المقابل توافق اسرائيل على تجميع الفلسطينيين في دولة بهدف ان تكون اسرائيل دولة يهودية خالصة،لكن اي دولة توافق اسرائيل عليها،دولة منزوعة السلاح لا سيادة لها،عبر التحكّم بدقائق وتفاصيل المعابر البرية والبحرية والجوية.باختصار دولة مقزّمة ،ارض مقطعة الأوصال محاطة بجدار عازل،سلطة بلا سيادة داخلية ولا خارجية،
في المواقف المعلنة يتمسك الطرفان بعدم احقية اللجوء الى الشروط المسبقة ايا كان نوعها او موضوعها او هدفها،لكن التدقيق يظهر بشكل جلي الشروط الاسرائيلية المسبقة لا سيما المستوطنات التي وافقت اسرائيل لا على وقفها انما تجميدها لمدة عشرة اشهر.الى جانب موضوع الدولة وما يتصل بسيادتيها الداخلية والخارجية.وبطبيعة الأمر تذهب اسرائيل الى طاولة المفاوضات المباشرة وهي تسمع للمطالب الفلسطينية لكن ليس بالضرورة تفهمها وتلبيتها،بل العمل على انتاج مواقف تفاوضية سرعان ما تتحول الى واقع يلغي المطالب السابقة وتتحدد اطر جديدة فيها الكثير من التنازلات.
واذا كانت هذه الأسس التي طبعت جداول المفاوضات بشقيها المضمر والمعلن خلال عقدين من الزمن،فهل ستتبدل الأمور والقضايا والمسائل في هذه الجولة المقدر لها عاما من الزمن؟ بالاستناد الى المواقف الاسرائيلية وتصريحاتها، وبخاصة وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، لا تشير الى اية ايجابية، بل أن نعي عملية التفاوض قد تمَّ قبل البدء بها،عدا عن الخلاف والفجوات الكبيرة المعلنة حول جميع الموضوعات المطروحة للتفاوض وفي طليعتها حاليا قضية المستوطنات.
ان انطلاق المفاوضات المباشرة بتغطية عربية من الصعب ان تؤدي وظيفتها او دورها المفترض من وجهة نظر ما يطلق عليه محور الاعتدال العربي ،ذلك بمعزل عن رضى وموافقة ولو ضمنية من الجهة المقابلة اي عرب الممانعة والمقاومة الامر غير المتوفر في حدوده الدنيا،ما يعني عمليا ان ثمة بيئة عربية غير ملائمة لانطلاقتها ،وبالتالي ان عملية التغطية تتطلب شروطا ووقائع اضافية في غير ساحة عربية مشتعلة او مهيأة لذلك كالعراق ولبنان وغزة مثلا.
لقد اعطى العرب لاسرائيل فرصا كثيرة كان آخرها المفاوضات غير المباشرة لمدة اربعة اشهر،وكأن الهدف منها كان جلب الفلسطينيين مجددا الى مفاوضات مباشرة هدفها بلع وهضم بعض المطالب الفلسطينية التي لا زالت تصر اسرائيل على عدم التنازل عنها؛ وهي صفة خاصة اتسمت بها ادارة التفاوض الاسرائيلية مع الفلسطينيين خاصة والعرب عامة.
ان اخطر ما في عملية التفاوض امران ،الأول محاولة اقناع الفلسطينيين انفسهم بأنهم غير قادرين على الوصول الى حقوقهم المشروعة الا بالتفاوض المباشر وبأي ظروف كانت.اما الامر الثاني فهو اقتناع اسرائيل ومحاولة اقناع غيرهم ان لا الفلسطينيين ولا غيرهم قادرون على انتزاع اي موقف او وعد لا تريده هي اولا واخيرا،وبالتالي ان مسير المفاوضات ومصيرها لن تختلف عما سبقها ،تنازلات فلسطينية ومكاسب اسرائيلية تقود الى جولات اخرى لاحقة يكون هدفها ايضا وايضا اجبار الفلسطينيين على تقديم ما تبقى لديهم من امور يمكن التفاوض عليها الى ان يأتي الوقت الذي يكون التفاوض عنها جاهزا!