22‏/03‏/2012

من السودان الى الصومال

من السودان إلى الصومال
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ २३-३-2012
يعج الصومال كغيره من البلدان العربية بالكثير من الأزمات البنيوية،علاوة على تمزّقه وانهيار نظامه السياسي منذ العام 1991.وإذا كان السودان والصومال ينتميان إلى جغرافية سياسية واحدة ، متعارف على حساسيتها في القرن الأفريقي،فان مصيرهما يبدو متشابها إلى حد بعيد.فقد قُسم السودان إلى سودانان،ومن الواضح انه سيكرس تقسيم الصومال إلى أكثر من كيان.
ما يعزز هذه الصورة الحراك الإقليمي والدولي الذي جرى في مؤتمر لندن شباط 2012، الذي يبدو انه رسم خطة طريق للصومال في المرحلة القادمة،وهي بالمناسبة استنساح لمؤتمر لندن لعام 1949 الذي كرّس خصوصيات التقاسم الفرنسي والايطالي والبريطاني قبل توحيده في العام 1960.فبينما نجد أن كلاً من الصومال البريطاني والصومال الإيطالي قد قررا الاتحاد بعد حصولهما على الاستقلال ليشكلا جمهورية الصومال عام 1960 ،فإن الصومال الفرنسي فضّل بضغوط فرنسية واضحة، الاستقلال بعيدا عن الهوية الصومالية الواحدة عام 1977 تحت اسم دولة جيبوتي.والمفارقة في أمر التقسيم والتقاسم انه لم يقتصر عند هذه الحدود، بل أن بريطانيا سهلت لإثيوبيا سلخ إقليم الأوغادين وضمه إليها. وفي عام 1963 قررت الحكومة البريطانية منح الإقليم الجنوبي الغربي من الصومال إلى كينيا ليشكل منطقة الحدود الشمالية الشرقية التي تقطنها أغلبية صومالية.
فالهوية الصومالية شُتت في الأساس بين فواعل إقليمية ودولية وجدت ضالتها في تناحر الصوماليين أنفسهم، وصولا إلى تلاشي النظام وانهيار المؤسسات وانحلال الدولة. ثمة محاولات غير بريئة جرت مؤخرا بداية تسعينات القرن الماضي لإعادة تشكيل صورة النظام عبر قوات أممية،سرعان ما انسحبت بعد زجها بالتناحر الداخلي ليحل محلها قوات افريقية – أممية،لكنها ضاعت في مهامها وسط مشاكل وأزمات الصوماليين التي لا تعد ولا تحصى.
اليوم يعود الاهتمام بالصومال المقطع الأوصال، بالنظر للعديد من الأسباب الخاصة به وبوضعه الإقليمي. فداخليا ثمة حراك لإقامة انتخابات برلمانية في الصيف المقبل يؤمل منها ان تفضي إلى تركيبة سياسية ما، تعيد هيكلة الدولة والمؤسسات،لكن دون ذلك صعوبات كثيرة،متعلقة أولا بالأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في أزمته،وثانيا بالمشاريع والرؤى المطروحة من هذا الطرف أو ذاك.
فقد عقد مؤتمر لندن على زغل سياسي إقليمي ودولي يمكن استشراف العديد من الملاحظات عليه،من بينها استبعاد فئة الشباب وهم جلهم من الإسلاميين،علاوة على ان انعقاد المؤتمر، لا يعدو من وجهة النظر البريطانية سوى محاولة لحل المشاكل التي تسببت الميليشيات الصومالية به كالقرصنة البحرية مثلا، التي تتحكم في مصير تجارة دولية تبلغ أكثر من 2000 مليار دولار تعبر المنطقة. أما الأمر الثالث فمتعلق بالوجهة المرغوبة لمستقبل الصومال حيث حضر المؤتمر خمسة من زعماء أقاليم مستقلة، وما تقرر من إنشاء صندوق لتمويل إنماء السودان ما سيشجع أقاليم أخرى للاستقلال مثل إقليم ارض الصومال وغيره.
ان التدقيق في خارطة طريق الصومال تشير إلى صورة الفدرلة التي باتت موضة دستورية – سياسية في الدول العربية، بعدما طرحت في سبعينيات القرن الماضي في لبنان، وطبقت في دستور العراق بعد الاحتلال، وتجاهد بعض القوى الليبية لاعتماده هناك،فيما يبدو ان الصومال يتلقفه أيضا في ظل ظروف مساعدة على انطلاقته. وما يعزز هذه الصورة أولا سياسة كل من أثيوبيا وكينيا التي ترى من مصلحتها أولا وأخيرا بقاء صومال ممزق ذو تركيبة فدرالية هشة يسهم في نسيان الإقليمين المقتطعين منه لمصلحتهما. وثانيا ميل الشرائح الاجتماعية والسياسية والقبلية الصومالية الانطواء والاعتزال تجاه القبيلة والعشيرة باعتبارها الحضن الدافئ في ظل غياب الدولة وعدم القدرة على إعادة إطلاقها. وثالثا مضي الدول الكبرى الفاعلة في الأزمة ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا النظر إلى صومال موزع بين أقاليم مستقلة متناحرة أو متباعدة ،وفي أحسن الأحوال صومال فدرالي.
منذ أكثر من عقدين من الزمن، والصوماليون يعيشون خارج التاريخ والجغرافيا،فقد همشوا وتركوا وسط ضجيج القضايا العربية وتفاصيل أزماتها،فأضيف للهمِّ العربي همٌ آخر لا يقل خطورة عن قضاياه المركزية الأخرى.وفي ظل انشغال العرب بثوراتهم غابت فلسطين وقُسم السودان ، ومشروع الفدرلة حط في ليبيا ،ويبدو انه يتابع نحو الصومال.ثمة حراك إقليمي ودولي مكثف قادم على القرن الأفريقي، في محاولة لرسم جغرافيا سياسية جديدة تراعي متغيرات كثيرة ظهرت مؤخرا في نظامنا الإقليمي العربي .فأين نحن العرب من كل ما يجري حولنا وفينا وعلينا؟ هل سنبقى نحتفل بوصولنا إلى الأرقام القياسية في عدد دولنا وأقاليمنا؟ ثمة اعتقاد أننا بالتأكيد حجزنا مكانا بارزا في موسوعة غينيز ولن يتمكن احد من تجاوزه في المدى المنظور!