07‏/01‏/2013

عام التحديات العربية


عام التحديات العربية

د.خليل حسين

استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

بيروت : 2/2/2013

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 7/1/2013


 
      لم يشهد الوطن العربي ظروفا كالتي يمر فيها حاليا، ثمة تحديات ينبغي الاجابة عليها ،قبل الانتقال إلى منعطفات خطرة في تاريخه السياسي الحديث والمعاصر،  الحافل اصلا بالكثير من علامات الاستفهام التي لم يعثر عن تفسير منطقي أو واقعي لها.فمنذ قرن إلا نيفا، لا زال العرب شعبا وقيادات ونخبا وبعدها أنظمة ، تتحرك وتعمل في دائرة الرهانات على المتغيرات التي تجري فيها وحولها، دون كلل أو ملل رغم التيقن الواضح،ان تلك الوسائل لم تكن يوما ناجحة أو يمكن البناء عليها للمستقبل.

       راهن العرب ابان الحرب العالمية الاولى على الحلفاء لنيل الاستقلال عن الامبراطورية العثمانية ، فكانت النتيجة تقسيم ارض العرب إلى جغرافية سياسية لا مثيل لها في تاريخ نشوء الكيانات والدول. تابعوا المسيرة عينها فخسروا فلسطين ، وانقسموا فيما بينهم حول سياسات وأحلاف دولية، فخسروا اهم قضاياهم ،ووصل بهم الأمر ان تنازعوا وتحاربوا على مسائل ثانوية وفرعية في حياة الشعوب والأمم. واليوم يغرق العرب مجتمعات وأحزاب ونخب بأحلام وردية أسموها ربيعا ، وهم في هذا لا زالوا يراهنون على المتغيرات نفسها التي ركنوا إليها سابقا.فما العمل؟

      التحدي الأول الذي يواجهه العرب اليوم الاسئلة المتعلقة بالنظم السياسية التي ينبغي ان تبنى في كياناتهم المهترأة اصلا وفصلا، كيف يمكن الوصول إليها ؟هل عبر السبل الديموقراطية المتعارف عليها ؟ ام ثمة عوائق تجبر القائمين فيها على اللجوء إلى عسكرة الثورات؟ وبالتالي المزيد من القمع والكبت والدم والتي أظهرت الوقائع السالفة عدم جدواها حتى الآن.وماذا عن طبيعة الأنظمة وعقائدها وإيديولوجياتها المستساغة شعبيا ،هل الحل بإعطاء فرص أخرى لمن وصل إلى السلطة والحكم لإثبات جدارته بقيادة مجتمعاته؟ ام ينبغي الاصغاء إلى الرأي الآخر الذي بات يتحدث بصوت عال عن تهميشه وعدم الاكتراث إليه في الوقت الذي يجاهر بأن من وصل إلى سدة الحكم بات مثل سلفه ، بل يمارس السلطة عبر آليات أكثر استبدادا وشمولية وعنفا، ويستند في رأيه إلى نموذج كل من ليبيا وتونس ومصر ، التي استعمل فيها درة تاج الديموقراطية "الاستفتاء" لممارسة الكبت الفكري والعقائدي. اسئلة كثيرة تطول بطول خصائص مجتمعاتنا العربية وتقاليدها في ممارسة السلطة.

       التحدي الأخطر الذي يواجه العرب حاليا هو العودة إلى الجغرافيا السياسية للمنطقة ،  بعدما غابوا وغيبوا عن تاريخها.لقد انتهى النظام الاقليمي العربي الذي عانى الكثير من عوامل التصدع والضعف والوهن، وهو الآن في حالة غيبوبة سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية تامة، في ظل سطوع نجم قوى اقليمية صاعدة كتركيا وإيران وإسرائيل، صعود يبدو متسارعا يصعب التنبؤ بمداه وتداعياته وأثاره في ظل الضمور المريع للامكانات العربية. كيف بمكن الخروج من هذا النفق في الوقت الذي لا يزال الكثير من العرب منقسمون حول الرؤية الاستراتيجية لتحالفاتهم الاقليمية ، بل وصل الأمر إلى حال من الحولّ السياسي في التمييز بين العدو والصديق والحليف.

     التحدي الآخر الذي يبدو اكثر الحاحا هو الولوج في اعادة هيكلة الاقتصاد وعمليات التنمية في مختلف مجالاتها وبخاصة المجتمعية منها.فالعرب في العقد الثاني من الالفية الثالثة لا زالوا يتصدرون قوائم الامية والبطالة والفقر، وتدني النمو والدخل،في المقابل هم الأكثر مديونية والأكثر عجزا في ميزانيات التبادل البيني والخارجي ، باختصار باتوا امة تبتعد عن التي اخرجت للناس. لكن في مقابل ذلك ، يبدوا انهم الأمة الأكثر انقساما وتسارعا في انقسام الدول وتزايد اعدادها.

       بعض العرب منقسمون اليوم حول سياسات دولية منتععشة هذه الأيام بين روسيا والولايات المتحدة، وينتظرون تبدل الادارات والسياسات لحسم مواقفهم تجاه الكثير من الملفات البينية أو الداخلية، في الوقت الذي يعرفون جيدا انهم لم ولن يكونوا إلا وقودا لتلك السياسات ونتائج لها،ومن الصعب ان يكونوا فاعلين أو مؤثرين فيها.وهنا التحدي الأبرز الذي يواجه العرب نظما      ونحبا ومجتمعات ، وهو تحدٍ دائم الظهور ، وحاضر ناضر في مختلف الاستحقاقات كبرت ام صغرت في مسار معالجاتهم لقضاياهم.

       تلك هي حال الأمة في عام يبدو الأصعب في تاريخها ، فهل سيكون العرب في العام 2013 في مستوى التحديات التي يواجهونها ؟ ام سيكونون مجرد أرقام صعبة فيما بينهم ، وسهلة على غيرهم في تفكيك الالغاز والطلاسم التي احاطوا انفسهم فيها.