02‏/04‏/2013

خلفيات استقالة الحكومة اللبنانية وتداعيتها


خلفيات استقالة الحكومة اللبنانية وتداعيتها
د.خليل حسين
اسناذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/4/2013

        لم تكن استقالة الحكومة اللبنانية امرا مفاجئا ، ولا هي سابقة لجهة التوقيت. إلا ان تداعياتها الداخلية والخارجية تعطي هذا الحدث ابعادا خطرة من الصعب تجاوزها دون إحداث متغيرات وازنة في طبيعة المرحلة القادمة.

       فبعد الفراغ الأمني الذي اشتدت آثاره في المرحلة السابقة، اتت الاستقالة لتكرّس بيئة الفراغ السياسي لاحقا. فقانون الانتخاب الذي اسقط عمليا وفعليا الحكومة ولو عبر استقالة طوعية، اعاد للاذهان مقولة استحالة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المفترض قبل العشرين من حزيران القادم موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي. الامر الذي يطرح تساؤلات أخرى أشد خطورة وحساسية لجهة الفراغ الذي سيقع به لبنان وبالتالي الآثار المترتبة عليه في سياق ادارة أزماته الداخلية وارتباطاتها الخارجية ، وبخاصة الأزمة السورية.

        ربما مفارقة استقالة الحكومة انها تزامنت مع مواقف واضحة للرئيس الامريكي باراك اوباما تجاه بعض المكونات السياسية للواقع اللبناني،التي اطلقها في خلال جولته في المنطقة ،والتي تُرجمت كإشارة واضحة لانعطافة السياسة الامريكية تجاه بعض الملفات اللبنانية المرتبطة تحديدا بسوريا واسرائيل.فلبنان من الناحية العملية والفعلية كان موضوعا ضمن لائحة الانتظار لما ستتوضح عليه الصورة في الأزمة السورية، وفي ظل عدم قدرة لبنان الفعلية على المضي بسياسة النأي بالنفس المفترضة، أتت اللحظة المناسبة لاعادة تدوير ازماته لما يخدم اعادة خلط الاوراق وموازين القوى الداخلية وفي المنطقة. فماهي التداعيات المحتملة؟

      اولا لقد دخل لبنان عمليا في نفق الفراغ السياسي والامني المظلم، والذي يبدو انه سيكون طويلا، فآلية التكليف ومن ثم التشكيل ليست واضحة المعالم، واذا تمت اصلا من الصعب التوافق على تشكيلة حكومية بفعل الانقسام السياسي الحاد ،وعدم قدرة أي طرف على حسم العملية دون اللجوء إلى الكتلة الوسطية التي لها شروطها الخاصة المكلفة عمليا للفريقين الاساسيين.وعليه ان مشاريع التمديد لبعض المؤسسات والمواقع الدستورية بات امرا واقعا في ظل حكومة كانت تُصرّف الاعمال منذ انطلاقتها اصلا.

       ثانيا، لقد تم ربط الازمة اللبنانية وتفاصيلها الداخلية بشكل عضوي بالازمة السورية، وبالتالي ان فكاك عناصر الأزمة اللبنانية بات صعبا للغاية بمعزل عن حل متكامل لمكونات ازمات المنطقة العربية وغير العربية.وهنا تكمن خطورة المسألة. فالفاعلون الاساسيون في ادارة الأزمة لا يملكون القدرة الفعليه على التأثير لا في قواعد اللعبة ولا في آليات التحكم بها ولو بالقدر اليسير دون إحداث متغيرات واضحة وهو أمر شبه مستحيل في ظل التوازنات الداخلية اللبنانية القائمة.

        ثالثا، ان الاتكاء على شماعة الحوار الوطني اللبناني بهدف سد الفجوات الواسعة الحاصلة في التركيبة السياسية اللبنانية، امر دونه عقبات هائلة، فالخلافات اللبنانية حول بعض الملفات هي أكبر منهم مجتمعبن، وهي ملفات اقليمية بطبيعتها ولا يملكون وسائل الحل والربط فيها اصلا، وبالتاللي ان اعادة تجربة الحوارات والمشاورات السابقة هي كمن يستجير من الرمضاء بالنار،ولا تعدو كونها اعادة لتأجيج الخلافات على قواعد أشد عنفا في ظروف لم يعد الوقت بكافٍ لدى جميع الأطراف للتفكير بحل ما قبل الحوار فيه.

        فسياسة النأي  بالنفس التي ابتدعتها الحكومة المستقيلة هي عمليا مستحيلة.فاللبنانيون هم منقسمون حول الأزمة السورية بل منخرطون فيها بقغل اسباب وعوامل كثيرة ومتنوعة، وبالتالي ان اللجوء إلى فكرة الحوار في هذه القضية لن تقدم أو تؤخر في سياق الموضوع، ب ان هذه القضية كانت سببا في تعليق الحوار في المرة الأخيرة. والأمر نفسه ينسحب أيضا على سلاح المقاومة، الذي أصبح مادة صدامية قبل ان يكون خلافيا فيما بينهم.

       لقد سبق للبنان ان دخل وأدخل،في أزمات ظاهرها داخلي وباطنها خارجي، وسرعان ما كانت تداعياتها تفتك فيه،إلا ان ما يمر به حاليا وما ينتظره ، ربما يفوق أي خطر كان قد تعرّض له سابقا. فالفتن المذهبية اوقظت فيه،والفراغ الامني استشرى فيه، والفراغ السياسي بدأ فيه.

      ثمة ثوابت في التاريخ السياسي للدول، من بينها ان التسويات الكبرى غالبا ما تأتي على حساب الدول الضعيفة والصغرى ، فهل ادخل لبنان في نفق ازمات المنطقة؟ وهل ان ثمة بوادر للتسويات قادمة وتستلزم بعض الوقود لدفعها؟ وهل في قدرة لبنان تحمّل ذلك مجددا؟ يبدو ان ثمة اسبابا معلنة ومضمرة لاستقالة الحكومة اللبنانية، والمستقبل القريب كافٍ لاظهار  المجهول وايضاح بعض المعلوم!

      

       

      

       

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلفيات استقالة الحكومة اللبنانية وتداعيتها

د.خليل حسين

اسناذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/4/2013

 

        لم تكن استقالة الحكومة اللبنانية امرا مفاجئا ، ولا هي سابقة لجهة التوقيت. إلا ان تداعياتها الداخلية والخارجية تعطي هذا الحدث ابعادا خطرة من الصعب تجاوزها دون إحداث متغيرات وازنة في طبيعة المرحلة القادمة.

       فبعد الفراغ الأمني الذي اشتدت آثاره في المرحلة السابقة، اتت الاستقالة لتكرّس بيئة الفراغ السياسي لاحقا. فقانون الانتخاب الذي اسقط عمليا وفعليا الحكومة ولو عبر استقالة طوعية، اعاد للاذهان مقولة استحالة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المفترض قبل العشرين من حزيران القادم موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي. الامر الذي يطرح تساؤلات أخرى أشد خطورة وحساسية لجهة الفراغ الذي سيقع به لبنان وبالتالي الآثار المترتبة عليه في سياق ادارة أزماته الداخلية وارتباطاتها الخارجية ، وبخاصة الأزمة السورية.

        ربما مفارقة استقالة الحكومة انها تزامنت مع مواقف واضحة للرئيس الامريكي باراك اوباما تجاه بعض المكونات السياسية للواقع اللبناني،التي اطلقها في خلال جولته في المنطقة ،والتي تُرجمت كإشارة واضحة لانعطافة السياسة الامريكية تجاه بعض الملفات اللبنانية المرتبطة تحديدا بسوريا واسرائيل.فلبنان من الناحية العملية والفعلية كان موضوعا ضمن لائحة الانتظار لما ستتوضح عليه الصورة في الأزمة السورية، وفي ظل عدم قدرة لبنان الفعلية على المضي بسياسة النأي بالنفس المفترضة، أتت اللحظة المناسبة لاعادة تدوير ازماته لما يخدم اعادة خلط الاوراق وموازين القوى الداخلية وفي المنطقة. فماهي التداعيات المحتملة؟

      اولا لقد دخل لبنان عمليا في نفق الفراغ السياسي والامني المظلم، والذي يبدو انه سيكون طويلا، فآلية التكليف ومن ثم التشكيل ليست واضحة المعالم، واذا تمت اصلا من الصعب التوافق على تشكيلة حكومية بفعل الانقسام السياسي الحاد ،وعدم قدرة أي طرف على حسم العملية دون اللجوء إلى الكتلة الوسطية التي لها شروطها الخاصة المكلفة عمليا للفريقين الاساسيين.وعليه ان مشاريع التمديد لبعض المؤسسات والمواقع الدستورية بات امرا واقعا في ظل حكومة كانت تُصرّف الاعمال منذ انطلاقتها اصلا.

       ثانيا، لقد تم ربط الازمة اللبنانية وتفاصيلها الداخلية بشكل عضوي بالازمة السورية، وبالتالي ان فكاك عناصر الأزمة اللبنانية بات صعبا للغاية بمعزل عن حل متكامل لمكونات ازمات المنطقة العربية وغير العربية.وهنا تكمن خطورة المسألة. فالفاعلون الاساسيون في ادارة الأزمة لا يملكون القدرة الفعليه على التأثير لا في قواعد اللعبة ولا في آليات التحكم بها ولو بالقدر اليسير دون إحداث متغيرات واضحة وهو أمر شبه مستحيل في ظل التوازنات الداخلية اللبنانية القائمة.

        ثالثا، ان الاتكاء على شماعة الحوار الوطني اللبناني بهدف سد الفجوات الواسعة الحاصلة في التركيبة السياسية اللبنانية، امر دونه عقبات هائلة، فالخلافات اللبنانية حول بعض الملفات هي أكبر منهم مجتمعبن، وهي ملفات اقليمية بطبيعتها ولا يملكون وسائل الحل والربط فيها اصلا، وبالتاللي ان اعادة تجربة الحوارات والمشاورات السابقة هي كمن يستجير من الرمضاء بالنار،ولا تعدو كونها اعادة لتأجيج الخلافات على قواعد أشد عنفا في ظروف لم يعد الوقت بكافٍ لدى جميع الأطراف للتفكير بحل ما قبل الحوار فيه.

        فسياسة النأي  بالنفس التي ابتدعتها الحكومة المستقيلة هي عمليا مستحيلة.فاللبنانيون هم منقسمون حول الأزمة السورية بل منخرطون فيها بقغل اسباب وعوامل كثيرة ومتنوعة، وبالتالي ان اللجوء إلى فكرة الحوار في هذه القضية لن تقدم أو تؤخر في سياق الموضوع، ب ان هذه القضية كانت سببا في تعليق الحوار في المرة الأخيرة. والأمر نفسه ينسحب أيضا على سلاح المقاومة، الذي أصبح مادة صدامية قبل ان يكون خلافيا فيما بينهم.

       لقد سبق للبنان ان دخل وأدخل،في أزمات ظاهرها داخلي وباطنها خارجي، وسرعان ما كانت تداعياتها تفتك فيه،إلا ان ما يمر به حاليا وما ينتظره ، ربما يفوق أي خطر كان قد تعرّض له سابقا. فالفتن المذهبية اوقظت فيه،والفراغ الامني استشرى فيه، والفراغ السياسي بدأ فيه.

      ثمة ثوابت في التاريخ السياسي للدول، من بينها ان التسويات الكبرى غالبا ما تأتي على حساب الدول الضعيفة والصغرى ، فهل ادخل لبنان في نفق ازمات المنطقة؟ وهل ان ثمة بوادر للتسويات قادمة وتستلزم بعض الوقود لدفعها؟ وهل في قدرة لبنان تحمّل ذلك مجددا؟ يبدو ان ثمة اسبابا معلنة ومضمرة لاستقالة الحكومة اللبنانية، والمستقبل القريب كافٍ لاظهار  المجهول وايضاح بعض المعلوم!

      

       

      

       

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلفيات استقالة الحكومة اللبنانية وتداعيتها

د.خليل حسين

اسناذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/4/2013

 

        لم تكن استقالة الحكومة اللبنانية امرا مفاجئا ، ولا هي سابقة لجهة التوقيت. إلا ان تداعياتها الداخلية والخارجية تعطي هذا الحدث ابعادا خطرة من الصعب تجاوزها دون إحداث متغيرات وازنة في طبيعة المرحلة القادمة.

       فبعد الفراغ الأمني الذي اشتدت آثاره في المرحلة السابقة، اتت الاستقالة لتكرّس بيئة الفراغ السياسي لاحقا. فقانون الانتخاب الذي اسقط عمليا وفعليا الحكومة ولو عبر استقالة طوعية، اعاد للاذهان مقولة استحالة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المفترض قبل العشرين من حزيران القادم موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي. الامر الذي يطرح تساؤلات أخرى أشد خطورة وحساسية لجهة الفراغ الذي سيقع به لبنان وبالتالي الآثار المترتبة عليه في سياق ادارة أزماته الداخلية وارتباطاتها الخارجية ، وبخاصة الأزمة السورية.

        ربما مفارقة استقالة الحكومة انها تزامنت مع مواقف واضحة للرئيس الامريكي باراك اوباما تجاه بعض المكونات السياسية للواقع اللبناني،التي اطلقها في خلال جولته في المنطقة ،والتي تُرجمت كإشارة واضحة لانعطافة السياسة الامريكية تجاه بعض الملفات اللبنانية المرتبطة تحديدا بسوريا واسرائيل.فلبنان من الناحية العملية والفعلية كان موضوعا ضمن لائحة الانتظار لما ستتوضح عليه الصورة في الأزمة السورية، وفي ظل عدم قدرة لبنان الفعلية على المضي بسياسة النأي بالنفس المفترضة، أتت اللحظة المناسبة لاعادة تدوير ازماته لما يخدم اعادة خلط الاوراق وموازين القوى الداخلية وفي المنطقة. فماهي التداعيات المحتملة؟

      اولا لقد دخل لبنان عمليا في نفق الفراغ السياسي والامني المظلم، والذي يبدو انه سيكون طويلا، فآلية التكليف ومن ثم التشكيل ليست واضحة المعالم، واذا تمت اصلا من الصعب التوافق على تشكيلة حكومية بفعل الانقسام السياسي الحاد ،وعدم قدرة أي طرف على حسم العملية دون اللجوء إلى الكتلة الوسطية التي لها شروطها الخاصة المكلفة عمليا للفريقين الاساسيين.وعليه ان مشاريع التمديد لبعض المؤسسات والمواقع الدستورية بات امرا واقعا في ظل حكومة كانت تُصرّف الاعمال منذ انطلاقتها اصلا.

       ثانيا، لقد تم ربط الازمة اللبنانية وتفاصيلها الداخلية بشكل عضوي بالازمة السورية، وبالتالي ان فكاك عناصر الأزمة اللبنانية بات صعبا للغاية بمعزل عن حل متكامل لمكونات ازمات المنطقة العربية وغير العربية.وهنا تكمن خطورة المسألة. فالفاعلون الاساسيون في ادارة الأزمة لا يملكون القدرة الفعليه على التأثير لا في قواعد اللعبة ولا في آليات التحكم بها ولو بالقدر اليسير دون إحداث متغيرات واضحة وهو أمر شبه مستحيل في ظل التوازنات الداخلية اللبنانية القائمة.

        ثالثا، ان الاتكاء على شماعة الحوار الوطني اللبناني بهدف سد الفجوات الواسعة الحاصلة في التركيبة السياسية اللبنانية، امر دونه عقبات هائلة، فالخلافات اللبنانية حول بعض الملفات هي أكبر منهم مجتمعبن، وهي ملفات اقليمية بطبيعتها ولا يملكون وسائل الحل والربط فيها اصلا، وبالتاللي ان اعادة تجربة الحوارات والمشاورات السابقة هي كمن يستجير من الرمضاء بالنار،ولا تعدو كونها اعادة لتأجيج الخلافات على قواعد أشد عنفا في ظروف لم يعد الوقت بكافٍ لدى جميع الأطراف للتفكير بحل ما قبل الحوار فيه.

        فسياسة النأي  بالنفس التي ابتدعتها الحكومة المستقيلة هي عمليا مستحيلة.فاللبنانيون هم منقسمون حول الأزمة السورية بل منخرطون فيها بقغل اسباب وعوامل كثيرة ومتنوعة، وبالتالي ان اللجوء إلى فكرة الحوار في هذه القضية لن تقدم أو تؤخر في سياق الموضوع، ب ان هذه القضية كانت سببا في تعليق الحوار في المرة الأخيرة. والأمر نفسه ينسحب أيضا على سلاح المقاومة، الذي أصبح مادة صدامية قبل ان يكون خلافيا فيما بينهم.

       لقد سبق للبنان ان دخل وأدخل،في أزمات ظاهرها داخلي وباطنها خارجي، وسرعان ما كانت تداعياتها تفتك فيه،إلا ان ما يمر به حاليا وما ينتظره ، ربما يفوق أي خطر كان قد تعرّض له سابقا. فالفتن المذهبية اوقظت فيه،والفراغ الامني استشرى فيه، والفراغ السياسي بدأ فيه.

      ثمة ثوابت في التاريخ السياسي للدول، من بينها ان التسويات الكبرى غالبا ما تأتي على حساب الدول الضعيفة والصغرى ، فهل ادخل لبنان في نفق ازمات المنطقة؟ وهل ان ثمة بوادر للتسويات قادمة وتستلزم بعض الوقود لدفعها؟ وهل في قدرة لبنان تحمّل ذلك مجددا؟ يبدو ان ثمة اسبابا معلنة ومضمرة لاستقالة الحكومة اللبنانية، والمستقبل القريب كافٍ لاظهار  المجهول وايضاح بعض المعلوم!