07‏/04‏/2013

الامم المتحدة والسلاح التقليدي


الامم المتحدة والسلاح التقليدي

د.خليل حسين

استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 7/4/2013

 

       في وقت تتراكم نذر حرب نووية بين الكوريتين ومن يدعمهما، تمكنت الامم المتحدة عبر الجمعية العامة من اقرار معاهدة تنظيم الاتجار بالاسلحة التقليدية،وهي سابقة في هذا المجال،اذ ان السلاح التقليدي لم يأخذ الحيز المفترض من الاهتمام، رغم ان مخاطره وانتشاره وطبيعة استعماله تفوق تصورات الكثيرين من متابعي تجارة الاسلحة وتداعياتها.

      وغريب المفارقات في هذه القضية، ان الامم المتحدة والكثير من الدول المنضمة إليها،اعطت اهتماما لافتا للاسلحة غير التقليددية، وعقدت لها مؤتمرات ومتابعات هائلة،وتمكنت من خلالها التوصل للعديد من المعاهدات الدولية ذات الصلة، فيما الاسلحة التقليدية وان كانت وما زالت مثار جدل كبير،لم تأخذ القسط الوافر إلا في السنوات السبعة الماضية وهو التاريخ الذي اطلقت فيه مفاوضات متعددة الاطراف، فيما واجهت هذه المتابعات مصاعب وعثرات من غير جهة دولية وبخاصة من الدول المنتجة والمصدرة ،ذلك للعديد من الاعتبارات المتعلقة بالجوانب المالية أو السياسية.

      واللافت في هذا المجال، ان اقرار المعاهدة التي تمّت في الجمعية العامة للأمم المتحدة حازت على 154 صوتا مقابل امتناع 23 ورفض ثلاث دول هي ايران وسوريا وكوريا الشمالية، وهي دول موصّفة من قبل الولايات المتحدة الامريكية بأنها دول "مارقة"، أو "حاضنة للارهاب". وبمقايسس الموافقة على المعاهدات الدولية يعتبر هذا الاقرار عاليا مقارنة بعدد المنضمين إلى الامم المتحدة البالغ عددهم 193 دولة، ما يعكس اهتماما دوليا بنوعية هذا السلاح ومدى مخاطره على البشرية جمعاء. يشار الى ان نمو تجارة الأسلحة غير التقليدية يزداد بشكل لافت لارتباطها باقتصاديات الدول الكبرى، حيث قُدر حجم تجارة الأسلحة دولياً بحوالي 100 مليار دولار أمريكي في عام 2012 وحده، بعدما كان لا يتجاوز 70 مليار دولار قبل سنوات.

      يشار الى ان المفاوضات السابقة في الأمم المتحدة منذ عام 2006 وآخرها في شهر تموز /  يوليو 2012 باءت بالفشل بعد انضمام الولايات المتحدة للصين وروسيا في الدعوة إلى تأجيل المحادثات، إذ إن الدول الثلاث تعدّ من أكبر مصدّري السلاح الرئيسيين في العالم، الأمر الذي أثار حفيظة العديد من الفاعلين الدوليين وغير الدوليين، في ظل بيئة أمنية دولية مضطربة ومتفجرة في كثير من الاحيان، إذ تلعب زيادة الصراعات الدولية وتنامي دور الجماعات المسلحة وتهديداتها لنظم الحكم دوراً في تنامي مشتريات السلاح التقليدي، خاصة بواسطة الفاعلين من غير الدول، ما عرقل المساعي الدولية للتوصل للمعاهدة، إذ يتم توجيه صفقات الأسلحة بهدف تغذية الصراع ودعم أطرافه، وامتداد مجاله في العديد من الدول، وارتباط ذلك بجماعات الضغط ومصالح الشركات متعددة الجنسيات والمحتكرة لإنتاج السلاح، ومساندة الدول الكبري لها.وقد تكون الدول الصناعية السبب في إعاقة الاتفاقية لخدمة مصالحها، أو بمعنى ادق زيادة مبيعاتها من السلاح؛ باعتبار أن تجارة الاسلحة ترتبط بشبكة سرية من العملاء والصفقات السرية التي لا يتم الكشف عن مزيد منها.

        يشار الى ان الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن تسيطر على سوق صادرات السلاح الدولي والمكوّن من الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا بالإضافة إلى ألمانيا بنسبة 80% من جميع صادرات الأسلحة في العالم التي تقدر بحوالي 70 مليار دولار سنوياً، وتضاعف نصيب الولايات المتحدة من تجارة السلاح بنحو ثلاثة أمثال، وارتفع من 40% إلى 87% من تجارة الاسلحة عام 2011.

     ان الاهداف المعلنة من هذه المعاهدة يظهر في العديد من الجوانب؛ أهمها تأكيد وسهولة الجهود الدولية في مجال التعامل مع الأسلحة التقليدية عن غيرها من أسلحة الدمار الشامل النووية أو الكيماوية أو البيويولوجية أو حتى الجرثومية ، ذلك لسهولة التعامل مع السلاح التقليدي في النقل والاستخدام.كما مثل حجم المخاطر الدولية من تجارة الأسلحة التقليدية دافعاً للوصول للاتفاقية، فحوالي 750.000 شخص يقتلون سنوياً بالأسلحة التقليدية، كما يزداد ضحايا العنف المسلح المنتشر في مناطق الصراع داخل الدول وبينها، خاصة في الشرق الأوسط.كما تستهدف المعاهدة إعادة توجيه النفقات إلى مشروعات تنمية حقيقية بدلاً من شراء السلاح لإنعاش الاقتصاد العالمي.وقد يكون إبرام معاهدة تنظيم تجارة الأسلحة التقليدية التي لا تقل خطورة عن أسلحة الدمار الشامل، اطارا قانونيا لتفعيل عمليات الرقابة والتفتيش على هذه التجارة بين الدول، ما يؤدي بالتالي إلى تقليص عملية شراء المعدات والأسلحة العسكرية وتقليل عمليات الفساد المرتبطة بها.

        ان مستقبل المعاهدة مرهون بموقف الدول الكبرى منها والتي تحتفظ بفاعليتها الوازنة عبر التحكم في صادرات الأسلحة بهدف ضمان مكاسبها المادية حتى وإن كان الأمرعلى حساب الأرواح وحقوق الإنسان والأمن والسلم الدوليين. لقد فتكت الاسلحة التقليدية أضعاف أضعاف ما فتكت الاسلحة غير التقليدية عبر الحروب الدولية او الداخلية للدول، وربما تأتي هذه المعاهدة في وقت تحتاج البشرية الى المزيد من الوعي للمخاطر التي تحيط بها جراء هذه التجارة غير المنظمة دوليا والتي تستحق الاهتمام والمتابعة لتنفيذ الاتفاقية.