14‏/04‏/2013

الجيوش الالكترونية العربية

الجيوش الالكترونية العربية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج العربية بتاريخ 14/4/2013
       قبل سنتين ونيف تمكنت الاحزاب الالكترونية العربية من قيادة العديد من المجتمعات العربية وتحريكها في اتجاه اسقاط هذا النظام أو ذاك،وتمكنت أيضا من عزل العديد من الاحزاب المعارضة أو الحاكمة،بل تخطتها بمسافات كثيرة في كيفية توجيه الجماهير الحاقدة على انظمتها.
      اليوم ظهرت تجربة جديدة ، جديرة بالملاحظة والمتابعة وبالضرورة بالاهتمام نظرا لدلالاتها الرمزية، وهي تمكن الهاكرز العربي من اختراق العديد من المواقع الرسمية الاستراتيجية الاسرائيلية والتحكم فيها،مما يدفع إلى طرح العديد من التساؤلات التي تبدو محقة بل مفيدة ، بهدف القاء نظرة ولو سريعة على واقعنا العربي الذي بات بنظر الكثيرين مزريا وغير قابل للنهوض من غفوته التي طالت كثيرا.
      صحيح ان الهاكرز العربي قد تمكن من السيطرة على مفاصل المواقع الاسرائيلية وهي بلغة التكنولوجيا مواقع افتراضية، وبالتالي ثمة من يقول ان هذا النصر هو مجرد نصر افتراضي، إلا ان المسألة ابعد من ذلك بكثير وهي متعلقة بقدرة العقل العربي وامكاناته المتقدمة، وبالتالي امكانية استخدامها في الصراع المفتوح مع اسرائيل.
       ففي زمن الهزائم العربية ، سجل الانمينوس العربي سابقة هي الاولى بمواجهة اسرائيل ،حيث اجبرت وللمرة الاولى ان تكون في حالة دفاع لا هجوم، الامر الذي يؤسس إلى بيئة يمكن البناء عليها مفادها، ان لا تفوق للعقل الاسرائيلي وبالتالي للتكنولوجيا الاسرائيلية التي تفاخر فيها، اي ان ثمة قدرات قابلة للمنافسة والحاق الهزائم بالدولة التي لا تقهر تكنولوجيا بعدما ساد شعار في السابق انها دولة لا تهزم عسكريا وهزمت في عدة مواقع من بينها 2006 في لبنان و2009 في غزة.
        المفارقة المبكية المضحكة في آن هذه المرة ، تكمن في سلوك انظمتنا العربية التي صرفت مئات مليارات الدولارات على حفلات التسلح اما لمواجهة اسرائيل واما لمواجهة بعضها البعض،في وقت لم تسجل اي موازنة لاي دولة عربية ولو قسما رمزيا للبحث االعلمي والتكنولوجي،وفي احسن الاحوال لا تتعدى الواحد بالمئة ان وجدت،فيما الموازنات الاسرائيلية خصصت ارقاما لافتة تتعدى العشرة بالمئة للبحث العلني، فأين نحن العرب من هذه القضية الملحة التي يتوقف عليها مصير الامم في عالمنا اليوم.
       لقد خاضت الانظمة العربية اربعة حروب رئيسية استراتيجية ضد اسرائيل 1948 و1956 و1967 و1973،ومثلها حروب تكتية بالمفهوم العسكري، وفي جميعها تقريبا لم يتمكن العرب من احراز نصر حقيقي قابل للصرف السياسي،بل تمكنت اسرائيل في معظم حروبها من تحويل هزائمها التكتية إلى انتصارات استراتيجية، ذلك بفضل البنية الاستراتيجية التي تتمتع بها من امكانات علمية وتكنولوجية ومهارات بشرية متنوعة، طبعا علاوة على تخلفنا وتفرّقنا  نحن العرب في مواجهتها.
       اليوم خاض جنود الكترونيون مجهولون معركة جريئة وتمكنوا من اثبات قدراتهم الفارقة،بمواجهة دولة تدّعي انها اصبحت من بين الدول الاوائل في العالم في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وبخاصة من الجيل الرابع، الامر الذي سينعكس سلبا على صورتها عالميا، خاصة انها على شراكة عملاقة مع العديد من الشركات المماثلة في غير دولة ولأهداف متنوعة ومتعددة.
     المهم في هذا الاطار هو الاستفادة القصوى من تداعيات هذه المعركة وان كانت برمزيتها من النوع الافتراضي القابل للهضم والبلع، اذ ان الدرس الاول الذي يجب ترسيخه في ذاكرتنا الجماعية، ان لا استحالة تحت الشمس، وان التطور والتقدم ينبغي ان يكون سبيل الشباب العربي. كما ان الدرس الاول الموجه للأنظمة تحديدا ان التقدم العلمي والتكنولوجي هو الذي يحفظ للأمم والشعوب مكانتها الدولية وسطوتها وهيبتها، لا صفقات السلاح وتخصيص المليارات لها.
       ان تطوير المهارات والكفاءات وصقلها يستتبع بالضرورة تخصيص ارقام وازنة في الموازنات العربية للبحث العلمي،بهدف انتاج قيم علمية وتكنولوجية قابلة للصرف في عالم بات العلم فيه هو مقياس الوجود والبقاء بكرامة. ثمة ملايين من الجنود العرب المحشورين في جيوش تحمي انظمتها لا حدودها، وهذا ما مكَّن اسرائيل من تفوقها المضطرد علينا، فهل آن الآوان لكي نعيد النظر بمجمل فهمنا ورؤيتنا للمواجهة، لقد اسقطت الاحزاب الالكترونية العربية مثل الفايس بوك والتويتر وغيرها انظمة عاثت فسادا لعقود في مجتمعاتها،فهل أتى دور الانمينوس لاثبات وجودها ودورها أيضا،انها تجربة لافتة تعيد بعض الثقة التي افتقدناها منذو زمن!