22‏/05‏/2013

لبنان بين التمديد والتجديد


لبنان بين التمديد والتجديد
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الاوسط  بتاريخ 22/5/201
بيروت: 19/5/2013
      في بلد كلبنان الاستثناء هو القاعدة ، والقاعدة غاليا ما تكون استثناءً،ذلك ما ينطبق على معظم التفاعلات السياسية والاجتماعية وما يتصل بهما من قضايا فرعية.وغريب المفارقات انسحاب الأمر على مسائل وقضايا تعتبر مصيرية في حياة الأمم والشعوب ، إلا ان الأمر في لبنان يمر ببساطة وأحيانا كثيرة بسذاجة العارفين بخفايا وأبعاد وتداعيات أكثر المسائل خطورة على لبنان كيانا وشعبا ومؤسسات.
      فقد شكلت قوانين الانتخابات البرلمانية مثالا صارخا للمفارقة اللبنانية. فلم يمر قانون انتخابي منذ الاستقلال إلا وفيه الكثير من الاستثناءات التي راعت خصوصيات الكثير من طوائفه ومذاهبه وشرائحه الاجتماعية والسياسية،ورغم ذلك من الصعب ان يجد المدقق طرفا راضيا عما منحه الاستثناء من امتياز،فالكل يعتبر نفسه مغبون، والكل يعتبر الطرف الخصم هو الرابح ولا خاسر إلا سواه. والمتفحص في خفايا الأمور وبواطنها من السهل عليه معرفة نتائج اي انتخابات ستجرى ووفق اي قانون، باعتبار ان ما سيجري هو بالتأكيد استنساخ لما سبق ولو بألوان وتخريجات مختلفة.
      والمفارقة الأطرف في هذا الاطار مثلا ، رفض معظم اللبنانيين علانية لما يصطلح عليه قانون الستين (الانتخابي)، والإصرار عليه ضمنا باعتباره يمثل اقل الخسارات الممكنة. وفي مجال متصل نادى البعض بمشروع القانون الارثوذوكسي هربا من قانون الستين الذي يعمق الشرخ الطائفي ،فيما كل طائفة تنتخب نوابها في القانون الارثوذكسي!
      الامر عينه ينطبق أيضا على انتخابات الرئاسة الأولى فلم يمر اي استحقاق رئاسي إلا وكان التجديد أو التمديد عنوانا قبل نهاية ولاية الرئيس. ذلك انطبق على ولاية الرئيس الاول بشارة الخوري، حيث جدد له ست سنوت لكنه استقال قبل ثلاث سنوات بفعل المعارضة القوية له. المحاولة الثانية كانت مع الرئيس فؤاد شهاب ولكن بطريقة معكوسة، حيث رفض هو شخصيا التمديد فيما اجمع السياسيون اللبنانيون عليه آنذاك. طرح الموضوع مجددا مع الرئيس سليمان فرنجية والرئيس امين الجميل، ثم عاد التمديد لنصف ولاية مع الرئيسين الياس الهراوي واميل لحود،وثمة كلام لم يعد سرا حول الولاية الرئاسية الحالية.
     العبرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية هنا ،تكمن على خلفية التمديد للأزمات التي يتخبط بها لبنان مع كل استحقاق داهم. اليوم لا قانون انتخابي متوافق عليه بالحد الأدنى ومجلس نيابي على وشك انتهاء ولايته(16 حزيران) القادم. والولاية الرئاسية ستدخل في عامها الأخير،في وقت لا يزال لبنان مرهون بتطورات المنطقة ومنها مجريات الازمة السورية. كل ذلك يحدث في خلال حكومة مستقيلة،وحكومة تفتش عن مخرج لإعلان تشكيلتها. باختصار بلد ممد على خشبة الخلاص ينتظر رحمة الغير من سبات عميق ادخل فيه ولا يعرف احد كيف وأين ومتى سيعيد احياءه.
       ربما العنوان الابرز الذي يصح على لبنان اليوم، هو مرحلة التمديد لمجمل فواعله الدستورية نيابية وحكومية ورئاسية، ليس بهدف تسيير ما تبقى من واجبات ينبغي القيام بها،بقدر ما هو تمديد لمجمل ازماته المتلاحقة منذ نشأته في العام 1920. لقد بات من المستحيل اجراء انتخابات نيابية في الوقت المتبقي من عمر المجلس النيابي الحالي. والأمر ينطبق على تشكيل الحكومة الموعودة في ظل الانقسام العامودي الحاد بين الاطراف اللبنانية، كما الامر ينسحب موضوعيا ربما عل الانتخابات الرئاسية التي بدأت معركتها سرا وعلنا ليس الآن بل منذ انتخاب الرئيس الحالي قبل خمس سنوات خلت.
      ربما من المفيد توقف اللبنانيون طويلا للتأمل والتفكر بما يمرون به من ظروف قاسية،وهي ليست بالأحجام التي تعودوا عليها سابقا ، فالظروف الذاتية والموضوعية للبنان تشكلان مناسبة هامة لإعادة صياغة عقد اجتماعي بات لبنان بحاجة ليست ضرورية فقط بل هي حاجة كيانية للاستمرار. فالتمديد والتجديد اللذان تعود عليهما اللبنانيون حكاما ومحكومين ، لم يعد بالخيار المعقول أو المقبول في ظل متغيرات دراماتيكية سريعة تمر بها المنطقة. فإما ان يختار اللبنانيون الطريق الأسهل وهو ترك الأمور على غاربها لكي يأتي الفرج من الخارج وهو في كل الأحوال لم يكن يوما لمصلحتهم،وإما ان يتحلى بعضهم ان لم يكن اغلبهم بشجاعة العارف والمقتدر والمبادرة لتقديم ما يرفض التنازل عنه.
       لقد آن الأوان لكي يستيقظ اللبنانيون من سباتهم العميق قبل ان يجرفهم التاريخ والجغرافيا إلى اماكن عانت منها امم وشعوب عقودا كثيرة،وحتى الآن لم يجدوا احدا يتنبه اليهم،فهل يتجاوز اللبنانيون التمديد أو التجدبد هذه المرة ؟انه امر مشكوك فيه!.