02‏/05‏/2013

حقوق الانسان في ميثاق الامم المتحدة والاتفاقيات الدولية

حقوق الإنسان
في ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية
د.خليل حسين

        اقتصر اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان بدايةً على عدد من الحالات المحدودة، كمكافحة الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان كالإتجار بالرقيق.بمعنى أنها كانت بداية متواضعة، ومن ثم تدرج الامر بعد ذلك إلى إقرار التدخل لأهداف إنسانية في بعض الحالات، وإلى حماية الأقليات وبعض حقوق الإنسان في الأقاليم المستعمرة.

        أما عهد عصبة الأمم (1920-1939) فلم يتضمن نصوصا دولية خاصة بحماية حقوق الإنسان، باستثناء ما جاء فيه من التزام أعضاء العصبة بأن يعاملوا بصورة عادلة الشعوب التي تقطن الأقاليم الخاضعة لإداراتهم، سواء حماية أو انتداب وكذلك حماية حقوق الأقليات، إضافة إلى اهتمام مكتب العمل الدولي، بموضوع توفير الأجر للعامل ورعاية شؤونه وتحسين أحواله والذي أصبح فيما بعد منظمة العمل الدولية.

        أي أن اهتمام عصبة الامم في حقوق هذه الفئات كان جزئياً ومحدود النطاق والفاعلية.إضافة إلى عيوب كثيرة لازمت عهد العصبة منذ نشأته، مما أدى إلى قيام الحرب العالمية الثانية (1939-1945) التي اكتوى بنارها العالم بأسره، تلك الحرب التي أنصفت بالشمول ومشاركة الشعوب، التي كانت تخضع للنظام الاستعماري إلى جانب الحلفاء بقصد استعادة استقلالها.إذ فشلت عصبة الأمم في منع قيام الحرب بين الدول وتسوية منازعاتهم بالطرق السلمية والتعاون الدولي.

        ان ما خلفته الحرب العالمية الثانية من ويلات وتدمير وجرائم حرب وإبادة والإعدام الجماعي للأسرى والمدنيين وارتكاب العديد من الدول جرائم ضد الانسانية واستمرار هذه الانتهاكات وتواصلها هي التي جعلت قضية حقوق الإنسان، قضية في غاية الأهمية لدى أعضاء الجماعة الدولية، والتي نتج عنها اقتناع آباء التنظيم الدولي المعاصر بأن النظم الفاشية التي تنكرت لحقوق الإنسان في فترة ما بين الحربين، كانت هي المسؤولة عن اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبأن تعزيز احترام هذه الحقوق وتأمين الضمانات لحمايتها ومعاقبة من يعتدي عليها، كفيل بإشاعة السلام في أرجاء العالم، والتي كانت نقطة تحول هامة في مجال حقوق الإنسان.

        وهذا مما رسخ قناعة مفادها وجود نوع من التلازم بين احترام حقوق الإنسان وحماية الأمن والسلام الدوليين، حيث تبلورت حقوق الإنسان بشكل واضح مما سمح بتبني نصوصاً واضحة موجهة إلى الأسرة الدولية بكاملها،إذ أصبح ينظر إليها من منظور واسع شامل، كالحق في التقدم والرقي والعيش في سلام.

        وبذلك انتقل الاهتمام في موضوعات حقوق الإنسان من المجال الوطني إلى المجال الدولي، وإن كنا قد أشرنا سابقاً إلى حقوق الإنسان في ظل عصبة الأمم، إلا أن التطور الكبير في هذا المجال بدأ مع قيام منظمة الأمم المتحدة، التي تمت الموافقة على ميثاقها في مؤتمر سان فرنسيسكو المنعقد في 25 نيسان 1945 ، والذي يعد أول وثيقة دولية اعترفت بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية باعتباره أحد مبادئ القانون الدولي، وعند إعداد مسودته عارضت الدول الكبرى على الاقتراح الذي كان يقضي بوضع تعريف دقيق ومحدد لحقوق الإنسان المشار إليها في بعض نصوصه عبر وثيقة ملحقة بالميثاق، ولكن الرأي الغالب في مؤتمر سان فرانسيسكو ذهب إلى الاكتفاء بالإشارة إلى وجود احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون الحاجة إلى وثيقة مستقلة، وترك الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتتولى ذلك فيما بعد. ولكن رغم ذلك فقد أولتها عناية خاصة في النص عليها في مواضع متعددة، واهتمت بتطوير قواعدها اهتماماً كبيراً من خلال العديد من الإعلانات عن المؤتمرات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي أصدرتها والتي دعت فيها جميع دول العالم إلى تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، والعمل على إرساء العديد من المبادئ العامة من خلال المعاهدات الدولية التي عقدت على الصعيد العالمي وتضمنت للعديد من هذه المبادئ، نظراً للترابط الوثيق بين حماية حقوق الإنسان وحفظ السلم والأمن الدوليين.

        فحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية تشكل الركيزة أو القاعدة الأساسية لتحقيق السلم والأمن الدوليين، وهذا هو سر العناية بحقوق الإنسان.

        وهكذا فإن الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان قد تبلور بشكل واضح في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية ومع قيام منظمة الأمم المتحدة، وقد أضحى يمثل إحدى السمات الأساسية والمميزة للنظام الدولي المعاصر والذي أرسيت دعائمه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

        فخلافاً لما كان عليه الحال في الماضي، وفي ظل قواعد القانون الدولي التقليدي، لم تعد مسألة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من الأمور التي تندرج فقط ضمن نطاق الاختصاص الداخلي للدول.بل أصبح المجتمع الدولي طرفاً أصيلاً فيما يتعلق بهذه المسألة وخاصة في الأحوال التي يحدث فيها خروج متعمد- وبشكل منظم- على مجموعة القواعد والأحكام ذات الصلة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية كحقوق الأفراد أو أقلية عرقية معينة.

        ومن الواضح أن التناول الدولي لقضايا حقوق الإنسان، سواء فيما يتعلق ببيان ماهية هذه الحقوق ، أو لجهة النص على الضمانات اللازمة التي تكفل احترامها وإتاحة الفرصة للتمتع بها، قد شهد تطوراً كبيراً منذ إنشاء الأمم المتحدة. فمنذ ذلك التاريخ باتت قضايا حقوق الإنسان وضماناته المختلفة ، تشكل كما بيّنا أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان (International Law of Human Rights).

        وبهدف  دراسة حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة بشكل أكثر تفصيلاً ،سنقوم ببيان وتوضيح مكانة هذه الحقوق في نصوص الميثاق وأهم الأجهزة التابعة لها ،والتي تشكل حقوق الإنسان جزءاً كبيراً من اختصاصاتها، ومن ثم التطرق إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

 

المبحث الأول

مكانة حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة

 

        يمثل ميثاق الأمم المتحدة نقطة تحول في مجال الاعتراف بحقوق الإنسان وحرياته، إذ حرص واضعوه على تضمينه نصوصا صريحة تصون للإنسان - فرداً وجماعة - حقوقه وحرياته وتهتم بها اهتماماً دقيقاً ، وهي سمات تميز بها عن عهد عصب الامم. وكانت صياغة هذه الحقوق أكثر دقة ووضوحاً وتحديداً من الإعلانات الوطنية التي اقتصرت على ذكر بعض مظاهر الحقوق والتأكيد على بعضها وإغفال بعضها الآخر. كما ان تناول الميثاق لتلك الحقوق كان أكثر تناسقا ،وظهر من خلاله الفرد أكثر أهمية في مجال العلاقات الدولية والقانون الدولي.وبذلك اعتبر الميثاق أول معاهدة متعددة الأطراف في تاريخ العلاقات الدولية ، والتي اقرت مبدأ احترام الحقوق والحريات، وجعلته هدفاً من الأهداف الأربعة الأساسية التي تسعى المنظمة الدولية لإنجازها.

        وبذلك يعد ميثاق الامم المتحدة، الوثيقة الدولية الأولى ذات الطابع العالمي أو شبه العالمي الذي تضمن النص على مبدأ حقوق الإنسان.

        فميثاق الأمم المتحدة هو معاهدة جماعية توافقت فيها إرادة أعضاء المجتمع الدولي، بهدف تحديد قواعد القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول، وتقر السلام والعدل، وتدفع الرقي الاجتماعي للشعوب قدماً، فالميثاق من قبيل المعاهدات الشارعة التي تفرض على الأطراف المتعاقدة الالتزام بهذه القواعد وتحتم سيادتها على قواعد القانون الوطني بما في ذلك الدستور الداخلي.

        وقد أعرب عدد كبير من الفقهاء المعاصرين، عن إيمانهم بأن المجتمع الدولي بتوقيعه وتصديقه على ميثاق الأمم المتحدة، قد أقرَّ بأن حقوق الإنسان لم تعد مسألة وطنية داخلية، بل إنها أصبحت من مسائل القانون الدولي، وافترضوا بناءً على ذلك أن الميثاق قد خوَّل الفرد بعض الحقوق الدولية المباشرة(.

        ويعتبر الميثاق اللبنة الأساسية الأولى التي كان لها فضل كبير بالإسهام في بلورة فروع القانون الدولي لحقوق الإنسان ، التي تعد من الفروع المتميزة للقانون الدولي العام، وعلى الرغم من انه لم يعدد أو يسرد، قائمة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فإنه أدخل على قواعد القانون الدولي العام مبدأ احترام حقوق الإنسان، وفرض على الدول الالتزامات المقابلة لهذه الحقوق والحريات. 

 

 

المطلب الأول

مكانة حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة

 

        ثمة العديد من النصوص التي وردت في ميثاق الامم المتحدة التي تشير إلى حقوق الانسان بمختلف مجالاتها وانواعها، والتي حثت على تطويرها وتعزيزها عبر آليات ووسائل محددة.

اولا: نصوص حقوق الانسان في ميثاق الأمم المتحدة

        يتألف الميثاق من تسعة عشر فصلاً تتضمن مائة وإحدى عشرة مادة. إذ جاء في ديباجته ، تأكيد شعوب الأمم المتحدة لإيمانها بحقوق الإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية. كما نصت على هدف الدفع بالرقي الاجتماعي قدماً، ورفع مستوى الحياة في جو فسيح من الحرية، وإن ما جاء في الديباجة من مقاصد وأغراض الأمم المتحدة ، قد عكس رأياً عالمياً معاصراً، وأن الوظيفة الأولى للأمم المتحدة تتمثل في حفظ السلم والأمن الدوليين. وقد بات راسخاً اليوم الاعتقاد بأن الاحترام العام لحقوق الإنسان ولحرياته الأساسية شرط لحفظ السلم والأمن الدوليين، بل ولاحترام القانون عموماً.وقد حددت المادة الأولى من الميثاق أهداف ومقاصد الأمم المتحدة وجعلت من بين هذه الأهداف في فقرتها الثالثة: "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً ، دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين،  ولا تفريق بين الرجال والنساء".

        ونصت المادة (8)، على "أنه لا يجوز للأمم المتحدة أن تضع أية قيود على أهلية الرجال والنساء للمشاركة في أجهزتها الفرعية في أية وظيفة وبمقتضى شروط المساواة".

        وأشارت المادة (13) من الميثاق إلى هذه الحقوق وهي تبين وظائف الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الفقرة (ب) بالقول: إلى أن الجمعية العامة تنشئ دراسات، وتشير بتوصيات لمقاصد عديدة منها: "الإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".

        وبما أن حقوق الإنسان لا تقتصر فقط على الحقوق المدنية والسياسية ، وإنما تشمل أيضاً الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ً، لذا خصص الميثاق الفصل التاسع منه للتعاون الدولي والاقتصادي والاجتماعي، حيث أشارت المادة 55 منه على أنه : "رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة وودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على: "..... أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تميز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً" ".

        وبهدف إعطاء النص أعلاه قيمة قانونية أكبر، فقد نصت المادة 56 على أن "يتعهد جميع الأعضاء (في الأمم المتحدة) بأن يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة الخامسة والخمسين"، وهذا النص يعد المستند التشريعي لالتزام الدول بالتعاون مع الأمم المتحدة بصدد الحماية الدولية لحقوق الإنسان، وهو من أهم النصوص التي وردت في الميثاق.

        ونصت المادة 62 الخاصة بوظائف وسلطات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الفقرة الثانية منه: ".... وله أن يقدم توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها".

        وفي المادة 68 نصت على أنه: "ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجاناً للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه".

        وأخيراً واتساقاً مع مقاصد الأمم المتحدة المبينة في المادة الأولى من الميثاق. حيث نصت المادة (76) في الفقرتين (ج، د) على أن من بين أهداف نظام الوصاية الدولي- والذي حل محل نظام الانتداب القائم في ظل عصبة الأمم : "العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم، وإطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال، وكذلك التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء...".

        وبهدف ترجمة ونقل هذه النصوص من الواقع النظري إلى الواقع التطبيقي والفعلي، فقد ركزت الأمم المتحدة جُلّ اهتمامها باتخاذ زمام المبادرة لصياغة العديد من الإعلانات والمواثيق أو الاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية سواء في مجملها أو من خلال التركيز على طوائف محددة منها، هذا من جهة ومن جهة أخرى، الاهتمام بإنشاء آليات أو أجهزة خاصة مهمتها الإشراف على كفالة الاحترام الدولي لهذه الحقوق والعمل على ترقيتها وتطويرها وتوسيع نطاق القبول بها في مختلف دول العالم.

        وللإشراف على تطبيق هذه النصوص، تم اعتماد النظام الاختياري أو غير الإكراهي، وذلك تحسباً ومراعاةً لجانب سيادة الدول. وكما جاء في الميثاق ، فإن هذا النظام تمثل بآلية تقديم التقارير والدراسات التي يمكن أن تطلبها الجمعية العامة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول حقوق الإنسان عموماً أو حول البعض من هذه الحقوق. إذاً فإنه نظام اختياري قد يؤدي عموماً إلى توجيه ملاحظات ضمن توصيات غير إلزامية.

 

ثانيا : القيمة القانونية لنصوص الميثاق

        أشارت المادة (56) صراحة إلى أن الدول الأعضاء تتعهد بمقتضاه القيام بما يجب عليهم عمله من أجل التعاون مع المنظمة لتحقيق مقاصدها فيما يتعلق بحقوق الإنسان، إلا أن الفقه اختلف بشأن حدود القيم الإلزامية لمجمل نصوص الميثاق الواردة بهذا الخصوص، ونتيجة لذلك تعددت الاتجاهات بهذا الخصوص كما يلي:

1. الاتجاه الأول، يرى أنصار هذا الاتجاه أن النصوص ذات الصلة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي تضمنها الميثاق ، لا تفرض التزامات قانونية محددة على الدول الأعضاء في المنظمة، وأنها جاءت فقط لكي تشرح أو توضح أهداف هذه المنظمة الدولية، بحيث تساعد العبارات التي تضمنتها على تفسير الالتزامات التي تتعهد بها الدول الأطراف في الميثاق دون أن تكون في حد ذاتها مصدر التزام، وأنها تعدد وظائفها في هذا الشأن ليس إلا. وبالتالي فإن هذه النصوص، لا تعدو أن تكون ذات قيمة أدبية أو أخلاقية باعتبارها قد وردت ضمن اتفاق دولي منشئ لأعلى منظمة دولية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية.

2. الاتجاه الثاني، ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى تأييد الاتجاه الأول ، باعتبار أن الميثاق لم يحدد حقوق الإنسان التي أوجب حمايتها، كما أن الميثاق لم يعط الأمم المتحدة صلاحية التدخل لضمان هذه الحقوق في حالة انتهاكها أو الخروج عليها، إلا إذا هددت المشكلة السلم والأمن الدوليين، وأخيراً فإن الميثاق لم ينظم وسائل حماية حقوق الإنسان، ولم يجز للأفراد أو للجماعات أن يتظلموا من أي مساس بحقوقهم.

3. الاتجاه الثالث، يقول بأن النصوص التي أوردها الميثاق بشأن حقوق الإنسان، وإن كانت لا تنطوي على قيمة قانونية إلزامية، إلا أنه يأخذ قوته باعتباره أحد المبادئ العامة التي تُبنى عليها سياسة المنظمة الدولية، شأنها في ذلك شأن غيرها من قواعد القانون الدولي. وإن هذه القوة هي التي تمثل أحد المداخل المهمة لتمكين هذه المنظمة من تحقيق مقاصدها التي أُنشئت من أجلها.

4. الاتجاه الرابع والأخير، هو الذي ينضم إليه غالبية فقهاء القانون وأساتذة العلوم السياسية، والذي مؤداه أن نصوص الميثاق المتعلق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لها قوة قانونية ملزمة بدون شك وسندها في ذلك ليس فقط ما جاء في الديباجة أو في نص المادتين (55) و(56) السالفي الذكر، وإنما أيضاً في نص المادة (13) منه التي ألزمت الأمم المتحدة بالعمل على أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والإعانة على تحقيقها.

ونحن نؤيد هذا الاتجاه الاخير، باعتبار أن نصوص الميثاق المتعلق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية تتسم بالصفة القانونية الملزمة ، بالاستناد إلى أنها تعني ضمنياً أن الدول ملتزمة من جانبها بمراعاة هذه الحقوق تجاه مواطنيها أو رعاياها ، وهذا ما هو واضح بوجود التزام ضمني في نصوص المواد (55 و56 و13).

وهكذا ، فإن حقوق الإنسان وانتهاكاتها لم تعد من الاختصاصات المطلقة للدولة، ولا ينطبق عليها نص الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه: "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لكي تحل بحكم هذا الميثاق...".

        فحقوق الإنسان في هذه الحالة لا تعد أمراً داخلياً بحتاً، ولا بد من تدخل واهتمام المجتمع الدولي، وعلى هذا الأساس كانت للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة من مبررات، وذلك لإدانة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان سواء في جنوب أفريقيا أو في الأراضي العربية المحتلة.

 

        وبذلك صارت السيادة حجر الزاوية في تشريعات حقوق الإنسان بدءاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يتحدث عن علاقة حكومات ذات سيادة بشعوبها، ولكن السيادة المطلقة تراجعت إلى الحد الذي أصبحت الأمم المتحدة فيها ممثلة لمجتمع الأمم ككل، وبذلك تكون سلطتها أعلى من سلطة الحكومة.

         ولأغراض إنسانية، فإن القانون الدولي اعترف عادة بمبدأ التدخل العسكري، وأن ميثاق الأمم المتحدة أصلاً صمم ليقصر استخدام القوة على حالة الدفاع عن النفس وحالة العمل الجماعي لحماية السلام وحقوق الإنسان. ومن أبرز التدخلات التي أجازتها الأمم المتحدة، حالة كردستان العراق 1991 بذريعة حماية حقوق الإنسان، والصومال 1992، إذ يجمع الفقه على أن عملية "استعادة الأمل" تعد أول عملية إنسانية حقيقية للأمم المتحدة، وهي مثال للتدخل الإنساني العسكري، وكذلك هاييتي في العام 1994، حيث أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 1994/940 الذي أكد أن هدف المجتمع الدولي هو إعادة الديمقراطية، وتسهيل عودة الرئيس المنتخب([1]). ويؤكد بعض الفقهاء أن مبدأ التدخل الدولي لأغراض إنسانية أضحى أمراً وارداً، له ما يسوغه قانوناً وواقعاً. لكن هذا البعض يطالب عند الأخذ به مراعاة أربع ضوابط أساسية.

 

‌أ.       اعتبار التدخل الإنساني استثناءً للقاعدة.

‌ب.  اعتبار هذا التدخل آخر البدائل المتاحة، وحصوله بعد استنفاذ الوسائل الأخرى التي تحترم فيها السيادة الوطنية للدولة المستهدفة، مع الالتزام بأن لا ينتج التدخل آثاراً أكثر ضرراً وأشد خطورة مما لو ترك الأمر بعهدة الدولة المعنية.

‌ج.    وجود رفض التدخل من جانب دولة واحدة أو من جانب عدد محدود من الدول، حتى لو كان ذلك بدعوى حماية المواطنين أو إنقاذ الرعايا من مخاطر محتملة.

‌د.      التشديد على وجوب الاعتماد في مثل تلك الحالات الخطيرة من الانتهاكات، على المنظمات الدولية أو الإقليمية المختصة للقيام بتدخل جماعي ومدروس ومنظم بعيداً عن الأهواء والمصالح الخاصة. وسواء كان هذا التدخل أممياً أو إقليمياً بتفويض أو بدون تفويض، فإن الرأي الفقهي الغالب أنه لا يوجد حق مقرر للتدخل الإنساني، فليس من حق دولة أو مجموعة من الدول أن تخرق السيادة الوطنية أو الاستقلال لدولة أخرى بحجة مساعدة شعب تلك الدولة لما قد يكتنف ذلك من دوافع سياسية([2]).

        وفيما يتعلق بسوريا، فإن مبدأ السيادة الوطنية والمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، لم يعودا أمراً حائلاً أمام حق مجلس الأمن في التدخل الدولي. وإن كانت التوازنات والمصالح الدولية المتناقضة تمنع ذلك حتى الآن. لكن لا شيء يمنع هذا التدخل مستقبلاً من قبل مجلس الأمن في حال تغيرت الظروف ودخلت القضية السورية بازار المساومات الدولية.

        ولأن قضايا حقوق الإنسان تخضع غالباً للتسييس من قبل المجتمع الدولي، فإن التزام الأطراف جميعاً بالعملية السياسية المتمثلة بخطة المبعوث الدولي كوفي أنان، والدخول في عملية حوار وطني جامع ووقف أعمال القتل والتدمير والإرهاب من قبل جميع الأطراف، واحترام النظام لمبادئ حقوق الإنسان وحرياته خصوصاً حرية الرأي والتعبير، فضلاً عن القوانين الدولية والإنسانية والمواثيق المتعلقة، قد يكون نقطة الأمل الوحيدة المتبقية، وإن كانت تأخرت لتجنب أتون حرب أهلية قد تحرق نارها الجميع إن وقعت.

        يتضح لنا مما سبق بأن مسائل حقوق الإنسان لم تعد حكراً على الدول، بل أصبحت شراكة بين الدولة والمجتمع الدولي ومنظماته الدولية، ويكون من حق وواجب أجهزة الأمم المتحدة التدخل في شؤون أي دولة يتم فيها الإساءة لحقوق الإنسان. وهذا ما يظهر بوضوح تماماً من الفصل الأول من الميثاق الذي يحدد مقاصد المنظمة ومبادئها، إذ تعد حماية حقوق الإنسان من الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة.

        لقد كانت الإشارات المتعددة لحقوق الإنسان ضمن نصوص الميثاق تُعد مسألة راديكالية وثورية في حينه، وهو بدوره يمثل إقراراً بدور القانون الدولي في حماية حقوق الأفراد و"طلقة الخلاص" على مفهوم "الاختصاص الإقليمي المانع" في مواجهة مواطني الدولة والمقيمين فوق إقليمها.

        بشار إلى أن الأحكام الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان جاءت "متناثرة أو مبعثرة، أو موجزة وغامضة".كما لم يشتمل على نظام شامل يعالج حقوق الإنسان ، بمعنى أنه لم يضع قانوناً لحقوق الإنسان، ولم يرد منها تحديداً لماهية حقوق الإنسان الواجب حمايتها، كما لم يحدد واجبات الدول والتزاماتها في حماية هذه الحقوق. وإنما أنصبت غالبية نصوص الميثاق حول حماية السلم والأمن الدوليين. وذلك لأن ما تعرضت له شعوب العالم من القتل والدمار والتشرد خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية ، كان بسبب الصراعات الدولية بسبب المصالح المادية والرغبة في السيطرة على ثروات الشعوب، حيث لم تكن تلك الحروب ناتجة عن انتهاكات حقوق الإنسان. وكان قتل المدنيين من الأطفال والنساء وتشريدهم، وتدمير الممتلكات يعود إلى رغبة الدول بالسيطرة والاستحواذ. كما أن الميثاق لم يأمر الدول الأعضاء بوضع قوانين عملية مناسبة ، ولم ينشئ جهاز للتنفيذ ولم تحدد أية عقوبات، وتمثل المادة (56) فقط تعهداً من جانب جميع الدول الأعضاء بالقيام منفردة أو مجتمعة بما يجب عليها، من عمل لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في نفس المادة.

        كما ان الفقرة السابعة من المادة الثانية لم تحدد الحالات التي يمكن أن تتدخل فيها الأمم المتحدة مما جعل المعيار غير ثابت، ويخضع للأهواء السياسية والمصالح الاقتصادية للدول الكبرى

        وعلى الرغم من الملاحظات السالفة الذكر فقد استطاعت الامم المتحدة أن تحقق ثورة كبرى في كلا المجالين، التنظيم والقانون الدوليين  وهكذا حققت خطوات كبيرة في مجال حماية حقوق الإنسان، وفتحت الباب واسعاً أمام خطوات جديدة في مجال حماية حقوق الفرد وحرياته الأساسية، من خلال آليات ووسائل عديدة منها تصدي أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان لمهمة إعداد المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، ووضع مشاريع الاتفاقيات والمقررات، وممارسة الضغوط السياسية على الدول، وإدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من ناحية، واستحداث آليات دولية لحماية هذه الحقوق والحريات، كإنشاء المحاكم الجنائية الدولية لمعاقبة مرتكبي أشد هذه الانتهاكات خطورة من ناحية أخرى.

 

المطلب الثاني

اجهزة الامم المتحدة وحقوق الانسان

 

        لم يقتصر دور الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان على النصوص الواردة في الميثاق، بل انشئ عدد من الأجهزة بهدف مراقبة تطبيق ومتابعة حماية واحترام الحقوق والحريات التي تضمنها الميثاق والمواثيق الدولية الأخرى.

        وبما أن إرادة أي شخص من أشخاص القانون الدولي يكونها ويعبر عنها إرادة جهاز أو عدد من الأجهزة أو شخص ما، فإن المنظمات الدولية كشخص من أشخاص القانون الدولي يقوم بالتعبير عنها الأجهزة التي تتكون منها المنظمة ، لأنها في واقع الحال لا تمارس اختصاصاتها مباشرة وإنما تُمارس نيابة عنها عبر جهاز أو شخص ما. وبصرف النظر عما يمارس الاختصاصات فإنه يمارسها باسم ولحساب المنظمة التي يمثلها، باعتباره ليس منفصلاً عنها، وإنما كل منهما يعتبر أداة تستخدمها المنظمة ككيان واحد يكمل بعضه البعض

        وهكذا فقد نص ميثاق الأمم المتحدة على إنشاء عدد من الأجهزة الرئيسية فيها، وتشكل حقوق الإنسان جانباً من اختصاصات هذه الاجهزة كل حسب دوره في المنظمة.وفيما يلي سوف نتطرق إلى أهم ثلاثة أجهزة في المنظمة التي تمارس اختصاصاتها في ميدان حقوق الإنسان بصورة مباشرة وهم:

 

أولا الجمعية العامة (General Assemby)

        تعتبر الجمعية العامة من أبرز أجهزة الأمم المتحدة باعتبارها الجهاز الرئيسي العام في المنظمة الذي يضم بين جنباته كل أعضائها، فضلاً عن تمتعها بسلطات عامة، إذ لها أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق الميثاق، أو يتصل بسلطات ومهام جميع الأجهزة الأخرى للأمم المتحدة([3]).

        ومهام الجمعية العامة في إطار حقوق الإنسان، حسبما جاء في الميثاق، أنها تعد الدراسات وتقدم التوصيات بقصد التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحة، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة دون التمييز لجهة الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء([4]).

        وتحيل الجمعية العامة معظم القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والمحالة إليها من المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو من اللجان المختصة برصد تطبيق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، إلى اللجنة الرئيسية الثالثة([5]) التابعة لها. ومع ذلك فمن الجائز أن تحال بعض هذه القضايا إلى اللجان الرئيسة الأخرى([6]).

        وتقوم الجمعية العامة من وقت لآخر بإنشاء أجهزة فرعية، ذات طابع مؤقت أو خاص، وكذلك لجاناً خاصة من أجل مساعدتها في تأدية المهام الملقاة على عاتقها فيما يتعلق بحقوق الإنسان مثل اللجنة الخاصة بالوضع المتعلق بتطبيق الإعلان الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1961 واللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري لعام 1962 وغيرها

        يشار إلى أن الجمعية العامة هي أكثر أجهزة الأمم المتحدة التي تتبنى الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان سواء في صورة إعلانات أو قرارات أو توصيات أو اتفاقيات دولية أو غيرها، فهي التي تبنت الميثاق الدولي لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين)، وكذلك أغلب الوثائق الدولية الهامة الأخرى التي صدرت عن الأمم المتحدة ،وهي التي تصدر القرارات بشأن تعزيز وحماية حقوق الإنسان في دول العالم كافة، وتصدر القرارات لتوجيه أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي واللجان المتفرعة عنه المعنية بحقوق الإنسان

        وتؤلف القرارات التي تصدرها الجمعية العامة سنوياً والمتعلقة بحقوق الإنسان والمعتمدة من اللجنة الثالثة، نسبة هامة من القرارات مقارنة مع التي تصدر عن باقي لجان الجمعية العامة، نظرا لازدياد الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان. إضافة إلى أن للجمعية دور في عقد المؤتمرات وإقامة العديد من الأنشطة المتعلقة بحقوق الإنسان، مثل دعوتها للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في طهران عام 1968، والمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا عام 1993

        ونستخلص من كل ذلك ، بأن للجمعية العامة دور كبير في هذا المضمار عن طريق إجراء الدراسات وتقديم التوصيات وإصدار القرارات لتعزيز حقوق الإنسان وحمايته عن طريق تعزيز التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسعي لأجل تمتع جميع الناس بكافة حقوقهم الأساسية دون تفرقة بسبب الجنس أو العنصر أو اللغة أو الدين.

 

ثانيا: المجلس الاقتصادي والاجتماعي The Economic and Social Council

 

        يُعد هذا المجلس من الأجهزة الرئيسية التابعة للأمم المتحدة، ومن أهم الهيئات التي تتناول قضايا حقوق الإنسان بين اختصاصاتها، حيث اللجان المعنية بحقوق الإنسان تمارس نشاطاتها ضمن مظلة المجلس، والتي تعرف باللجان الوظائفية أو الفنية([7]). وعن طريق لجنة تابعة لهذا المجلس يتم التشاور مع المنظمات غير الحكومية التي أصبحت تشكل عنصراً مهماً في أعمال لجان حقوق الإنسان، وهذه الترتيبات قد يجريها المجلس مع هيئات دولية، او هيئات أهلية اذا رأى ذلك ضروريا بعد التشاور مع بعض كيانات الأمم المتحدة. وهذا ما نصت عليه المادة (71) من الميثاق([8]).

        كما يعتبر المجلس لاقتصادي والاجتماعي أداة الأمم المتحدة في العمل لتحقيق مقاصدها الاقتصادية والاجتماعية التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة (65) ، يستمد هذا المجلس اختصاصه من الميثاق. فله أن يضع دراسات فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية والدولية([9])، وله أن يقدم توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها([10])، وله كذلك أن يعد مشروعات اتفاقات لتعرض على الجمعية العامة عن مسائل تدخل في دائرة اختصاصه([11])، كما له أيضاً أن يدعو إلى عقد مؤتمرات دولية لدراسة المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصه، وفقاً للقواعد التي تضعها الأمم المتحدة([12]). وإقامة الصلة بين الأمم المتحدة وبين الوكالات الدولية المتخصصة وذلك بموجب اتفاقيات خاصة .وحسبما جاء في الميثاق فإن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، الحق في أن ينشئ لجاناً للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز حقوق الإنسان، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد تحتاج إليها لتأدية وظائفه([13]). وتطبيقاً لذلك فالمجلس تبنى موضوع تشكيل لجنة حقوق الإنسان([14])(Commission of Human Rights) التابعة للمنظمة منذ عام 1946. وكذلك اللجنة الخاصة بوضع المرأة واللجنة الفرعية لمحاربة الإجراءات التمييزية وحماية الأقليات. وهناك لجان فنية تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، كما شكل المجلس لجاناً دائمة([15])، ولجان دورية([16])، ولجان فرعية ([17])، ولجان مؤقتة([18])، ولجان مختصة([19])، ولجان إقليمية([20]).

        لقد أسهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وما زال يسهم بدور هام في إطار حماية حقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة، فعبر طريقه يتم إرسال ما يتعلق بحقوق الإنسان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما اتخذ عام 1959، القرار رقم (F 728)  الذي جاء فيه أن الشكاوى المرسلة إلى الأمم المتحدة بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان، يجب إعداد قائمة سرية بها لترسل إلى لجنة حقوق الإنسان، واللجنة الفرعية لمحاربة الإجراءات التمييزية وحماية الأقليات. كما تبنى المجلس سنوياً العديد من القرارات الخاصة بحقوق الإنسان، أو التي تمس تطبيقها المباشر أو غير المباشر

        كما تبنى المجلس في العام 1970 ما يعرف باسم "الإجراء 1503" وذلك في قراره رقم (1503) والخاص ببحث الإخطارات المتعلقة بانتهاكات حقوق عدد كبير من الأشخاص، ولفترة ممتدة من الزمان.

 

 

ثالثا: الأمانة العامة The Secretariat

 

 

        تعد الأمانة العامة احدى هيئات المنظمة الرئيسية حسبما جاء في نص الميثاق([21]). وقد اعطيت مركزا قانونيا لم يتوفر لمثيلتها ابان عصبة الامم.

        ولتعزيز دورها في مجالات حقوق الانسان أنشأت المنظمة شعبة خاصة لحقوق الإنسان داخل الأمانة العامة مقرها في جنيف في سويسرا، بهدف المساعدة في تطبيق بنود الميثاق المتصلة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وتتحمل هذه الشعبة لكونها فرعاً من فروع الأمانة العامة للأمم المتحدة المسؤولية المستمرة عن المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان من خلال الأقسام الثلاثة للشعبة، وهي قسم الوثائق الدولية والإجراءات، وقسم البحوث والدراسات ومنع التمييز، وقسم الخدمات الاستشارية والمطبوعات، ومن مهامها إعداد وتجميع الوثائق والبحوث والدراسات للأجهزة التابعة للأمم المتحدة ولجانها المعنية بالحقوق الإنسانية، ومتابعة ومواصلة هذا الموضوع عن كثب على المستوى الدولي وقد تم تحويل هذه الشعبة إلى مركز لحقوق الإنسان في كانون الاول / ديسمبر 1983، إلى جانب تعيين مفوض سامٍ للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهما الجهازان اللذان من خلالهما تمارس الأمانة العامة للأمم المتحدة الأنشطة المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بالإضافة إلى الأمين العام، الذي يقوم بأداء تقرير سنوي عن أعمال المنظمة وفقاً للمادة (98) من الميثاق، كما ويقوم ببذل مساعيه الحميدة في حالة الانتهاكات الجسيمة والواسعة أو الجماعية لحقوق الإنسان.

        وتتصف دبلوماسية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي يمارسها الأمين العام بأنها دبلوماسية هادئة، وهي مستندة إلى المساعي الحميدة التي يقوم بها، والتي تتمثل عادة بحالات عدة كإعادة الأسرى إلى بلدانهم أو تقديم الإغاثة للاجئين أو مساعدة قوافل الإغاثة في حالة الكوارث أو الحروب بغية الوصول إلى المنكوبين، أو لمنع مجازر وجرائم دولية مرتكبة في مناطق معينة، وتقوم إدارة الإعلام التابعة للأمانة العامة بإعداد ونشر دراسات تعريفية بأنشطة الأمم المتحدة في ميدان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية(

        ونظراً لأهمية الأمانة، لكونها جهازاً يؤدي وظائف مرتبطة بمجمل أعمال المنظمة، فقد نص الميثاق على ضرورة التزام الأمين العام وموظفيه بألا يطلبوا أو يتلقوا، في تأدية واجباتهم، تعليمات من أية حكومة أو أية سلطة أخرى خارج المنظمة، كما أوجب عليهم الامتناع عن القيام بأي تصرف قد يسيء إلى مراكزهم بوصفهم موظفين دوليين مسؤولين أمام المنظمة وحدها([22]). وذلك لعدم التعارض بين مسؤولياتهم كموظفين دوليين وبين التعليمات التي يتلقونها من هذه المصادر الخارجية.

        كما تتعهد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باحترام الصفة الدولية للأمين العام والجهاز الذي يعاونه. وأن تمتنع عن القيام بأية محاولات للتأثير عليهم خلال ممارستهم لمسؤولياتهم تجاه المنظمة الدولية(.

        ولا بد من القول أن الأمين العام هو الذي يتولى تمثيل هيئة الأمم المتحدة أمام المحاكم وأمام المنظمات الدولية الأخرى، كما يتولى التعاقد باسم الهيئة.

 

 

المبحث الثاني

حقوق الإنسان في الإعلان العالمي

"The International Bill of Human Rights"

 

       

"يقصد بمصطلح الشرعة الدولية مجموعة الصكوك التي تم إعدادها من قبل لجنة حقوق الإنسانوقد استقر الفقه الدولي في مجال حقوق الإنسان على استخدام مصطلح "الشرعة الدولية لحقوق الإنسان للدلالة على ثلاثة من أهم وثائق حقوق الإنسان وهي: (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية). والذي أطلقته لجنة حقوق الإنسان في دورتها الثانية التي عقدت في جنيف في الفترة من 3 إلى 17/12/1947.

        أثناء انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو لإعداد ميثاق الأمم المتحدة، تم اقتراح وضع إعلان ملحق بالميثاق حول حقوق الإنسان الأساسية من قبل بعض الوفود آنذاك. ولكن هذا الاقتراح لم ينل قبول المؤتمرين. وأعيد الاقتراح من قبل (بنما) في الدورة الأولى للجمعية العامة التي عقدت في لندن عام 1946، ومن ثم كلفت لجنة حقوق الإنسان المنشأة حديثاً بإعداد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان

        لقد رأت اللجنة أن تكرس جهودها في المرحلة الأولى من عملها لإعداد إعلان دولي له صفة برنامج عام غير ملزم، على أن يعقب ذلك اتفاقية أو أكثر تتضمن التزامات قانونية واضحة وتدابير محدّدة لحماية حقوق الإنسان. وفعلاً أسفرت جهودها عن إعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948(.

        وفي عام 1966 اعتمدت الأمم المتحدة وثيقتين دوليتين ارتكزتا على الحقوق التي نادى بها الإعلان العالمي، وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فضلاً عن البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يتعلق بحق الأفراد في التظلم إلى الهيئة التي تراقب تنفيذ العهد، وهي لجنة حقوق الإنسان إذا انتهكت حقوقهم من جانب حكوماتهم، والتي تشمل فقط الدول المصدقة على العهد وموافقتها أيضاً على البروتوكول. وفي عام 1990، اعتمدت الجمعية العامة بروتوكولاً اختيارياً ثانياً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ويتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.

        تعد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان الأساس الأخلاقي والقانوني لكافة أنشطة الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان وبأنها حجر الأساس للنظام الدولي المتعلق بحماية وبتشجيع حقوق الإنسان(كما تعد بمثابة "ماجناكارتا" تدلل على ما وصل إليه العقل البشري في مجال حماية الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان وهو طموح قادر على الاستجابة إلى تحديات عصرنا الأساسية. ولم يبق إلا أن تصل مبادئها إلى المعنيين مباشرة، وأن يتم احترام هذه المبادئ من قبل حكامنا، أو من قبل من يعد نفسه للحكم ، عندها فقط تسقط الأطروحات الضيقة والأيديولوجيات الباعثة على التعصب والكراهية بين الإنسان وأخيه الإنسان. 

        كما تعد هذه الوثائق الثلاثة الأساس الذي اشتقت منه مختلف الأعمال والوثائق القانونية الدولية الأخرى الصادرة عن الأمم المتحدة([23])، كما تتضمن أيضاً مبادئ وقواعد عامة تتعلق أغلب حقوق الإنسان وأنها المصدر الرئيسي لأفكار حقوق الإنسان في العالم الحديث(

        لذلك فإن دراسة مكونات هذه الشرعة والوقوف على مضمونها وآثارها مسألة أساسية ولا بد منها في مجال حقوق الإنسان.

 

المطلب الأول

ماهية الاعلان ومضمونه

 

أولا : تعريف الإعلان

        منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 باشرت الجمعية العامة بالأعمال التحضيرية لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والتي أسفرت عنها إصدار الإعلان بقرارها رقم (217) في الدورة الثالثة للجمعية التي عقدت في قصر شايو بباريس بتاريخ 10/12/1948 بمبادرة من اللجنة الخماسية التي كان أبرز أعضائها من الدول الغربية ورئيستها هي أرملة الرئيس الأمريكي "روزفلت" إليانور وعضوية الفرنسي "كاسان" الذي حرر مسودة المشروع، أما الأعضاء الثلاثة الباقين غير الغربيين وهم "تشانج" الصيني و"هانسامهتا" الهندية و"شارل مالك" اللبناني الذين كانوا من أصحاب النزعة الغربية الليبرالية أيضاً

        وقد تبنت الجمعية العامة هذا الإعلان عندما كان عدد أعضائها آنذاك لا يتجاوز (58) عضواً ومعظمهم من الدول الغربية، وقد صدر بأغلبية 48 صوتاً، من بينهم أربعة دول عربية هي (مصر والعراق وسوريا ولبنان) وامتناع ثماني دول عن التصويت وغياب دولتان.

        شكلت الدول الشيوعية أغلبية الدول الممتنعة عن التصويت. وقد ارتكزت في مواقفها على: إن الإعلان لم يقم بمعالجة واجبات الفرد نحو المجتمع، وإنه رجح كفة الحريات الرأسمالية ، اضافة إلى عدم تطرق الإعلان إلى الوسائل التي ينبغي على الدول اتخاذها بغية إعمال هذه الحقوق. وقد انتقدت الدول الشيوعية موقف الدول الغربية لرفضها إدانة ظاهرة الفاشية بصراحة في الإعلان، بحجة استحالة وضع تعريف جامع مانع لهذه الظاهرة التي كانت وراء اندلاع الحرب العالمية الثانية. وتعكس هذه التبريرات خشية هذه الدول من تدخل الأمم المتحدة في شؤونها الداخلية بحجة حقوق الإنسان.

        أما بخصوص امتناع السعودية فمرده تضمين الإعلان عدداً من الحقوق والحريات في بعض نصوصه التي لا تتفق مع مبادئ وخصائص المجتمع الإسلامي. فقد جاء في المادة (16) من الإعلان بأن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج الحق في الزواج وتأسيس أسرة دون قيد بسبب الجنسية أو الدين، ولهما بموجب هذه المادة ذاتها حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيام الزواج وانحلاله.

        كما جاء في المادة (18) من الإعلان إقرار حرية إبدال الدين أو المعتقد. فموقف السعودية هذا يندرج ضمن جدلية الخصوصية / العالمية، وهذه مسألة لا يبدو أن الصكوك الدولية لحقوق الإنسان تتنكر لها، فمن المستحيل تخيل وجاهة حجج النسبية الثقافية أو الخصوصية للتحلل من حق الإنسان في الحياة أو من حرمة الجسم والسلامة البدنية والعقلية أو من تحريم الرق والاعتقال أو النفي التعسفيين. فهذه الحقوق تتصل اتصالاً وثيقاً بالركائز الأساسية للكرامة الإنسانية، بصرف النظر عن منظومة القيم التي يرتبط بها الفرد.

        أما بخصوص امتناع جنوب إفريقيا عن التصويت، فمرده إلى السياسة التي كان ينتهجها وهي سياسة التمييز العنصري آنذاك، والتي تناقض أبسط حقوق الإنسان فضلاً على أنها عارضت وجود نصوص تعالج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الإعلان"(

        كانت هذه المبادرة بداية اهتمام المجتمع الدولي لرعاية حقوق الإنسان عندما خطت الأمم المتحدة في هذا المجال خطوتها الأولى بوضع قواعد متكاملة تتعلق بحقوق الإنسان.

        إن نقطة الإنطلاق الأساسية لصياغة الإعلان، كانت من باب القناعة التامة بأن ما جاء في الميثاق لم يكن كافياً. لذلك كان لا بد من أن تبادر المنظمة إلى إظهار مدى اهتمامها بموضوع حقوق الإنسان عن طريق صياغة وثيقة خاصة تطال هذا الموضوع، وليس اعتباره مجرد هدف من بين عدة أهداف تسمى المنظمة لتحقيقها. إضافة إلى أن الاعتقاد السائد في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي أوساط هذه المنظمة العالمية آنذاك، ان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، لكي يتوفر لها الاحترام بشكل وافٍ ومرضٍ، يجب أن تصاغ أولاً بشكل واضح ومبسط حتى تكون في متناول الجميع حكاماً ومحكومين، أفراداً وهيئات... وقد أشير إلى ذلك في ديباجة الإعلان العالمي).

        كما أن الدافع الأساسي لإصدار هذا الإعلان هو ازدياد اهتمام الشعوب واستمرار نضالها من أجل حقوقها وحرياتها من جانب، واهتمام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان وتوفير الضمانات لها، للمساهمة في تماسك المجتمع الدولي وفي إقرار السلم والاستقرار العالمي من جانب آخر، وكذلك لعدم معالجة ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وحرياته بصورة متكاملة ومتناسبة مع ما لحقوق الإنسان من شأن في ترسيخ السلام والتضامن والاستقرار بين الشعوب والأمم. وانطلاقاً من إدراك واستيعاب هذه الحقيقة من قبل المجتمع الدولي فقد اتجه إلى إصدار هذه الشرعة الدولية لتحقيق التضامن الدولي في الدفاع عن حقوق الإنسان وبالتالي لتحقيق الأمن والاستقرار

        يشار الى أن هذا الإعلان، صدر في الواقع بشكل مغاير لكل البيانات التقليدية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي درجت الدساتير والقوانين الأساسية على التطرق إليها ولاسيما في القرون الماضية لأنه يعالج كافة حقوق الإنسان الأساسية بصورة متكاملة. إذ لم يقتصر على الحقوق المدنية والسياسية فقط، وإنما تناول أيضاً الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

        لقد أخرج الإعلان حقوق الإنسان من شتات الدساتير والتشريعات الوطنية إلى نطاق المجتمع الدولي ومن خلاله أصبح الإنسان في ذاته موضع اهتمام الأسرة الدولية وليس الدول بالنسبة للحقوق التي يتمتع بها.

ثانيا: مضمون الإعلان العالمي لحقوق الانسان

        يتألف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من مقدمة وثلاثين مادة، كُرس فيها حقوق المساواة والحرية والسلامة البدنية. ففي المقدمة ذُكرت الأسباب التي دفعت الدول الأعضاء لإصدار مثل هذا الإعلان ، وذلك بالإشارة إلى أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة بين جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية والثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلامة في العالم "وإن تناسي هذه الحقوق وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية أذت الضمير الإنساني"، إذ لا بد من أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء، آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم. كما إن الجمعية العامة تنادي كل فرد وهيئة في المجتمع إلى تعزيز احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات قومية وعالمية لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بين الدول الأعضاء ذاتها والشعوب الخاضعة لسلطانها(

        وبالنظر إلى الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد قام البعض بتقسيمه إلى قسمين: الحقوق المدنية والسياسية التقليدية التي بدأت بالازدهار في القرن الثامن عشرة ، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أصبحت محل إقرار الدساتير الحديثة.وقام آخرون بتقسيمها حسب وجهات نظر مختلفة. أما التقسيم الملائم والأكثر دقة وتفصيلاً ووضوحاً هو ما قام به الدكتور محمد المجذوب الذي قسمه إلى أربع فئات كما يلي

1.    فئة الحقوق الشخصية التي تتضمن حياة الإنسان وحريته وكرامته ومساواته أمام القانون وتحريم الرق والتعذيب والاضطهاد التي نصت عليها المواد (3 إلى 13).

2.    فئة الحقوق الاجتماعية التي تشمل الحقوق العائدة للأفراد في علاقاتهم مع الدولة كحق الجنسية وحق الزواج وحق الملكية وحق اللجوء الذي نصت عليها المواد (14 إلى 17). 

3.    فئة الحريات العامة والسياسية المتمثلة بحرية المعتقد والتعبير والاجتماع والانتخاب وتكوين الجمعيات والحق بتقليد الوظائف العامة والاشتراك في إدارة الشؤون العامة التي نصت عليها المواد (18 إلى 21).

4.    فئة الحقوق الاقتصادية والثقافية كالحق في الضمان الاجتماعي والحق في العمل والحماية من البطالة والحق بالراحة والحريات النقابية والثقافية وحقه في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على صحته ورفاهيته وحقه في التعليم والحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان تحققاً تاماً. كما تبرز الواجبات والتبعات التي تقع على عاتق الفرد حيال المجتمع. والتي نصت عليها المواد (22-30).

        فهذه الحقوق تتصل اتصالاً وثيقاً بالركائز الأساسية للكرامة الإنسانية بصرف النظر عن منظومة القيم التي يرتبط بها الفرد، كما صيغت بصورة عامة بشكل تسمح للدول مهما كانت ثقافتها أن تقرّها وتتقبلها.

        وقد أصدرت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه "مستوى مشتركاً ينبغي تحقيقه لجميع الشعوب وجميع الأمم". وأهابت بجميع الدول الأعضاء وجميع الشعوب أن تدعم وأن تكفل الاعتراف بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعلان ووضعها موضع التنفيذ بشكل فاعل

        وهذا الإعلان في معظم الحقوق والحريات الواردة فيه إن لم يكن جميعها سواءً الحقوق المدنية والسياسية أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قد سبق النص عليها في العديد من الدساتير الديمقراطية أو التوصيات ومشروعات الاتفاقيات العديدة الصادرة عن منظمة العمل الدولية([24]). ذلك يعني أن لا جديد فيه، لكن الجديد فيه هو أن تدوين حقوق الإنسان وحرياته قد تم في وثيقة واحدة بصورة واضحة ومبسطة وعلى مستوى العالم كله ؛ وأن الموافقة عليها فد تم من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة دون أي اعتراض، رغم أن عدد الدول في الأمم المتحدة قد تضاعف منذ عام 1948 حتى يومنا هذا، إذ وصل إلى (192) دولة حتى العام 2013. إلا أن أياً من الدول التي انضمت إلى المنظمة العالمية لم تبدِ اعتراضاً على الإعلان، بل بالعكس أسهمت الدول الجديدة في مراحل مختلفة، في الجهود المبذولة لتوطيد هذا الإعلان وتعزيزه بوثائق أخرى أكثر تحديداً وأبعد أثراً 

        وأهمية هذه الوثيقة لا تأتي من المبادئ التي تضمنتها فحسب، بل تنبع أهميتها كذلك من أن الذي أصدرها وهي الحكومات، وبالتالي فإن تلك الوثيقة وضعت المسؤولية المطلقة عن انتهاكات حقوق الإنسان على عاتق الحكومات، وهكذا سقطت المفاهيم العامة لحقوق الإنسان المرتكزة على مفاهيم خيرية وإنسانية عامة، وحوّلتها إلى مفاهيم قانونية تتحدد بموجبها المسؤولية الإنسانية للدولة تجاه مواطنيه

        ومن قراءتنا المتأنية لبنود هذا الإعلان والإحاطة بالظروف والوقائع العملية المحيطة بتطبيقه يتبين لنا أن هناك بعضا من السمات والخصائص التي تميز بها الإعلان لجهة الهدف والمفاهيم.

 

المطلب الثاني

ميزات الاعلان وقيمته القانونية

 

         ثمة بعض التباين في الرأي بين فقهاء القانون حول بعض ميزاته وقيمته القانونية لجهة الالزام من عدمه.

اولا : ميزات الإعلان

     ثمة العديد من الميزات التي يتمتع بها الاعلان ومن بينها:

1.   الابتعاد عن القضايا المثيرة للجدل: إذ جاء الإعلان العالمي قاصراً على الموضوعات والمسائل التي كانت محل توافق بين الدول، والابتعاد عن معالجة الموضوعات والمسائل المثيرة للجدل والخلاف. فمن المسائل التي اعترت عملية وضع الإعلان هي صياغة نص يعالج الحق في الإضراب والذي انتهى الأمر بواضعي الإعلان إلى عدم النص عليه، وذلك إرضاءً للدول الشيوعية(

2.   الطابع الإنساني الشامل والواسع للإعلان: وهذا الطابع هو الذي جعل منه وثيقة عالمية تعبر عن تطلعات إنسانية تسمو على التمايزات والفروقات الأخرى. فإن عالمية هذا الإعلان فرضت في بعض المواضيع التوفيق بين المذهب الليبرالي والمذهب الماركسي، مما دفع واضعي الإعلان إلى إدراج نصوص تدمج بين المفهومين، وهذا ما يبدو واضحاً في مقدمة الإعلان عندما تتحدث عن "انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد فعلياً وليس نظرياً، بحرية القول والعقيدة، ويتحرر من الخوف والفاقة". ومثل هذه الصياغة تتفق بطبيعة الحال مع المذهب الاشتراكي. وتتميز بالشمولية لسعة القضايا التي تطرقت إليها.

3.   جاء مفهوم حقوق الإنسان في الإعلان مرتكزاً على أساس إن هذه الحقوق نابعة من الكرامة الأصلية والملازمة للإنسان. وهذا ما تم تأكيده في ديباجة الميثاق الأممي من إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب، وتأكيد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامته.

4.   تحول الإعلان إلى مرجعية عالمية تتعلق بحقوق الإنسان على الرغم من أنه صدر بقرار من الجمعية العامة واعتبار الكثيرين إن قراراتها تعتبر مجرد توصيات، إلا أن صدوره بموافقة الأغلبية الساحقة من الأصوات. والإشادة به في كل مناسبة، وإعلان الالتزام به في كثير من التشريعات والدساتير الوطنية([25])، يضفي عليه صفة الإلزام.

5.    قيام نظام مؤسسي لحماية حقوق الإنسان في إطار الأمم المتحدة، والإقرار العالمي بأن الإعلان هو الذي دشّن في إطار الأمم المتحدة هذا النظام والذي أصبح بموجبه من أعمدة هذا النظام الذي يضم أهم عناصر ما يسمى بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان (العهدان الدوليان المذكوران والبروتوكولان الاختياريان للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وعشرات الاتفاقيات المتعلقة بمختلف حقوق الإنسان وبالآليات والمؤسسات الخاصة بمراقبة انتهاكها.

6.   هذا ما امتاز به الإعلان من الناحية الموضوعية. أما من الناحية الشكلية فقد أخذ الإعلان بالمنهج الفرنسي وذلك لإقراره المبادئ العامة والأسس دون الخوض في تفاصيل وحيثيات الحق ومضمونه في معظم النصوص المدرجة فيه. وهذا ما نلاحظه بوضوح في ديباجة الإعلان على سبيل المثال، فعباراته غير محددة وتحتمل أكثر من تفسير وتأويل. وعلى العكس من ذلك فإنه في بعض الحالات أخذ بالنهج الأنكلوسكسوني، إذ لم يكتف بذكر الحق فقط بل حدَّد مضمونه بشيء من التفصيل. ومن بين هذه النصوص التي انتهجت هذا الأسلوب هو نص المادة (2) والمتعلقة بالمساواة وعدم التمييز. والمادة (18) المتعلقة بحرية التفكير والضمير والدين. والمادة (25) المخصصة للحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على صحته ورفاهيته، وإنه ركز على الحقوق والحريات الفردية ولم يخصص سوى مكاناً متواضعاً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ أن من بين مواده الثلاثين ثمة (6) مواد للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي المواد (22 الى27).

 

ثانيا : القيمة القانونية للإعلان

        يُعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من أكثر الاعلانات الصادرة عن الأمم المتحدة شهرة وأهمية، فهو من أكثرها إثارة للجدل والنقاش لما يتمتع به من قيمة قانونية، ورغم تباين الآراء حوله، إلا ان المتفق عليه صدوره بشكل توصية عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم يصدر في صورة معاهدة دولية محددة بالتزامات واضحة تقيد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو شعوب العالم التي اتفقت عليه. لذلك نرى عدداً من الاتجاهات حول قيمته القانونية من بينها:

       الفريق الأول من الفقهاء: يجرده من أية قيمة قانونية باعتباره مجموعة من المبادئ العامة التي صدرت على شكل توصية من أكبر عدد من الدول، وبالتالي لا يتمتع بقوة قانونية ملزمة، فهو عبارة عن وثيقة ذات سمة كونية صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة توصي شعوب العالم باحترامها.

        وهو ما نادى به الاتحاد السوفيتي من إن الإعلان العالمي يعد مخالفاً لمبدأ سيادة الدول وخرقاً للحكم الوارد في الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة والتي تخرج من اختصاص الأمم المتحدة المسائل التي تدخل في صميم السلطان الداخلي لكل دولة.

        لذا فإن الإعلان لا يتصف بأية صفة إلزامية ولا يأخذ صفة المعاهدة المحددة بالتزامات قانونية واضحة. مقارنة مع ميثاق الأمم المتحدة([26]) والذي هو من قبيل المعاهدات الشارعة التي تفرض على الأطراف المتعاقدة الالتزام بنصوصها، وتُحتم تفوقها على قواعد القانون الوطني لأية دولة متعاقدة، بما في ذلك القواعد الدستورية(

        هذه الصفة غير الإلزامية للإعلان جعلت من الصعب جداً إجبار الدول على التقيد بنصوصه، مثلما حرمت المنظمة الدولية أي الأمم المتحدة من حق الإشراف على تطبيق بنوده تطبيقاً كاملاً(

        والقول بالصفة غير الإلزامية للإعلان  لا يعني إنكاراً لأهميته، فهو يمثل مركزاً مرموقاً في تاريخ تطور الحريات العامة عبر الأجيال. وهو أول وثيقة عالمية تتضافر حولها وفيها إرادات معظم دول العالم بغية تحقيق كرامة الإنسان أينما كان.

        وذهب الفريق الآخر: إلى أن الإعلان يتضمن تفسيراً رسمياً أو تحديثاً لمضمون حقوق الإنسان والحريات التي أشارت إليها نصوص ميثاق الأمم المتحدة وبالأخص ما جاء في المادة (56) منه. وهذا ما يجعلنا نعترف بأن للإعلان القيمة القانونية ذاتها التي للميثاق . فبموجب هذه المادة، "يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بأن يقوموا منفردين أو مجتمعين بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة (55)"، والتي من أهمها احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية للجميع. ولقد عزز الاعلان من عمل الأمم المتحدة عبر الصفة القانونية للمبادئ التي احتوى عليها ، كما ساعد على بلورتها وتحديدها ودخولها في هيكل القواعد الدولية الملزمة. كما تظهر العديد من المناقشات التي تدور في الجمعية العامة أن مصطلحات حقوق الإنسان تستخدم كما لو كانت قانوناً قائماً بالفعل

        والرأي الأرجح هو ما ذهب إليه الفريق الثالث: الذي أخذ به الفقه الحديث والذي يعتبر ان نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أصبح ينظر إليه كجزء لا يتجزأ من القانون الدولي العرفي، واعتياد الدول على اعتماد ما ورد فيه من قواعد، جعله كجزء من القانون الدولي العرفي، وبالتالي فهي قواعد ملزمة([27]). كما نجد ان محكمة النقض الفرنسية قد استندت في عام 1972 إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على اعتبار أن المبادئ التي تضمنها قد تحولت مع الزمن إلى قواعد عرفية

        أما بالنسبة للقضاء الدولي، فإن موقف محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص لم يكن واضحاً كما يجب، وإن كانت قد استندت إليه في بعض الأحكام والآراء الاستشارية(

        ومن الجدير بالذكر أن القاضي اللبناني (فؤاد عمون)، وهو أحد قضاة محكمة العدل الدولية في حينه، أشار في رأيه المستقل في (قضية ناميبيا) أن أحكام الإعلان قد تلزم الدول بوصفها أعرافاً دولية، لأنها عبارة عن تقنين للقانون الدولي العرفي، أو لأنها أصبحت كذلك من خلال سلوكية دولية عمومية معتبرة قانونا

        وبما أن هذا الإعلان يعبر عن الرأي العام العالمي في بعض المسائل القانونية، وخاصة أن دولة واحدة لم تعارضه، فلا شك أنه يختلف عن التوصية في أنه يؤكد مبادئ قانونية قائمة أو ينشئ مبادئ قانونية جديدة. لذا فإن الفقه يتفق على أن مثل هذه القواعد ملزمة على الأقل على اعتبار أنها قانون لين "Soft Law" .

        وهكذا فإن القوة القانونية للإعلان قد تزايدت إلى الحد الذي يمكن القول بأنه يجعل عدم تنفيذه تهديداً للسلم، ومبرراً للتدخل من مجلس الأمن لتنفيذ تدابير الأمن الجماعي، سواء التدابير العسكرية أم غير العسكرية

        وعند الوقوف على ما جرى عليه العمل بشأن الإعلان العالمي يتبين لنا بكل وضوح أن مضمونه قد تأكد من الناحية العملية، على المستويين الوطني والدولي.

        فعلى المستوى الدولي فإن ما جاء في مضمون الإعلان العالمي، كان السند في إدانة العديد من تصرفات الدول المنافية لحقوق الإنسان، باعتبار أن هذه التصرفات تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي([28]).كما أن كثيراً من المعاهدات الدولية قد فصلت القواعد الواردة في الإعلان العالمي ورددتها في ديباجتها وجعلت منها أساساً للتنظيم التشريعي الذي أرسته.

        أما على المستوى الوطني فقد أشارت الغالبية العظمى من الدول في دساتيرها الوطنية وتشريعاتها على درجاتها المختلفة للمبادئ والقواعد التي جاء بها الإعلان العالمي

        أما بخصوص القضاء فكثيراً ما يجري الاستشهاد بالإعلان في الكثير من القضايا التي تطرح أمام المحاكم الوطنية والدولية، لاسيما في قضايا التعذيب وانتهاك الحريات من جانب الحكومات في الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية أو العنصرية.

        وبغض النظر عن الظروف التي رافقت إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وانعدام الصفة الإلزامية فيه، إلا أنه يعد خطوة هامة في تاريخ البشرية، لجمعه الدول كافة بمختلف اتجاهاتها الإيديولوجية والفكرية في أن تتبنى مبادئ محددة شكلت اللبنة الأولى لوثائق قانونية دولية أخرى تلتزم بها الدول وتطبقها على شعوبها بشكل منصف وعادل

وقد أصبح هذا الإعلان مصدراً لإلهام الدول في مجال حقوق الإنسان، وبات مرجعية أساسية لتفسير وفهم نصوص الميثاق المتعلقة بحقوق الإنسان، ويشكل مرجعاً يستطيع الرأي العام أن يحكم انطلاقاً منه على تصرف ما، وعلى مدى احترامه لحقوق الإنسان الأساسية.

وكان الاعلان بمثابة الخطوة الأولى في طريق التنظيم الدولي الفعال لحماية حقوق الإنسان على الصعيدين الدولي والداخلي. أما الخطوة الثانية فقد تحققت فعلاً عندما كرّست الأمم المتحدة جهودها بعد هذا الإعلان لتحويل المبادئ التي جاء بها إلى أحكام معاهدات دولية تفرض التزامات على الدول المصدقة عليه. وتمثل ذلك بإقرار الجمعية العامة عام 1966 للعهدين الدوليين والعديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

        كما يمكن القول بان الإعلان يضيف أبعادا دولية إلى الوثائق الوطنية لحقوق الإنسان، إذ لا يمكن لهذه الأخيرة تأمينها بمفردها

        نستخلص من كل ذلك ، أن المنظمة الدولية ومن خلال إصدارها لهذا الإعلان، استطاعت أن تنتزع تعهدا من الدول الأعضاء للتعاون معها من أجل "ضمان إطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها" كما ورد في الديباجة. وهذا التعهد يمنح الإعلان سلطة أدبية وأخلاقية للتنديد بالدول التي لا تحترم حقوق الإنسان، وله أبعاد مؤثرة يقتدى بها في الدساتير الداخلية، ويمكن تطبيقه بصورة نسبية في العالم. وأن هذا الإعلان قد أدى إلى نشأة قانون دولي جديد خارج الحدود القومية للدول ، له قوته الملزمة بالنسبة للجميع.  

 



([1] ) هناك العديد من التدخلات الإنسانية للمنظمات الإقليمية على سبيل المثال:
-     ليبيريا 1991 من قبل المجموعة الاقتصادية Ecowas في إفريقيا، التي أرسلت قوات عسكرية لدعم الحكومة ضد المتمردين.
-     تدخل المجموعة نفسها في جمهورية سيراليون عام 1997 من أجل إعادة الرئيس المنتخب.
-     تدخل حلف "الناتو" في البوسنة والهرسك عام 1995 لوقف مجازر الصرب بحق المسلمين والكروات.
-     "تدخل الناتو" في كوسوفو عام 1998 في أكبر عملية عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية، بحجة وقف انتهاكات حقوق الإنسان.
 
([2] ) الرأي الذي كان سائداً أثناء الحرب الباردة يشير إلى أن الميثاق لم يقصد السماح باستخدام القوة لحماية المدنيين خلال الأزمات الإنسانية من قبل دولة تتصرف وفقاً لما تراه مناسباً، إضافة إلى ذلك لم يحظ استخدام القوة أيضاً بأي سابقة قانونية مقبولة على نطاق واسع خلال هذه الفترة، خصوصاً أن محكمة العدل الدولية رفضت في حكمها الصادر في 9  نيسان 1949 في قضية (قناة كورفو) بين بريطانيا وإيرلندا الشمالية إمكانية أن يكون الحق في التدخل بالقوة متسقاً مع القانون الدولي، وذكرت المحكمة أنه (مهما كانت العيوب الحالية في التنظيم الدولي فلا يمكن أن يجد الحق في التدخل بالقوة مكاناً في القانون الدولي)، مؤكداً أن استخدام القوة ليس الأسلوب المناسب لرصد أو ضمان احترام حقوق الإنسان.
([3] ) المادة (10) من الميثاق.
([4] ) المادة (13) / ب من الميثاق.
([5] ) اللجنة الثالثة هي لجنة من بين ست لجان تفرعت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لمساعدتها في إنجاز وظائفها، وهي مختصة بالقضايا الإنسانية والاجتماعية والثقافية.
([6] ) هذه اللجان هي: لجنة السياسة والأمن (اللجنة الأولى) ولجنة الشؤون الاقتصادية والمالية (اللجنة الثانية) ولجنة شؤون الوصاية (اللجنة الرابعة) ولجنة الشؤون الإدارية والميزانية (اللجنة الخامسة) ولجنة الشؤون القانونية (اللجنة السادسة).
([7] ) اللجان الفنية Functional Commissions:
1- اللجنة الإحصائية                           2-لجنة التنمية الاجتماعية (CSOCD)
3-لجنة السكان والتنمية CPD))                 4-لجنة التنمية المستدامة (CSD)
5-لجنة حقوق الإنسان (CHR)                 6-لجنة مركز المرأة (CSW)
7-لجنة المخدرات (CND)                      8-لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية (CCPCJ)
9-اللجنة المعنية بالعلم والتكنولوجيا لأغراض التنمية (CSTFD)
([8] ) باسيل يوسف، مرجع سابق، ص80-81.
([9] ) المادة (62) فقرة (1) من ميثاق الأمم المتحدة.
([10] ) المادة (62) فقرة (2) من ميثاق الأمم المتحدة.
([11] ) المادة (62) فقرة (3) من ميثاق الأمم المتحدة.
([12] ) المادة (62) فقرة (4) من ميثاق الأمم المتحدة.
([13] ) المادة (68) من ميثاق الأمم المتحدة.
([14] ) لجنة حقوق الإنسان، وهي اللجنة التي أنشأها المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1946، بقراره رقم (5)، والمعدل بالقرار رقم (9) لعام 1946. وتتكون اللجنة من (43) دولة لمدة ثلاث سنوات على أساس التوزيع الجغرافي. ويحضر جلساتها العلنية مراقبون من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وغير الأعضاء والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ذات الصفة الاستشارية، وكذلك ممثلو حركات التحرير. ومن ايرز مهامها تقديم المشاريع والاتفاقات المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن ابرز انجازاتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. ومشروعي العهدين الدوليين عام 1966.
واتخذت هذه اللجنة سنوياً، العديد من القرارات التي تتعلق بموضوعات حديثة خاصة بحقوق الإنسان، مثل: القرار رقم (14) لسنة 1996 بخصوص الآثار الضارة للنقل والتفريغ غير المشروع للمنتجات والنفايات الضارة على حقوق الإنسان. والقرار رقم (27) لسنة 1996 بخصوص الحقوق الأساسية للأشخاص المعاقين. والقرار رقم (31) لسنة 1996 بخصوص حقوق الإنسان والطب الشرعي. والقرار (47) لسنة 1996 بخصوص حقوق الإنسان والإرهاب. والقرار رقم (51) لسنة 1996 بخصوص الإنسان والمسوح الجماعي والقرار (62) لسنة 1996 بخصوص أخذ الرهائن، والقرار رقم (8) لسنة 1997 بخصوص الحق في الغذاء. والقرار رقم (9) لسنة 1997 بخصوص الآثار السيئة لإغراق المنتجات والنفايات السامة والخطرة على التمتع بحقوق الإنسان، والقرار رقم (10) لسنة 1997 بخصوص الآثار التي تخص التمتع الكامل بحقوق الإنسان الناجمة عن سياسات التكيف الاقتصادي بسبب الدَين الخارجي. لمزيد من االتفاصيل عن لجنة حقوق الإنسان،
([15] ) اللجان الدائمة التي شكلها المجلس الاقتصادي والاجتماعي هي:
  (أ) لجنة المستوطنات البشرية                 (ب) لجنة البرامج والتنسيق
  (ج) لجنة المنظمات غير الحكومية            (د) لجنة الطاقة والموارد الطبيعية
([16] ) اللجان الدورية: مثل اللجان الخاصة بالشؤون الاقتصادية والشؤون الاجتماعية، وحقوق الإنسان والتنسيق.
([17] ) اللجان الفرعية السنوية: هي اللجان الخاصة بجدول الأعمال وبالهيئات الحكومية، ويوضع الترتيبات المتعلقة بالهيئات غير الحكومية، فضلاً عن لجنة المعونة الفنية.
([18] ) اللجان المؤقتة: اللجنة الخاصة بجريمة الإبادة الجماعية، والرق، ومركز اللاجئين...
([19] ) اللجان المختصة: منها لجنة الاقتصاد والتنمية في عام 1951 وعهد بوظائفها إلى المجلس ولجان اقليمية أو إلى هيئات خاصة.
([20] ) اللجان الإقليمية: اللجنة المختصة بأوروبا واللجنة المختصة بآسيا والشرق الأقصى، ولجنة أمريكا اللاتينية.
([21] ) المادة 7 فقرة (1) من ميثاق الأمم المتحدة.
([22] ) المادة (100) الفقرة (1) من ميثاق الأمم المتحدة.
([23] ) أكدت الجمعية العامة في الذكرى الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعهدها بالاستمرار في أن تستلهم من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عند صياغة القواعد الدولية في مجال حقوق الإنسان، مع الأخذ في الاعتبار الوقائع الجديدة التي حدثت خلال العقود الماضية. وقد تم تبني الشعار الرسمي للذكرى الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو كل حقوق الإنسان للجميع "All Human Rights for all".  للمزيد راجع: ويعد ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية (1963) أول وثيقة منشئة لمنظمة دولية إقليمية تشير إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (أنظر الديباجة، والمادة 2).كذلك استندت العديد من الاتفاقات الدولية إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، ومعاهدة السلام مع اليابان عام 1951، والصك الختامي لمؤتمر هلسنكي لعام 1975 بخصوص التعاون والأمن في أوروبا، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. كما جاء في إعلان طهران (1968) الذي تبناه المؤتمر الدولي حول حقوق الإنسان، أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكل فهماً مشتركاً لشعوب العالم لحقوق الإنسان، كما أنه يعد التزاماً لأعضاء المجتمع الدولي.وكذلك أشارت ديباجة إعلان فيينا الذي تبناه مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان (عام 1993) إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره النموذج المشترك والأساسي لكل أنشطة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان.
.                                
 
([24] ) منظمة العمل الدولية هي المنظمة التي تقرر إنشاؤها بعد الحرب العالمية الأولى في عام 1919 من أجل تحقيق السلام الاجتماعي كعنصر أساس للسلام العالمي وتعمل منذ أكثر من نصف قرن على تحسين ظروف العمل والطبقة العاملة وتعزيز حقوق العمال الفردية والجماعية والنقابية، ورفع مستواهم المادي والمعنوي والثقافي في كل مكان. فقد أعدت أكثر من (136) مشروع اتفاقية و(144) توصية لتحسين ظروف الطبقة العاملة، لذلك كان غريباً أن تعلن الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة المطالبين بحقوق الإنسان انسحابها من هذه المنظمة في 1/11/1977 وأعلن المندوب الأمريكي في المقر الأوروبي للأمم المتحدة أن ذلك القرار جاء تعبيراً عن قلق حكومة واشنطن مما أسماه بانحراف الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة عن مهام عملها الأساسي إلى التورط في القضايا السياسية، والجدير بالكر أنه سبق للولايات المتحدة أن هددت سنة 1975 بلسان وزير خارجيتها هنري كسينجر بالانسحاب من منظمة العمل الدولية بعد قرار هذه المنظمة. للمزيد من التفاصيل ينظر محمود مسعود محمود، دور منظمة العمل الدولية في خلق وتطبيق قانون دولي للعمل، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976، ص147 وما بعدها.
([25] ) منذ عام 1958 وجدد عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مثل غينيا، فقد تضمنت دساتيرها إشارات تفيد انضمامها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتنفيذه فيها. كما نجد كل من الجزائر ورواندي قد أشارت إلى اعتناقها للميثاق في صلب الدستور، بينما السنغال وداهومي قد أشارت إلى انضمامها للإعلان العالمي في ديباجة دستورها. كما أن الدستور اللبناني نص في مقدمته على أن لبنان ملتزم بمواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
    
([26] ) ميثاق الأمم المتحدة: "عبارة عن معاهدة جماعية توافقت فيها إرادة الدول الأعضاء في المجتمع الدولي على تحديد قواعد القانون الدولي التي تحكم العلاقات بينها".
([27] ) أقرت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة بعالمية وإلزامية مبادئ حقوق الإنسان، فجاء في إعلانها الصادر عام 1993. إن حقوق الإنسان جميعها عالمية، وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة، ويجب على المجتمع الدولي أن يعامل حقوق الإنسان على نحو شامل وبطريقة منصفة ومتكافئة وعلى قدم المساواة وبالقدر ذاته من التركيز.راجع.
([28] ) فمثلاً إدانة المعاملة اللاإنسانية للمواطنين من أصل هندي في جنوب أفريقيا، وإدانة سياسة التفرقة العنصرية التي تتبعها هذه الدولة ضد المواطنين السود، وإدانة حكومة روديسيا لذات السبب، وانتهاك حقوق الإنسان في كل من بلغاريا والمجر ورومانيا، وإدانة فرنسا للمبادئ التي تضمنها الإعلان الصادر إبان احتلالها للمغرب وتونس، والإدانات المتكررة لإسرائيل لمعاملتها الوحشية لمواطني الأراضي العربية المحتلة، وإدانة بولندا وشيلي وإيران. ففي كل هذه الحالات أشير صراحة إلى الإعلان العالمي باعتباره مصدراً يستمد منه الإنسان تلك الحقوق، ويعد انتهاكه انتهاكاً لالتزام قانوني يقع على عاتق الدول.