01‏/07‏/2013

هل دخلت مصر النفق المظلم؟

هل دخلت مصر النفق المظلم؟
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 30/6/2013

         قليل من التدقيق في المشهد المصري العام، بين ما جرى قبل سنتين ونصف تقريبا وما يتهيأ له مختلف شرائح المجتمع المصري، يظهر ان مصر قادمة على خيارات احلاها مر.ففي المشهد العام يبدو ان ثمة انقسام عامودي حاد ينتاب السلوك الجماهيري المصري ،وهذه المرة على قواعد مختلفة عن السابق، ابرزها ازمة هوية النظام لا سياساته فقط، ما يدلل على عمق الفجوة الحاصلة ويعزز من مخاطر انفلات الأمور من عقالها وذهابها نحو مواقف وخيارات حادة يصعب معها السيطرة على مجمل الامور الداخلية وما يتعلق بها من ابعاد سياسية وأمنية خارجية.
         ما حصل قبل سنتين ونصف كان بمثابة حلم انهى عصرا بكامله،لكن النتائج والآثار والتداعيات الحاصلة اختلف عليها المصريون، وافترق حيالها سياسيوها ومفكروها ومحركوها. لم يتمكن من استلم السلطة في مصر من الاستفادة ولو بشكل معقول أو حتى مقبول من خطايا من سبقه في الحكم،بل مارس السلطة بنفس المناهج والأفكار والسلوكيات السياسية، ما ضاعف وأجج نقمة الكثيرين،بل ثمة ظهور لسلوكيات اجتماعية سياسية يمكن ان تصل بأصحابها إلى خيارات مدمرة.
        ثمة استفراد في الحكم ، وتهميش واضح لفئات سياسية واسعة ووازنة في الحياة السياسية المصرية. كما ثمة محاولات وصلت إلى حد الحسم في تغيير مفاصل النظام ولو عنوة ، الامر الذي ادى بفئات ليست متواضعة الحجم أو العدد أو النوع ، لحسم خياراتها باتجاه الوصول إلى اسقاط النظام لا إلى اعادة هيكلته أو اصلاحه،ما يعني ان دوامة من العنف السياسي سوف تظهر وبقوة ، ومن السهل تحويلها إلى مظاهر أكثر عنفية لاحقا.
       ان الاسباب الداخلية هي اكثر من ان تعد أو تحصى لتأجيج الحراك القائم ، إلا ان الجديد فيه أيضا هو تأثر الوضع القائم بمجمل عوامل خارجية لا يقل تأثيرها عن القضايا الخلافية الداخلية. فمصر محاصرة الآن بأزمات قريبة وبعيدة جغرافيا؛ وهي ذات صلة مباشرة بما يجري فيها. فمثلا حتى الآن لم يحسم الوضع الليبي بمختلف أزماته الداخلية والخارجية، وهو عامل مؤثر ومباشر في الحياة السياسية المصرية. الأمر نفسه يتشابه في جنوبها مع السودان وجنوبه، مضافا إليها ازمة المياه مع اثيوبيا وسدها، مرورا بالأزمة السورية وما اتخذ من مواقف مصرية مؤخرا بشأنها. معطوفة على ما يجري في تركيا حاليا ، باختصار مصر اليوم ذاهبة برضاها أو عنوة إلى المكان الذي  لا تحسد عليه.
       والأخطر من ذلك،ان مجمل ما يظهر في مصر ، سيكون له الانعكاس المباشر على العديد من مناطق الاقليم العربية وغير العربية. فتجربة الاسلام السياسي الذي وصل إلى السلطة في بعض الانظمة العربية على انقاض حراك شبابها ، لم يقدم رؤيته الواضحة لمختلف التحديات المطروحة،بل كان بمثابة الفتيل الذي يُهيئ لإضرام النار هنا أو هناك.
      ان قراءة متأنية لما جرى في بعض البلدان العربية وما تتهيأ له مصر حاليا،يظهر وكأن قدرا محتوما لا يرد ،مفاده تدمير الدول العربية انظمة ومجتمعات دون تفريق.وبعيدا عن نظريات المؤامرة التي نجيد التنظير لها نحن العرب، ثمة سياق نمضي به برضانا  ومعرفتنا المسبقة له،دون وازع أو رادع، وكأن هذا النمط السلوكي المجتمعي اضحى سلوكا بالفطرة أكثر من كونه سياقا تعوّدنا عليه.
      مصر اليوم هي بأمس الحاجة إلى لغة العقل وسلوك التعقل، باعتبار ان ما يُحضر لأمتنا العربية في الموجة الثانية من حراكها ،هو اصعب وأشد فتكا من الموجة السابقة. هي حالة اشبه ما تكون بحالات النحر والانتحار الجماعي لكل ما له علاقة بنظام أو قانون أو دستور. انها صورة نرجسية عن فوضى عارمة متنقلة من مجتمع إلى آخر، وسط آمال وآلام ربما لا نهاية لها.
      اما الأخطر من كل ذلك ، هو ان تعميم الفوضى في مصر ، يعتبر الحلقة الأهم في حزام الأمان الذي تبحث عنه وتعمل له اسرائيل ليل نهار. فمن دول الطوق المواجهة لإسرائيل إلى جماعات متناحرة متقاتلة تشكل البيئة الممتازة ليس لحماية اسرائيل فقط ، بل لديمومة سطوتها وتسلطها وبالتالي استمرار انقسامنا وضعفنا وتفتتتا .انها عادة من الصعب ان نغيرها!