09‏/07‏/2013

مصر وأخواتها بعد الاخوان


مصر وأخواتها بعد الاخوان
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 3/7/2013
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 9/7/2013
       ربما نحن اليوم امام مشهد سريالي ، اختزل عقودا من الآمال والآلام التي انتظرها الاخوان المسلمون ليس في مصر وحسب بل في بعض الانظمة العربية. فبعد ثماني عقود من العزل والتهميش والاضطهاد حكم الاخوان مصر بنفس الادوات والوسائل التي عوملوا بها، لكن هذا السياق السلطوي انهى حكمهم في اقل من ثمانين ساعة. والأمر لن ينتهي عند هذا الحد،بل سيكون له تداعيات داخلية مصرية كما خارجية على بعض الدول العربية التي تمكن فيها الاسلام السياسي من الوصول إلى السلطة مؤخرا.
       في مصر حيث التوليفة التي تمت فيها عزل الرئيس محمد مرسي تترك اسئلة كثيرة، منها ما يتعلق بالجانب القانوني حيث لم يتم عزله صراحة بل ضمنا بتولية رئيس المحكمة الدستورية رئيسا لمرحلة انتقالية بصلاحيات رئاسية تنفيذية، وبخريطة طريق تبدو واضحة المعالم لكن تنفيذها ربما لن تكون ميسّرة بفعل الانقسام العامودي داخل المجتمع المصري وما ستؤول اليه الأمور بفعل موقف الرئيس المعزول نفسه الذي يُستشف من ردة فعله الاولية عدم القبول ،  بل الدعوة إلى مواجهة ما اسماه انقلابا عسكريا مغطى بثقل سياسي وديني، وما يؤكد هذا السلوك ما ورد في خطابه قبل عملية العزل غير المعلنة مصطلح " انا الشرعية" سبع وثلاثون مرة في اقل من نصف ساعة. ما يعزز صورة المواجهة القادمة بين مختلف التيارات السياسية المصرية من جهة والإخوان من جهة ثانية.  وما يعزز هذه الفرضية أيضا السياق الذي  تم التعامل فيه مع الحدث نفسه وبخاصة خارجيا وبالتحديد امريكيا ، حيث امسكت العصا من النصف وكأنها وزّعت الادوار والمواقف دون حسم خيارات الدعم ما يفسح المجال واسعا عن حقيقة موقف واشنطن من الحدث نفسه.
     وبصرف النظر عن فعالية المواقف الخارجية ومدى تأثيرها في الحدث وتداعياته، يبقى ان ثمة انتقادات كثيرة يمكن ان توجّه لتجربة الاخوان المسلمين في مصر والتي ساهمت إلى حد كبير في سرعة الانهيار كسياق سياسي في الحكم والسلطة، وليس بالضرورة كجماعة سياسية وهنا تكمن القضية الأهم، حيث من المرجح عدم استسلامها بسهولة ،خاصة وان قراءتها لما حدث يعتبر تحديا وجوديا بعد طول انتظار لتسلم السلطة. علاوة على السلوك الذي تتبعه الجماعات الاسلامية في مثل هذه الامور ومن ابرزها الرد بالعنف الذي من السهل ان ينزلق إلى الجانب الامني والعسكري ،وهو امر معتاد عليه  في تاريخها السابق منذ نشأتها كحركة سياسية في اواخر عشرينيات القرن الماضي.
       صحيح ان حجم وثقل الاخوان في مصر لا يتعدى الخمسة عشر بالمئة من اصوات الناخبين الذين اوصلوا الرئيس مرسي إلى السلطة، إلا ان تجارب سابقة يمكن ان يتمثلوا بها وبخاصة تجربة الجزائر على سبيل المثال في نهاية ثمانينيات القرن الماضي ، حيث وصلت الحركات الاسلامية إلى السلطة وتم اقصاؤهم ،ما دفعهم إلى المواجهات الامنية والعسكرية بداية مع الجيش ونهاية مع كل المواطنين الجزائريين الذين صُنِفوا ضدهم. وإذا كان ثمة من يستبعد هذه المقاربة من منطلقات الظروف الذاتية لكلا المجتمعين الجزائري والمصري، إلا ان السلوك المعتاد والسوابق تعزز ذلك
      والمفارقة في هذا المجال،ان ما وقعت فيه تجربة اخوان مصر في السلطة والحكم امر ظاهر أيضا في الساحتين التونسية والليبية ، وهذا ما يعيد استنساخ الحراك المصري في هاتين الساحتين، خاصة وان عوامل الانفجار الداخلي متوفرة ، حيث التبرم الاجتماعي والسياسي قائم وبحدة نتيجة فشل السياسات بمختلف جوانبها وعودة التسلط وكم الافواه وكثرة الوعود وندرة الافعال.
       والأمر عينه سينعكس سلبا على الحراك القائم في بعض الانظمة ومنها الاردن واليمن والسودان مثلا، ناهيك عن تجربة الحركات الاسلامية في سوريا وجنوحها المفرط في المواجهات العسكرية ضد النظام. وليس انتهاءً بما جرى في ساحة تقسيم في تركيا مؤخرا.
      ان محاولة تقييم اداء وسلوك الحركات الاسلامية التي تسلمت السلطة أو لا زالت تحاول، تفيد بأن صورة ضبابية لا زالت تحكم المشهد السياسي في معظم الدول العربية، حيث ان الموجة الاولى من الحراك التي اوصلت بعضها إلى السلطة لم تدم طويلا ، وحيث الموجة الثانية وارتداداتها تتفاعل وربما ستبرز صورا وأنماطا اخرى من السلطة لكن بعد جولات عنف تبدو قاسية.
       ثمة من يقول ان هلال الاخوان المسلمين بدءاً بطرفيه التركي والمصري وما بينهما قد بدأ يترنح، لكن في المقابل ليس ثمة رؤى أو برامج واضحة في الجهات المقابلة تستطيع من خلالها استيعاب ظروف المرحلة والعبور بها إلى بر الامان بأكلاف مقبولة، وهنا تكمن خطورة الوضع في مصر وأخواتها أيضا.