30‏/08‏/2013

الأزمة السورية والعلاقات الروسية - الأمريكية

الأزمة السورية والعلاقات الروسية - الأمريكية
نشرت قي صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 22/8/2013
    
خليل حسين
تصوّر كثير من المتابعين أن سقوط الاتحاد السوفييتي أنهى حقبة الحرب الباردة، وبنيت تصورات ورؤى مختلفة لهذه النظرية، وما عزّز تلك الرؤية ضعف انطلاقة روسيا كقوة فاعلة في النظام العالمي آنذاك للعديد من الأسباب والاعتبارات الذاتية والموضوعية . وبصرف النظر عن غياب العامل الأيديولوجي في تأجيج النزاعات والصراعات حالياً، إلا أن ثمة أسباباً كثيرة يمكن أن تعيد رسم صورة قاتمة لعلاقة موسكو بواشنطن في ظل ظهور أزمات ذات بعد إقليمي ودولي ومن بينها الأزمة السورية .
وعلى الرغم من وجود فواعل كثيرة تلعب أدواراً مختلفة في تحديد مستوى العلاقة بين الدولتين، إلا أن الأزمة السورية شكّلت عاملاً أساسياً في تحديد مستقبل العلاقة وما يمكن أن ينتج عنها من تداعيات إقليمية ودولية في غير اتجاه .
لقد اعتقدت موسكو مؤخراً أن عودتها إلى النظام العالمي كقطب فاعل إن لم يكن موازياً لواشنطن، مرهون بإعادة صياغة سياسة خارجية ذات بُعد صدامي، أي بمعنى آخر لقد لجأت موسكو في قراءتها للسياسات الدولية المفترضة ومنها الأزمة السورية، على أنها بوابة ممتازة لطموحاتها، رغم الصعوبات والمعوقات الكثيرة التي يمكن أن تواجهها في ترجمة الطموح إلى واقع ملموس .
صحيح أن روسيا تمكنت خلال العقد المنصرم من تكوين بيئة اقتصادية وسياسية واجتماعية مناسبة لانطلاقة جديدة على المستوى الدولي، إلا أن مستجدات كثيرة برزت مؤخراً، بحيث لم يعد بمقدور روسيا الاتكال على هذه البيئة لتأكيد حضورها المفترض، باعتبار أن مرتكزات السياسة الخارجية الروسية انطلقت من بيئات مختلفة على الصعيد العملي، ومنها محاولة إعادة تقويم سياساتها على منطلقات ليست قادرة على ضبطها واستثمارها بشكل دقيق ومفيد، ومن بين هذه المنطلقات محاولة التدخل في التحولات الجارية في المنطقة العربية .
لقد شعرت موسكو بأنها تلقت ضربة قاسية من خلال إدارتها للأزمة الليبية وخروجها خالية الوفاض مما آلت إليه أوضاع منطقة شمالي إفريقيا وتحديداً المنطقة العربية، لذا عملت جاهدة على تركيز قوتها في محاولة لإعادة التوازن في منطقة أخرى، فكانت الساحة السورية والقبرصية ملعباً ممتازاً لعمليات الشد والجذب مع واشنطن . والسؤال المفترض هل إن استمرار موسكو في هذا التوجه سيعيد لها ما خسرته في مناطق أخرى ويعيد ترسيم العلاقة مع واشنطن وفقاً لتصوراتها .
في واقع الأمر، وإن كانت موسكو تحاول جاهدة إعادة ترتيب أوضاعها على أسس تعتبرها مقبولة نسبياً، إلا أن المستجدات الحاصلة في المنطقة العربية تحديداً تعتبر من العوامل المثبطة أو أقله غير المساعدة على تطوير قدراتها الدبلوماسية والعملية، فالتحولات الجارية في غير بلد عربي ومنها سوريا من الصعب استثمارها بشكل مقبول نظراً لأكلافها العالية وعدم وجود قواعد صلبة لإمكانية البناء عليها في أي مشروع حل للأزمة السورية أو غيرها، وبذلك فإن ركون روسيا ووضع ثقلها بمختلف أوجهه في الأزمة السورية لن يثمر نتائج مقبولة لموسكو في ظل تشدد واشنطن في هذه الملفات، وفي ظل عدم وجود أي مؤشرات على إمكان تبدلات دراماتيكية سريعة في مواقف كل من موسكو وواشنطن .
إن قراءة متأنية لماضي العلاقة بين البلدين يشير بوضوح إلى أن تنافساً قوياً قد جرى في غير ملف وقضية في غير منطقة من العالم، حيث جرت تنازلات متبادلة وإعادة صياغة مختلفة لمواقف متباينة، إلا أن التدقيق في مواقف الدولتين تجاه الأزمة السورية يشير إلى نوع من الاستحالة في التوصل إلى قواسم مشتركة لتحديد قواعد للحل السياسي المفترض، وما يعزز هذه الفرضية أن مؤتمر “جنيف 2” الموعود منذ أشهر عدة لم يتم حتى الآن ترتيب قواعده وأسسه حتى الفرعية منها .
إن تشعب الأزمة السورية حتى بتفاصيلها السياسية وغير السياسية المملة، أثرت وستؤثر في تكوين البيئة المناسبة لكل من واشنطن وموسكو في إعادة صياغة علاقة طبيعية في حدها الأدنى . فكل من البلدين انطلق من مرتكزات ومبادئ غير قابلة للتفاوض وتبادل المغانم والمصالح، فالأزمة السورية شكّلت وتشكل بيئة قابلة للتشدد في المواقف، وهي من النوع الاستراتيجي في حسابات الدولتين، وفي تلك الحالة من الصعب إيجاد ثغرات يمكن النفاذ إليها لبناء قواعد الثقة في التعاملات الدولية المفترضة
إن وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأنه كالتلميذ المشاغب الذي يجلس في مؤخرة الصف، تعبير واضح على نظرة واشنطن للسياسات المتبعة في موسكو، وفي هذه الحالة فهي تعتبر أن المشاغبة لن تصل إلى نتيجة، وبصرف النظر عن رؤية وقراءة واشنطن لهذا التوصيف، فمن المعروف أن المشاغبة هي نوع من عدم القدرة على إيصال ما يريده الشخص إلى نهاياته السعيدة . وبالتالي ثمة مسافات بعيدة بين الطرفين ينبغي ردمها قبل التفكير بأي بيئة حل لأي أزمة ومنها الأزمة السورية، بل الأصح القول إن الأزمة السورية تحديداً ستسهم في مزيد من الفراق والبعاد قبل أن تنضج ظروف أخرى تعيد رسم السياسات الإقليمية والدولية بين البلدين، وهو أمر غير منظور في المستقبل القريب!