30‏/08‏/2013

ياخونت بعد “اس اس 300”

ياخونت بعد “اس اس 300”
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 21/7/2013
      
خليل حسين
ضجت أخبار الصاروخ الروسي “اس اس 300” خلال الشهور الماضية وربطاً بالأزمة السورية، أعقب ذلك الغارة “إلاسرائيلية” على ضواحي دمشق وتبعها رد فعل سوري هو الأعنف والأكثر صراحة بإمكانية الرد على “إسرائيل” . ضجة أخرى حول صواريخ ياخونت الروسية مترافقة مع أخبار غارة على اللاذقية، ما يعني أن سياقاً مبرمجاً من تفاعلات الأزمة السورية عالمياً، وبالتحديد صراعات باردة تخفي أنماطاً من الأهداف الاستراتيجية الروسية والأمريكية وبالطبع “إلاسرائيلية” . وبصرف النظر عن وقوع الغارة “إلاسرائيلية” من عدمها على مخازن الصواريخ، ثمة خلفيات كثيرة يمكن ملاحظتها لطريقة تسريب الخبر، وتداعياته إن صح ذلك .
أولاً في المبدأ، وأن أخذ صاروخ اس اس 300 حجماً وافراً من الإعلام، يبقى أن مفاعيل منظومة الصاروخ رغم أهميتها، ليست بالقدر الاستراتيجي الذي تم الترويج له، مقارنة مع صواريخ ياخونت . فصاروخ اس اس 300 باتت تقنياته معروفة ومتداولة ولا يشكل خطراً استراتيجياً بالمعنى العسكري على المتضررين منه وبخاصة “إسرائيل”، فيما صاروخ ياخونت إضافة إلى مميزاته العسكرية اللافتة، فإن تهديداته الخاصة ب”إسرائيل” يعتبر مساً بأمنها القومي الذي يلامس حدود الخطر “الوجودي الاقتصادي” الذي عبّرت عنه “إسرائيل” تلميحاً وتصريحاً في الفترة الأخيرة بعد تهديدات “حزب الله” بقصف حقول الغاز البحرية
علاوة على ذلك، أن مدى الصاروخ الذي يصل إلى حدود 300 كلم وفعاليته، يعني إنه يشكل خطراً استراتيجياً على المياه الحيوية الجنوبية لحلف الأطلسي وهو بالتالي قادر على الوصول إلى عمق الساحل الأوروبي وما يحتويه من قدرات بحرية هائلة .
أما الجانب الأهم من ذلك، هو الإعلان الأمريكي “إلاسرائيلي” الواضح بمواجهة التمدد الاستراتيجي الروسي في البحر الأبيض المتوسط وبشكل يهدد المصالح الحيوية الغربية عبر مواجهة هذه الصورايخ في سوريا التي تعتبر قاعدة طرطوس الملجأ الروسي الأخير في المياه الدافئة بعد خسارة العمق الاستراتيجي الليبي سابقاً .
لقد باتت حرب الصواريخ وضربها قبل إطلاقها مساراً اعتمدته “إسرائيل” في الفترات السابقة، ما يشكل جملة من التساؤلات أبرزها الموقف الأمريكي من ذلك، فهل هذه العمليات تنفذ بمعرفة ورضا الولايات المتحدة، أم هي مبادرة “إسرائيلية” صرف وليس على واشنطن إلا تحمل تبعات العمل؟ في كلتا الحالتين يعتبر التصرّف “إلاسرائيلي” من النوع الذي يمكن أن تبنى عليه سوابق أخرى في حالات قد تكون مماثلة في المستقبل، ومن بينها التصرف “إلاسرائيلي” المحتمل تجاه البرنامج النووي الإيراني باعتباره يشكل تهديداً وجودياً “لإسرائيل” يبرر فعل أي شيء من وجهة نظرها .
أما الأخطر من ذلك كله، أن صناعة القرار السياسي للرد على أي اعتداء “إسرائيلي” على سوريا، لم تعد دمشق بقادرة على اتخاذه أو التصرف منفردة فيه، بل بات من الواضح ان قرار الحل والربط بات بيد موسكو ومجموعة من الفواعل الإقليمية الثانوية في هذا المجال . ما يعني أن التوازن لم يعد مختلاً بين “إسرائيل” وسوريا فقط بل هو انتهى عملياً وواقعياً بفعل الأزمة السورية وتداعياتها ومخلفاتها .
لقد تمكنت “إسرائيل” من الانتقال من القبول بمبدأ مرونة التوازن الاستراتيجي في المنطقة لمصلحتها، إلى رفض إمكانية أحداث تغييرات استراتيجية نوعية، ومن بينها ما تشكله كل من منظومتي صواريخ ياخونت وإلى حد ما اس اس ،300 والواضح في هذا المجال أن “تل أبيب” باتت في حكم محاولة المواجهة المباشرة مع موسكو، باعتبار أن هذه الأخيرة تعتبر أن البحر المتوسط حالياً يجب أن يشكل حديقة بحرية حيوية وحلماً طالما راودها وسعت إليه بجد لعقود طويلة سابقاً .
أخيراً وللأسف، ربما قدر العرب أن يبقوا طليقي اللسان ومقيدي الأيدي، لقد تمكنت “إسرائيل” من احتلال عاصمتين عربيتين القدس وبيروت، وتمكنت من قصف عواصم عربية أخرى في الوقت الذي مازلنا نبحث عن جنس الملائكة وكيفية الرد على اعتداءات الكيان . إننا أمة لا تعيش فقط على أمجاد الماضي الغابر، بل باتت تعيش اليوم خارج تاريخها، وربما تطرد خارج جغرافيتها في الوقت الذي تضرب صواريخنا وهي جاثمة وننتظر قراراً لن يأتي أبداً .