22‏/10‏/2013

دلالات الاعتذار عن عضوية مجلس الأمن3
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 22/10/2013
خليل حسين


في المبدأ تتسابق الدول على نسج التحالفات بهدف الفوز بعضوية جهاز من أجهزة الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن، لما له من دور فاعل ومقرر في الكثير من القضايا الدولية . والمفارقة أنه لم يسبق لدولة عضو في الأمم المتحدة، أن اعتذرت عن عضوية مجلس الأمن، ما يعني أن ثمة حالة اعتراض قوية على سياسات متبعة في المجلس نفسه تجاه قضايا استراتيجية، أو أن ثمة اعتراضاً على سياسات تتبعها إحدى الدول الدائمة العضوية في المجلس .
ولو أردنا التدقيق في مواقف الدول تجاه أداء مجلس الأمن في معالجة الكثير من القضايا الدولية، لوجدنا أن ثمة كماً هائلاً من الملاحظات الجوهرية التي تبديها تجاه السلوك السياسي المتبع في معالجة بعض القضايا الدولية المزمنة، ومرد ذلك إلى طبيعة الصلاحيات المعطاة للمجلس ولطبيعة النفوذ والسطوة التي تتعامل بها الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس في سياق التعاطي مع القضايا المطروحة، وبالتالي طبيعة القرارات التي يتخذها المجلس .
لقد ضجت المنتديات الدولية بالعديد من مشاريع الإصلاح التي استهدفت تحسين أداء الأمم المتحدة ومجلس الأمن بخاصة، إلا أن تركيبة النظام الدولي الذي ساد أعقاب الحرب العالمية الثانية وكذلك بعيد إنهيار الاتحاد السوفييتي، لم يكونا عاملين مساعدين لتطوير أسلوب عمل المنظمة الدولية، بل ساعدا بشكل أو بآخر في زيادة منسوب الاستغلال السياسي والعسكري لحق النقض الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى، وبالتالي المزيد من المعاناة للدول الأخرى التي كانت ديكوراً سياسياً لتجميل وتحسين صورة بعض القرارات الدولية .
والمفارقة في هذا المجال، اعتذار المملكة العربية السعودية عن قبول العضوية غير الدائمة في المجلس بعد انتخابها، والتي شكلت سابقة دولية في الأمم المتحدة لما لها من دلالات رمزية في هذا الاتجاه . وقد أتى هذا الموقف تعبيراً عن حالة اعتراض معلنة في بعض الجوانب من بينها المواقف المتعلقة بالقضية الفلسطينية وغيرها من المسائل العربية ذات الصلة بالصراع العربي “الإسرائيلي”، وكذلك طريقة مقاربة مجلس الأمن للأزمة السورية .
صحيح أن ثمة حالات كثيرة من التململ والتبرّم التي تبديها الدول العربية في مقاربتها للسلوك السياسي الذي ينتهجه مجلس الأمن في تعاطيه مع القضايا العربية، إلا أن تسجيل حالة الاعتراض في هذا التوقيت بالذات، له من الدلالات المهمة لاسيما أن المملكة لها من الثقل السياسي الإقليمي الذي لا يمكن تجاهله، وبخاصة السلوك الأمريكي في إدارة ملفات بعض أزمات المنطقة .
وبصرف النظر عن تداعيات هذا القرار على الوضع العربي في مجلس الأمن لاسيما أن المملكة انتخبت كممثل للمجموعة العربية، فإن هذه الخطوة ستثير جدلاً كبيراً في المحافل الدولية، بخاصة أن المنطقة مقبلة على جملة من الاستحقاقات المتعلقة بالأزمات القائمة حالياً، ومنها ملف المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية”، وملف مؤتمر جنيف 2 بخصوص الأزمة السورية . ومن هذا المنطلق يبدو أن
غياب طرف عربي فاعل عن هذا المحفل الدولي بالذات سيرخي بظلال كثيفة على كيفية التعاطي مع القضايا المطروحة أمامه .
إن تسجيل الموقف بطريق الاعتذار عن العضوية، يشكل صدمة سياسية بالغة الدلالات للولايات المتحدة الأمريكية بالنظر للعلاقات التي تربط كل من الرياض وواشنطن، وهي من الصدمات التي ينبغي الاستفادة منها، أقله تحفيز الولايات المتحدة وغيرها على تغيير أساليب التعاطي مع القضايا العربية في مجلس الأمن، علاوة على وجوب إعادة هيكلة علاقات واشنطن بالدول العربية في هذه الفترة بالذات بعد التحولات التي شهدتها أكثر من ساحة عربية .
ثمة اعتقاد شائع أن الأمم المتحدة لم تتمكن في كثير من الحالات من تقديم الجديد لأزمات العرب ومشاكلهم، بل ثمة من يقول إنها تسببت في نشوء العديد من الأزمات غير القابلة للحل، إلا أن تركيبة النظام الدولي القائم تظهر أن الأمم المتحدة قضاء لا مفر منه، وينبغي التعاطي معه كجزء من واقع دولي بصرف النظر عن منسوب الرضا أو الاعتراض على سلوكها وأدائها . فالأمم المتحدة منذ نشأتها قبل ثمانية وستين عاماً كانت محصلة لتوازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي اليوم انعكاس لواقع دولي لايزال يتشكل أو يحاول تثبيت صورة جديدة له . فهل سابقة الاعتذار عن عضوية مجلس الأمن تشكل صدمة يمكن أن تفعل فعلها في دوائر السياسات الدولية وبالتحديد الأمم المتحدة؟ إنه أمر مشكوك فيه حتى الآن!