28‏/10‏/2013

التجسس ليس جديداً

التجسس ليس جديداً
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 28/110/2013
     
خليل حسين
رحم الله زمناً كانت تسمى فيه مهمة الدبلوماسي لدى الدول الأخرى بالجاسوس الرسمي المعتمد، نظراً لطبيعة مهامه التي تختصر بكتابة التقارير عن كل شاردة وواردة في الدولة المضيفة . اليوم أصبحت كتابة التقارير من مخلفات القرون الوسطى، إذ لجأت الدول أو الأصح بعضها القليل إلى التجسس عبر تكنولوجيا المعلومات، وصولاً إلى وسائل وأساليب يعجز العقل عن استيعابها بسهولة .
والتجسس في عالم العلاقات الدولية بات أمراً معتاداً وأصبح شبه مقبول، لكن غير المقبول بين الدول أن تتم حالات التجسس بين الحلفاء والشركاء أنفسهم، فماذا يعني ذلك؟ هل هي حرب ناعمة على الجميع من دون استثناء الحلفاء قبل الأعداء .
ما قامت به الوكالة الوطنية للاستخبارات الأمريكية لا يعتبر سابقة في هذا المجال تحديداً، فهي المرة الثانية التي يكشف فيها عن مثل تلك الأفعال، الأولى في يونيو/حزيران الماضي والثانية قبل أيام نفذتها ضد فرنسا وألمانيا، ما يعني أن الاحتجاج الفرنسي الأول لم يكن سوى زوبعة في فنجان العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبالتالي فإن واشنطن لم تقم ولن تقيم وزناً أو دوراً لحلفائها حتى في شؤونهم الخاصة التي لا علاقة لها في السياسة أو الأمن .
فالتجسس الذي شمل سبعين مليون مخابرة وتبادل معلومات عبر الإنترنت، تعني أنها شملت أشخاصاً لا يشكلون خطراً على الأمن القومي الأمريكي، فمن المفهوم أن عمليات التجسس تتم عادة على فئات محددة أو شرائح بعينها، فهل وصل الأمر بالاستخبارات الأمريكية أنها لم تعد تثق بأحد على الكوكب الذي نعيش فيه؟
والأمر لم يقتصر على الحليفة فرنسا وألمانيا، بل تعداها إلى حلفاء آخرين كالباكستان والهند وبعض الدول التي تصنف كأعداء مثل إيران التي تم تسجيل 14 مليار حالة اعتراض ضدها لرسائل ونصوص إلكترونية خلال شهر مارس/آذار الماضي أي في الفترة نفسها التي تمت فيها عمليات التجسس على فرنسا .
والمفارقة الأمريكية في هذا المجال أن عمليات التجسس وجمع المعلومات تتقاسمها الولايات المتحدة مع ثلاثة حلفاء استراتيجيين بالنسبة إليها هم ألمانيا وبريطانيا و”إسرائيل” . حيث توفر لهذه الأخيرة معلومات عن كل ما يدب على هذا الكوكب .
فمن المعلوم والمعروف، أن أبرز وسائل ثقل القوة أن تمتلك معلومات دقيقة عن خصمك، وليس بالضرورة امتلاك قدرات مادية تفوقه، وهذا ما تحاول تطبيقه الولايات المتحدة على حلفائها وأعدائها في آن معاً . وسر هذا التفوق في النجاح هو امتلاك العلم والتكنولوجيا التي باتت أمراً ضرورياً للعيش بكرامة .
لقد تمكنت وكالات الاستخبارات الأمريكية بكافة فروعها من تنظيم بيئة تكنولوجية فائقة الفعالية في اعتراض المكالمات الهاتفية ورسائل الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال، عبر برامج مثل “كي سكور” و”بريسم” ما يتيح لها تعداد الشهيق والزفير لكل حي على كوكبنا . وطبعاً إنها مقدرة لا عيب فيها، لكن العيب أن نقف مذهولين وحتى مشدوقين لما يجري حولنا
طبعاً ليست المرة الأولى ولا الثانية التي قامت بها الولايات المتحدة بالتجسس على غيرها، وطبعاً لن تكون الأخيرة ، لكن السؤال الذي ينبغي طرحه في هذا المجال هو، هل إن عظمة الدول وقدراتها المفرطة تجعل منها أسداً مجروحاً وبالتالي إيجاد الأعذار والمبررات لما تقوم به من أعمال تعتبر خروجاً على الشرعية الدولية وبخاصة ميثاق الأمم المتحدة .
والمفارقة الأغرب في سجل الولايات المتحدة أنها عممت هذا النوع من أسلوب العمل في التجسس الخارجي منذ العام ،2007 وفي الداخل الأمريكي منذ العام 2001 بعد تفجير البرجين، حيث بات المواطن الأمريكي خاضعاً لشتى صنوف الرقابة بما فيها تعداد دقات القلب في الدقيقة الواحدة! في المحصلة إنها تطبيق عملي لنظرية الحرب الناعمة التي ابتدعها المفكر الأمريكي جوزف ناي، وهي أن تكسب المعركة بصفر خسائر، إنها عمليات التجسس على الحلفاء قبل الأعداء . فأين نحن العرب من كل ذلك المعلوم قبل المجهول؟ هم يتجسسون لرقي شعوبهم ونحن نتجسس لتدمير شعوبنا، فعلاً إنها مفارقة .