06‏/10‏/2013

هل النووي الإيراني بعد الكيماوي السوري؟

هل النووي الإيراني بعد الكيماوي السوري؟     
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 6/10/2013
خليل حسين


ربما لا تعد الاتصالات بين الرؤساء بعد قطعية سياسية ودبلوماسية سابقة يبنى عليها الكثير، إلا أن ما جرى في نيويورك على هامش لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة من اتصال بين الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني، له من الدلالات المؤشرة على انعطافة لافتة ليس في السياستين الأمريكية والإيرانية فحسب، وإنما لها الانعكاسات البارزة على الصعيد الاقليمي أيضاً .
فالعلاقات بين البلدين دخلت في “كوما سياسية” منذ ثلث قرن ونيف، تخللها الكثير من المفاصل الخطرة التي توصف في أحيان كثيرة بسياسات حافة الهاوية، والتي انزلقت إلى حروب الواسطة في الكثير من المواقع الشرق أوسطية، وبالتحديد لبنان وسوريا وفلسطيين . فما الذي استجد وتغيّر؟ وهل ثمة آفاق جديدة يبنى عليها؟
في المبدأ، وإن تكن لقاءات قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاءات علاقات عامة، فإن التدقيق في ثنايا الكثير منها يؤكد سعي جميع أطرافها إلى التحضير لها لغايات وأهداف مرسومة سلفاً . ويأتي الاتصال الإيراني  الأمريكي تتويجاً غير معلن لسلسلة من المواقف السياسية والدبلوماسية المتبادلة في ملفات هم من بين لاعبيها الأساسيين وبخاصة ملف الأزمة السورية .
فالاتفاق على صيغة القرار 1821 المتعلق بملف سوريا الكيماوي، فتح الباب لتفاهمات واسعة هي من الطبيعة والأبعاد الاستراتيجية نفسها التي تبحث عنها الولايات المتحدة الأمريكية من ضمن استراتيجيتها العامة في المنطقة، وبالتحديد القسم المتعلق بأمن “إسرائيل” . فصيغة القرار المذكور وضع الملفات الشائكة في منطقة الشرق الأوسط ضمن خريطة طريق تبدو موحدة في الطريق إلى ذلك .
إن التدقيق في وقائع الاهتمام الأمريكي خلال بدايات العقد الماضي إلى الآن، يظهر اهتمام واشنطن المباشر، وكذلك تل أبيب في مسائل الأسلحة غير التقليدية ومحاولتهما الدؤوبة لحسم هذا الملف سلماً أو حرباً . وقد تمّت تجربة الكباش العسكري في هذه الملفات في مناسبتين بارزتين، الأولى في عدوان “إسرائيل” على لبنان ،2006 ومن بعدها العدوان على غزة ،2009 وفي كلتا الحالتين لم تتمكن أمريكا ولا “إسرائيل” من تسجيل مكسب عسكري قابل للاستثمار السياسي في ملف الاسلحة غير التقليدية .
إن مقاربة الكثير من الوقائع والمسارات السياسية والدبلوماسية للأزمة السورية الجارية حالياً، تؤشر إلى أن ثمة حراكاً دولياً تقوده كل من موسكو وواشنطن، لإيجاد سلة متكاملة من بينها البرنامج النووي الإيراني، بعدما جرى تفكيك ألغام الملف الكيماوي السوري، ففي الكواليس الدبلوماسية الدولية ثمة مشاريع ومقترحات قدمت لطهران أبرزها أولاً حق المشاركة الفاعلة في مؤتمر “جنيف 2” بخصوص الأزمة السورية مع تأكيدات ما يلبي استثماراتها السياسية في الأزمة السورية، وأول المواقف السياسية المدفوعة سلفاً القرار 1821 بصيغته الدبلوماسية الفائقة التي أتاحت لكل طرف الادعاء بأنه الرابح الأكبر فيه . وثانياً رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران بعدما أثقلها هذا الملف، في مقابل التخلي عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% والاكتفاء بالتخصيب بنسبة 5% تحت إشراف شفاف من وكالة الطاقة الذرية، وهو الحد الآمن للاستعمال ضمن أطر الأغراض المدنية لا العسكرية، وثالثاً الاعتراف لطهران بدور سياسي إقليمي ما، بعد تحجيم أذرعها السياسية والأمنية في بعض المناطق الشرق الأوسطية .
لقد أنهكت الأزمة السورية جميع أطرافها المباشرين وغير المباشرين، كما أنهكت العقوبات الاقتصادية على إيران أغلبية الوسائل الاستثمارية الاقليمية التي يمكن استغلالها، وبات الجميع بحاجة ماسة إلى مخرج يعيد التقاط الأنفاس السياسية في المنطقة، بعدما استنزفت قوى مادية ومعنوية كثيرة لأطرافها .اليوم تبدو الوقائع والمتغيرات أكثر وضوحاً، للدخول في تسويات تبدو مقبولة بنظر أطرافها الأساسيين، لكن العبرة في إمكانية الوصول إلى نهايات محددة ترضي طموحات الآخرين وتلبيها ومن بينها “إسرائيل”، وهي بيت القصيد في كل تلك الأزمة التي عمرها من عمر كيانات سياسية كثيرة ولدت في المنطقة!