18‏/12‏/2013

جنيف 2 بين الدعوات والانعقاد

جنيف 2 بين الدعوات والانعقاد
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت : 9/ 12/2013
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 16/12/2013

       في وقت تتهيأ الامم المتحدة للإعلان عن قائمة المدعوين للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 السوري ، ثمة حفلات من الصراع الممتد على كامل الاقليم وصولا إلى الداخل السوري . والقضية الابرز في هذا السياق لم تعد فقط من سيدعى اليه ومن سيستبعد عنه ، بقدر ما تشكل هذه الدعوات رسما تقريبيا لمضمون مباحثاته والنتائج التي يمكن ان يتوصل إليها.
       وليس بخفي على احد ، ان مجرد الاتفاق على دعوة جهة معينة ، هي في الواقع موافقة مبدئية على تصوراته ، بل على قدراته في فرض شروطه ، وهذا ما بدا واضحا في شكل وصورة بورصة المدعوين التي تغيّرت وتبدّلت غير مرة لجهة الحجم والنوع الداخلي والإقليمي للممثلين . والمفارقة الطبيعية في هذا المجال ، ان الجدل الحاصل حول الاعتراض أو الموافقة هو انعكاس واضح ودقيق ، لمجريات الوضع الامني والعسكري الداخلي في سوريا ، اضافة إلى متفرعاته وتداعياته في الجوار السوري وبخاصة اللبناني منه .
     وبصرف النظر عن الحجم والنوع وهو مهم في المبدأ ، ثمة عقبات متصلة  بمآلات المؤتمر ونتائجه المرتقبة قياسا على المؤتمر الأول. وعلى الرغم من الفوارق والمتغيرات الكبيرة الحاصلة بين المؤتمر الاول والمزمع عقده ، لا زالت النقاط العالقة اساسا هي هي ، وبالتالي ان ثمة جهد كبير جدا ينبغي تقديمه ، للتوصل إلى بيئة قابلة لتأمين اختراقات هامة بهدف انطلاق المؤتمر وتكوين الحد الأدنى لمستلزمات نجاحه المبدئية .
      وإذا كانت المعارضة السورية بمختلف اجنحتها وفروعها المتباينة والمتقاتلة في بعضها ، تصر على شرط مسبق وهو الذهاب إلى المؤتمر عبر التسليم بحكومة انتقالية لها صلاحيات كاملة ، يقف النظام خلف موقف مبدئي وهو التفاوض على مبدأ استمرار السلطة باعتباره ليس جزءا منها بل هو راعيها. وفي ظل هذين الموقفين المتناقضين تتواصل العمليات العسكرية التي تبدو جزءا اساسيا من اوراق التفاوض المزمعة في المؤتمر. فإذا كانت معركة القصير مثلا ، قد حجّمت مفاعيل وبيئة "جنيف1" ، فإن مفاعيل معركة القلمون المنتظرة ستحدد اطار "جنيف 2 " وما يمكن ان يشهد فيه من عمليات شد وجذب سياسي وعسكري محتمل.
         وفي هذا السياق أيضا ، يبدو ان اطراف الازمة السورية الدوليين والإقليميين هم سائرون إلى النهاية في جملة تصوراتهم وطموحاتهم ، وبالتالي ان احتمال التوصل إلى تسوية ما بين هذه الاطراف ان وجدت ، فستكون مكلفة للأطراف جميعا ، كما ان سبل التوصل إليها هي صعبة المنال في اوقات منظورة ، وبالتالي ستشهد مدينة جنيف مزيدا من الارقام التي ربما تطول بطول مطالب اطرافها ومستوى الضغوط الداخلية السورية وغيرها من دول الجوار.
      علاوة على ذلك ، ان حجم ارتباطات الازمة السورية والمتدخلين فيها ، باتت معقدة  ومرهونة بسياقات ملفات اخرى لا تقل تعقيدا عنها ، منها اتفاق الاطار الايراني مع الدول الست، الذي سيشهد فترة اختبار مبدئي لا يقل عن ستة اشهر قادمة ، ما يعني ان "جنيف 2 "  ستمتد جولاته إلى السياق الزمني نفسه. اضافة إلى الارتباطات المتفرعة الأخرى ومن بينها مثلا الملف اللبناني بتفاصيله كافة والتي بات فعليا وعمليا من ادوات الحل والربط في سياق الضغوط المتبادلة بين الازمتين.
       في مختلف حقبات التاريخ السياسي للمنطقة ، ظلت المسألة الشرقية حاضرة ناضرة في لعبة الامم ، وقد افرزت فيما مضى اتفاقات لعبت دورا محوريا هائلا في الجغرافيا السياسية لكيانات كثيرة انشأت فيه ، فهل ما يحدث حاليا هو بداية لإرهاصات مماثلة ؟  ان التدقيق في مستوى التفاعلات الاقليمية والدولية والمحلية لمجمل هذه الازمات تشير إلى ان تفاهمات كثيرة بدأت تتشكل ، وليس بالضرورة ان يكون اطرافها المحليين جزءا منها بقدر ما سيكونون ادوات فيها بصرف  النظر عن الحجم والنوع اللذين يشكلونه.