25‏/12‏/2013

مفارقة الرئاسة الاولى في لبنان

مفارقة الرئاسة الاولى في لبنان
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 16/12/2013
نشرت في صحيفة الخليج االاماراتية بتاريخ 24/12/201
          تكاد تكون انتخابات الرئاسة الاولى في لبنان مفارقة بحد ذاتها، فلبنان من الدول النادرة التي يرتبط انتخاب رئيس الجمهورية فيه ، بأزمات ذات طابع اقليمي ودولي. فالتدقيق في التاريخ السياسي الانتخابي يظهر اثنتا عشرة ازمة ترافقت مع انتخاب اثنا عشر رئيسا للجمهورية. والمشترك فيها جميعا ان خيارات الرئاسة ، لم تكن يوما  لبنانية بحتة ، بقدر ما هي تسويات اقليمية ودولية بنكهة سياسية لبنانية قلَّ نظيرها في السوابق الدولية.
     في العام 1943 انتخب بشارة الخوري رئيسا كتسوية داخلية بين فئتين تعكس صورتين متناقضتين بين ان يكون لبنان عربي الهوية والانتماء او ان يكون غربي الهوى والأبعاد ، جُدد له بولاية ثانية لم يكملها بسبب تطورات عربية املتها تداعيات حرب 1948. انتخب كميل شمعون في ظروف المد القومي العربي ولقب بفتى العروبة الأغر ، لكنه انهى ولايته بزج لبنان في محاور غربية عام 1958 الذي استهدف كل من سوريا ومصر؛ فانتخب فؤاد شهاب بتسوية اميركية - مصرية في زمن الوحدة السورية المصرية فاستقر لبنان في عهده نتيجة التفاهمات الاقليمية والدولية ، لكن عهده انتهى ببداية دخول الازمة الفلسطينية والعمل المقاوم ضد اسرائيل من لبنان ، فانتخب شارل حلو على امل ان يكون امتدادا للعهد السابق ، انقسم المجتمع اللبناني على قاعدة تأييد المقاومة الفلسطينية من عدمها ،فكان اتفاق القاهرة الذي حاول تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان ، تأججت الأزمات الداخلية وانفجرت في منتصف ولاية الرئيس سليمان فرنجية ، فانتخب الياس سركيس خلفا له قبل انتهاء ولاية فرنجية بستة أشهر بتسوية سورية اميركية ، في وقت دخل العرب وسوريا مباشرة على خط الأزمة اللبنانية
      الدخول الاسرائيلي الأول على خط انتخابات الرئاسة اللبنانية كان مع انتخاب بشير الجميل رئيسا بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، اغتيل قبل تسلمه مقاليد الرئاسة ، فانتخب اخاه امين الجميل الذي شهد عهده اعلى نسبة من الشد والجذب الدوليين ، والذي انهى عهده بفراغ رئاسي ملأته حكومتان تنازعتا السلطة آنذاك ، إلى حين ظهور تسوية اتفاق الطائف ،الذي انتج انتخاب رينيه معوض الذي اغتيل بعد ايام ، فانتخب الياس الهراوي الذي مدد له لنصف ولاية ، انتهت بانتخاب اميل لحود الذي بقي في الحكم لولاية كاملة مددت نصفها ،وشهد عهده انقساما لبنانيا حادا اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان.
      فراغ رئاسي آخر شهده لبنان قبيل انتخاب ميشال سليمان بعد تسوية الدوحة ، شهد عهده مزيدا من الانقسام الحاد بين اللبنانيين ، ما ينذر بفراغ رئاسي آخر نهاية عهده في ايار 2014.  
      ان التدقيق في وقائع الانتخابات وما يحيط بها من ظروف داخلية ، تعكس بشكل أو بآخر تأثر الاطراف اللبنانية بالظروف الاقليمية التي تحاول اسقاطها على واقع الانتخابات الرئاسية ، فلبنان منذ نشأته في العام 1920 ظلَّ في مختلف حقباته السياسية موقعا ممتازا لاختبارات موازين القوى الاقليمية والدولية في المنطقة ، والقابل للاستثمار السياسي والأمني في مختلف الأزمات الذي زُج فيها.  
      اليوم لم يعد سوى اقل من ستة اشهر على نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان ، في ظروف هي الاشد تعقيدا في تاريخه السياسي.انفجار الأنظمة العربية ، علاوة على أثر الأزمة السورية على واقعه الداخلي ، ودخوله واقعيا وعمليا في دهاليز الازمة السورية بأبعادها الاقليمية والدولية. لكل تلك الأسباب والخلفيات المعلنة والمضمرة ، ينتظر لبنان في القليل من الأشهر القادمة ظروفا ستكون اشد قسوة ، في وقت تبدو الاطراف السياسية اللبنانية جميعها عن وعي أو عن غير وعي ، ماضية في لعبة الفراغ ، باعتبارها تعطي مزيدا من الوقت المستقطع من الازمة السورية في محاولة لاستثمارها في عملية انتخاب الرئيس القادم ولو بعد حين .
      ففي العام 2008 خففت تسوية الدوحة الشهيرة الكثير من الاحتقان السياسي والأمني الداخلي في لبنان ، فانتخب ميشال سليمان تحت توصيف الرئيس التوافقي ، انتهت مفاعيل تسوية الدوحة، واللبنانيون اليوم ينتظرون من يجد لهم تسوية اخرى تلائم الظروف المستجدة، فهل يكون مقعد لبنان في جنيف 2 السوري كافيا لانجاز استحقاقات من هذا الحجم ؟ ام ان الأمر يتطلب مؤتمرا خاصا للبنان ينتج تسوية خاصة به؟
       يبدو ان جميع الاطراف اللبنانية تنتظر الحدث السوري،لتبني على الشيء مقتضاه،وهنا تكمن خطورة المسألة باعتبار ان لبنان لا يعتبر فاعلا اساسيا في الأزمة السورية ، بقدر ما هو علبة بريد لهذا الطرف أو ذاك ، وبالتالي ان انتخابات الرئاسة القادمة لن تكون بأفضل مما سبقها ، وبالتالي ستظل مفارقة الرئاسة الأولى في لبنان ارتباطها فعليا وعمليا بظروف المنطقة وبكيفية ادارة ازماتها.