24‏/04‏/2014

اتفاقية مقر الامم المتحدة وأزمة السفير الايراني

اتفاقية مقر الامم المتحدة وأزمة السفير الايراني
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 23/4/2014

       في وقت تزايد فيه منسوب الاسترخاء في العلاقات الايرانية الامريكية في العديد من الملفات الساخنة ، برزت ازمة تعيين ممثل ايران لدى الامم المتحدة ، لتعيد اجواء التوتر الدبلوماسي - السياسي بين طهران وواشنطن، على قاعدة رفض هذه الأخيرة اعطاء تأشيرة دخول للدبلوماسي الايراني المقترح. فما هي القواعد القانونية الناظمة لتلك الحالات ؟ وما هي تداعياتها على العلاقات الدبلوماسية بشكل عام ، وعلى علاقة الدول بالأمم المتحدة كونها المعني المباشر بذلك.
      في المبدأ،ان اتفاقية المقر الموقعة بين الامم المتحدة والولايات المتحدة في العام 1947، تعتبر الاطار القانوني الناظم لعمل المنظمة الدولية على الاراضي الامريكية ، وبما ان من ضمن قواعد تسيير اعمال المنظمة تعيين مندوبين للدول لديها ، فبالتالي تصبح اتفاقية المقر رابطا بين المنظمة والولايات المتحدة من جهة وباقي دول العالم من جهة اخرى ، لما لواشنطن من دور تنفيذي في إعطاء تأشيرات دخول للمندوبين إلى اراضيها. وهنا يثور التساؤل ، هل يحق لواشنطن رفض اعطاء تأشيرة دخول لأحد المقترحين من دولة ما ؟  
      لقد نصت اتفاقية مقر الامم المتحدة على تأمين كافة الوسائل لقيام المنظمة بمهامها ومقاصدها وغاياتها ، ومن ضمنها الحصانات والامتيازات المتعارف عليها في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961، كما شملت هذه الحصانات والامتيازات ، الأشخاص اي مندوبي الدول ، وموظفيها الكبار كالأمين العام ومساعديه، وكذلك الموظفون الاداريون بحسب فئاتهم ، اضافة إلى مقارها الرسمية. كل ذلك ينفذ بواسطة الامم المتحدة ممثلة بأمينها العام كشخصية اعتبارية تدير اعمال المنظمة وسلطاتها على الاراضي الامريكية. يشار هنا إلى ان هذه الاتفاقية تشمل أيضا اعمال المنظمة ومقارها في مختلف دول العالم حيث تقوم بأعمالها.
    ومن حيث المبدأ ،تقوم الدول بتعيين مبعوثيها لدى الامم المتحدة بالتشاور بين الدول المعنية والمنظمة الدولية ، وللأمين العام وحده صلاحية النظر بهذا الامر ، وليس ثمة سابقة في تاريخ الامم المتحدة ان رُفض تعيين مندوب لدولة ما لديها ، على قاعدة ان ذلك يعتبر من المهام السيادية للدول التي ليس للأمم المتحدة الحق التدخل فيها ، إلا اذا كان ذلك يهدد الامن والسلم الدوليين ، فحينها تتصرف وفقا للفصل السابع ، الذي يستلزم اجراءات تنفيذية في مجلس الامن بعد موافقة تسعة اعضاء من بينهم الدول الخمس الكبرى. فالمسألة هنا مرتبطة بين الامم المتحدة والدولة المعنية ، وليس للولايات المتحدة دور فيه وفقا لاتفاقية المقر 1947 ، فعليها إصدار تأشيرات دخول للمندوبين وممثلي الدول وفقا للأعراف الدبلوماسية واتفاقية فيينا 1961.
       إلا ان الولايات المتحدة استندت في قرارها عدم منح تأشيرة الدخول للمندوب الايراني ، على قاعدة مشاركته الفعالة في احتجاز الرهائن الامريكيين في السفارة الامريكية في طهران والتي استمرت 444 يوما والتي انتهت في نيسان 1980 ، اضافة إلى استنادها إلى مشروع قانون اقرّه الكونغرس ويستلزم موافقة مجلس الشيوخ القاضي بمنع اعطاء تأشيرات دخول لأشخاص يشكلون خطرا على الامن القومي الامريكي ، أو يكونوا قد شاركوا في عمليات ضد الولايات المتحدة.
      من الواضح ، ان الولايات المتحدة ، كأي دولة في العالم يحق لها سنَّ قوانينها ، لكن ثمة مبدأ قانوني في القانون الدولي العام ، مفاده سمو التشريعات الدولية على القوانين المحلية الوطنية ، ومن بينها المعاهدات الدولية الشارعة التي تعتبر اتفاقية المقر 1947 واتفاقية جنيف الدبلوماسية 1961 من بينها، وبالتالي على الولايات المتحدة مراعاة نصوص هاتين الاتفاقيتين عند سن قوانينها الداخلية ذات الصلة بالقضايا الخارجية ، وثمة سوابق كثيرة قد أخذت فيها المحاكم الامريكية المحلية والفدرالية بمواضيع ذات صلة بالعمل الدبلوماسي على اراضيها ، واعتبرت هذه المحاكم ان واشنطن ملزمة بتطبيق نصوص الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية المقر وفيينا.
      وإذا كانت واشنطن تعتبر مندوب ايران لدى الامم المتحدة ، شخصا غير مرغوب فيه ، لاعتبارات امريكية خاصة ، فعليها مناقشة الموضوع مع الامين العام قبل الاقدام على خطوة من ذلك القبيل ، علما ان ليس للأمين العام الحق في الرفض المطلق لأي مشروع تعيين لأحد مندوبي الدول ، وعادة ما تتم تلك الأمور بسرية مطلقة قبل الاعلان عن اسم المرشح ، لعدم احراج الدولة المعنية أو الشخص المطلوب ايفاده وكذلك الأمم المتحدة. وعادة ما يتم حل مثل هذه القضايا في الكواليس الدبلوماسية.
       ثمة سوابق امريكية - ايرانية كثيرة في اثارة القضايا الحساسة ، وكانت غالبا ما يتم حلها بالتبادل والتماثل بين بعض الملفات ، اي بمعنى استثمار ملف معين لتمرير ملف آخر، وهذا ما يبدو ان الامور ذاهبة اليه ، فالقانون الذي استندت اليه واشنطن لم يقر في مجلس الشيوخ ، كما ان الواقع العملي والفعلي بين البلدين يسير باتجاهات ايجابية في الملفات الرئيسة ومن بينها اتفاق الاطار في البرنامج النووي ضمن مجموعة الست مع ايران ، وبالتالي ان هذه القضية تعتبر من الملفات الثانوية القابلة للاستغلال والاستثمار في غير اتجاه.