14‏/12‏/2014

بوتين وقمة العشرين

د . خليل حسين / بوتين وقمة العشرين / 28-11-2014 في القمة ما قبل السابقة التي عقدت في موسكو، كانت الأزمتان الأوكرانية والسورية في أوج صعودهما، وكانت المواقف الدولية بحاجة لمخرج ما يعيد توازن القوى في التقديمات والتنازلات المتبادلة، إلى حد ترضى به الأطراف الرئيسة الفاعلة في الأزمتين، دون ضرورة موافقة أصحاب الأزمتين نفسيهما . قطف بوتين اللحظة المناسبة فقدم إيقونة السلاح غير التقليدي السوري المتمثل بالسلاح الكيميائي والبيولوجي هدية مجانية لطرف ثالث هو "إسرائيل"، فكان التلقف الغربي وسكوته المؤقت في الأزمة الأوكرانية، ضُم القرم بصرف النظر عن غطائه القانوني، وظلت الأزمة قائمة بين الغرب وموسكو، دون تحديد أطر وآليات محددة لحلها، زادت الأمور تعقيداً في مجمل الملفات الإقليمية بدءاً من المجال الحيوي الروسي، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى شرق آسيا وغيرها، والملفت في السلوك الروسي هنا البحث الدائم عن ملفات للمقايضة وشراء الوقت ولو كان مكلفاً . في قمة العشرين الأخيرة في أستراليا، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حنقه وسخطه من الضغوط الغربية وبخاصة الأمريكية عليه، بالانسحاب الدبلوماسي قبل الاتفاق على البيان الختامي، متذرعاً بحاجته للنوم، وهو أسلوب تهكمي يعكس واقع روسيا بوتين وعدم قدرتها على فرض ما تريد في بعض الملفات ومن بينها الأوكرانية تحديداً . باعتبار أن باقي الملفات هي قابلة للأخذ والرد في حدود معينة وفي بعض جزئياتها . في ملف الأزمة الأوكرانية، قدّم بوتين طرحاً مبتكراً من الطريقة السويسرية والنمساوية في مرحلة الحرب الباردة في القرن الماضي، على قاعدة فيدرالية أوكرانية لحل عقدة الأقليات في الداخل ومنها الروسية، مقرونة بحياد في الخارج بين الأحلاف بهدف إبعادها عن المنافسات والمناكفات الإقليمية والدولية الحاصلة . وإذا كانت ظروف الأوضاع الأوروبية السابقة سمحت بتمايز النمسا وسويسرا بحيادهما، فهل ثمة ظروف متشابهة تسمح بمثل هذا التمايز لأوكرانيا حالياً؟ وما هو الموقف الآخر من ذلك؟ ثمة قول يُتندر به مفاده: "يحج والناس راجعة" وهذا ما ينطبق على الرئيس بوتين، فالنمسا وسويسرا تخلتا عن حيادهما، بعدما أصبح الحياد مستحيلاً في هذا الزمن، الذي تحكمه شبكات معقدة جداً من المصالح، بصرف النظر عن الخلفيات الإيديولوجية أو العرقية أو القومية أو غيرها . وبالتالي إن طرح الحياد الأوكراني غير قابل للتطبيق لا من الوجهة الذاتية المتعلقة بظروف أوكرانيا وقدرتها على فرضه إذا تم التوافق عليه، ولا من الوجهة الموضوعية غير المتوفرة أصلاً والمتمثلة برفض الأطراف الإقليميين والدوليين، وهما شرطان أساسيان ولازمان لنجاح المشروع . في الواقع قدّم بوتين مشروعه بشكل لا يمكن القبول به، حتى وإن اقتنع الآخرون به، فهو حيّد منطقة القرم عن المشروع، معتبراً أنها ضُمت نهائياً إلى روسيا، وهي المنطقة المختلف عليها في الأصل بصرف النظر عن حجم ووزن وتعداد الروس في باقي الأقاليم الأوكرانية , وهو الأمر الذي لم يهتم به الغرب لا من قريب ولا من بعيد، بل كان مجالاً لإطلاق المواقف التي تزيد منسوب التوتر بين موسكو والغرب، أقلها تشبيه روسيا بوتين، بالخطر على العالم مثل فيروس إيبولا أو داعش ! وهي توصيفات تعكس مدى حجم الأزمة بين الطرفين . في أي حال، إن الأزمة لا تبدو في طريقها للضمور أو التراجع النسبي، وبالتالي إن الطرفين سيبحثان عن وسائل أخرى إما للاحتواء أو التصعيد وهو الأرجح، لكن على قاعدة التفتيش مرة أخرى على سلة من التنازلات المتبادلة، فيها نوع من المكاسب والخسائر، القابلة للتعويض في بعض جزئيات من ملفات أخرى لا تزال عالقة، ومن بينها الملفات العربية وبالتحديد السورية . فهل ستشهد الفترة القادمة خلط بعض جزئيات الملفات الإقليمية لبلورة خارطة طريق روسية للتعامل مع الغرب؟ إن مشكلة موسكو تكمن في امتلاكها من القوى التي يمكن أن تمكنها في يوم من الأيام العودة إلى الساحة الدولية كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، لكنها في نفس الوقت أيضاً وأن امتلكت الوسائل المشروعة، فهي بحاجة إلى مزيد من الوقت لتقبل العالم لطموحاتها وتطلعاتها، ذلك رغم وجود الكثير من الممتعضين والمناوئين للسياسات الأمريكية، والتي لم تعرف موسكو كيف تستغل هذه الميزة المجانية . في أي حال ظلت قمة العشرين وأن توصلت إلى تقديم العديد من الرؤى لبعض المسائل الدولية، محطة جمعت قادة كبار الدول، والطريف فيها هذه المرة، حجج النعاس الذي غلب على صاحب الوجه الرخامي . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/2cccc60e-232a-4738-98b6-bfd6456f4063#sthash.Ey16QCBP.dpuf