14‏/12‏/2014

سيكيولوجيا الارهاب الداعشي

د.خليل حسين / سيكيولوجيا الارهاب الداعشي/ صحيفة الخليج الاماراتية 27-10-2014 بات من المؤكد في سياقات علم الإجرام، أن الإرهاب بمختلف مظاهره ووسائله وأنواعه وأدواته، ظهر منذ بدء تأسيس المجتمعات البشرية، بعضها ساد وحقق نتائج محددة، وبعضها الآخر انتهى وتلاشى دون ترك أثر فاعل يذكر . واليوم يعيش العالم بأسره وبخاصة المناطق العربية والإسلامية، مظاهر إجرام "داعشي" هو الأشد عنفاً وسوءاً وتداعيات، ولم يسبقه في ذلك في تكريس صوره النمطية إلا الإرهاب الصهيوني، فيما نحن العرب والمسلمين ما زلنا مختلفين حول جنسه وكيفية محاربته، بعدما بات يهدد العقل العربي والإسلامي في سلوكه وخياراته وطريقة تعاطيه مع الوقائع المستجدة بشكل متسارع . والذي يتميز به الإرهاب الداعشي ليس وحشيته ووسائل زرع رعبه، وإنما تميزه وبشكل لافت عن غيره، باللعب وعبر وسائل نفسية يظهرها بأطر دعائية فيها الكثير من الحنكة والدهاء، ولا نقصد "داعش" هنا بالتحديد، بقدر ما نسلط الضوء على هذه الظاهرة الاستثمارية التي يمكن الاستفادة وبنسب عالية جداً منها . لقد أجادت "داعش" لعبة الميديا لاختراق العقل والذاكرة العربية والإسلامية، فقد لجأت مثلاً إلى تصوير عمليات الذبح، والرجم، وبطرق تصويرية وأنماط متقدمة جداً، بالنظر لاعتقادها المسبق أن من تمارس عليهم إرهابها هم كفرة في الأساس، ويجوز قتلهم واسترقاقهم وسبي نسائهم . لماذا تقدم "داعش" الصورة والصوت، لترويج أفعالها الإرهابية؟ بكل بساطة لدب الذعر والخوف على من يمارس الفعل عليهم، وبصرف النظر عن البيئة التي ينتمون إليها، اقتصادياً واجتماعياً وعقائدياً . لكن ثمة جانب آخر لهذه القضية، وهو تخدير العقل العربي بسلوك يعتاد عليه مع الوقت ولا يصبح أمراً اجتماعياً محرجاً . وإذا كان الإطار العام يبدو بتعميم الرعب والخوف، فإن الجانب الأكثر فاعلية يمارسه عبر انتقاء ضحاياه بدقة، وإن يكن الظاهر جماعات أكثر منها أفراداً . فالمهم هنا استغلال خصائص الضحية بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستغلال المزدوج في بعض الحالات، ذلك كما حدث مثلاً مع الأقلية المسيحية والازيدية في العراق، وهي حالات يراد منها التعميم على جميع الأقليات المذهبية والدينية في المجتمع العربي . والأمر ينطبق أيضاً على الأقليات القومية كما حدث مع الأكراد وما يجري حالياً في كوباني . والأخطر من ذلك كله، يبحث عن الصور الإجرامية الأكثر استفزازاً، ويطبقها في مكان وزمان محددين، وليس بالضرورة الإعلان عنها أو عرضها في وقتها، وإنما يمكن تركها لظروف تكون الاستفادة منها أكثر رعباً وخوفاً، كما تم عرض رجم امرأة، كان نفذ الحكم فيها قبل أشهر عدة . والأخطر من ذلك، أنه يتلبس لبوس الدين في الشرع والشريعة على ضحاياه . إن مقاربة بسيطة لتلك الصور النمطية، تثبت أنه لعب ويلعب على عامل الوقت لترسيخ سلوك نفسي اجتماعي في العقل الباطني العربي، مفاده أن لا رد لهذا القدر، فإما الاستسلام والانهزام، وإما مواجهة القتل بأبشع صوره ووسائله . وهو وضع يكون فيه الفرد وكذلك المجتمع، في حالة يأس واكتئاب وجودي، ما يسهّل ممارسة ضغوط نفسية اجتماعية أخرى عليه تزيده ضياعاً واستسلاماً . وإذا كان بيت القصيد في الإرهاب "الداعشي"، الإخضاع والخنوع، فإن مكمن التصدي له هو التصميم على مواجهته، وعدم القبول بأمر واقع يحاول فرضه . وسر القضاء على هذا النوع من الإرهاب هو الاقتناع بسهولة كسره، باعتباره نمراً من كرتون أولاً، وثانياً التأكد من أنه لا يعدو كونه حالة استثمارية يُعمل به لأهداف محددة، وسرعان ما يتم التخلي عنه بعد قضاء مستلزمات الظروف والبيئة التي يتم وضعه بها . إن سيكيولوجيا الإرهاب "الداعشي"، أمر ليس بالسهل القضاء على نتائجه وتداعياته أينما حل وأجرم، إنما الأكيد أن الإجماع البشري على خطورته وضرورة القضاء عليه، يعطي دفعاً إضافياً لكل متضرر ومتوجس العمل لمواجهته ولو باللحم الحي . ثمة تطابق كامل بين الإرهاب الداعشي والصهيوني، وقد لعبت هذه الثانية على العامل النفسي للقضاء على العرب الفلسطينيين خلال أكثر من ستة عقود ولم تتمكن، بفضل المواجهات الجادة لها، واليوم ربما التجربة ستتكرر مع الصهيونية الجديدة، المتلبسة لبوس "داعش" وأخواتها في المنطقتين العربية والإسلامية . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/a5fa7f83-772a-44e0-b20c-eba7548b3d8f#sthash.1zBwypXD.dpuf