16‏/01‏/2015

خريف اميركا العنصري

د.خليل حسين خريف اميركا العنصري صحيفة الخليج الاماراتية 24-12-2014 عندما وصل باراك أوباما إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، اعتقد الكثيرون في أمريكا وخارجها خطأ، أن المجتمع الأمريكي وبخاصة الشرائح الفاعلة فيه، قد تخطت خطايا التمييز العنصري، الذي لوّث الصورة النمطية التي حاولت الإدارات الأمريكية محوها من الذاكرة الجمعية الأمريكية . إلا أن تلاحق الأحداث ووقائعها أعاد من جديد الجدل الصارخ حول إمكانية ردم الهوة بين البيض وذوي السحنة السمراء في المجتمع الأمريكي . في الواقع، إن مقاربة بعض الأرقام والتدقيق في خلفياتها وتداعياتها الاجتماعية والسلوكية، تظهر صورا قاتمة لمستقبل غير وردي . فتعداد السود يبلغ حوالي ستة وعشرين مليوناً أي 4 .11 في المئة من مجموع سكان الولايات المتحدة . وهي بذلك تعتبر من الأقليات الكبيرة، التي جلبت بغالبيتها من القارة الإفريقية والتي استعملت كوقود إنتاجي في ظروف قاسية، عمّقت الشرخ الطبقي الاجتماعي والاقتصادي، وأعطت التمييز العنصري لونا أشد سواداً على مرِّ العقود، وبات صورا من تراث يتم التعامل فيه دون خجل أو وجل في مجتمع يدّعي شرب الديمقراطية مع حليب الأطفال . وعلى الرغم من الإنجازات السياسية المتفرقة، مازال السود يعانون تمييزاً قاسياً، ويظهر ذلك من خلال الوظائف المتاحة لهم والتي لا تصل في أحسن الأحوال إلى الواحد في المئة من الوظائف الإنتاجية المهمة، في حين يبلغ دخل الفرد الأبيض ضعف نظيره الأسود، ما عزز التفاوت الطبقي بشكل مخيف، لاسيما أن نسبة البطالة لدى السود هي أيضاً ضعفها لدى البيض، وتنعكس تلك النسبة على الحالة التعليمية في مختلف مستوياتها، حيث يسجل ترك السود التعليم في مختلف المراحل لأسباب متعددة كصعوبة الاندماج، أو عدم القدرة على تأمين البدلات التعليمية ومتطلباتها، ما أسس لشروخ نفسية وسلوكية يصعب ردمها في ظروف تقليدية . وظاهرة التمييز ليست بجديدة، بل تعود جذورها وتداعياتها إلى قرون مضت، وعلى الرغم من بروز محاربتها في غير مفصل تاريخي، كنضالات مارتن لوثر كنغ، وتمددها من الجنوب باتجاه الشمال، إلا أن استمرار الفروق الشاسعة، أعاد ظهور التمييز بأشكال وصور اشد إيقاعاً على تلك الشريحة، خاصة أن أحداثا متفرقة تظهر حالات قتل لأفراد سود لأسباب لا يعتد بها، ويمكن تفاديها، في الوقت الذي يتم غض الطرف عن الوسائل السيئة لمعالجتها، الأمر الذي زاد من نقمة السود وتبرمهم في الفترة الأخيرة، وتم التعبير عنها بوسائل وأساليب عنفية، ورغم محاولات الاحتواء، تمددت حالات الاحتجاج لتصل إلى مستويات غير مسبوقة . ثمة مشكلة حقيقة يصعب التغاضي عنها في مجتمع تعددي، تحكمه آليات اجتماعية واقتصادية لا تتسم بعلاقات إنسانية مرنة، ما يعزز الشعور بالدونية لشريحة عانت كثيراً ولم تجد مخرجاً لها، بل تجمعت صور مضادة لها، تمثلت بشعور التفوّق العرقي لدى البيض والذي يولد غالباً احتقاناً يصعب السيطرة عليه . فعلى الرغم من وجود الآليات السياسية والقانونية التي حاولت الحد من المظاهر السلبية للتمييز، ظلت الفوارق متأصلة في السلوك المجتمعي لمختلف الشرائح وبخاصة لدى السود، الأمر الذي كوّن البيئات المناسبة لإعادة إنتاج العنف الاجتماعي بين فترة وأخرى، وآخرها ما حدث في غير ولاية أمريكية . إن إعادة التكوين في المجتمعات المتعددة، تتطلب مسيرة طويلة من التضحيات المتبادلة وبخاصة من الشرائح المتحكمة اقتصادياً وسياسياً، الأمر الذي لم يظهر في المجتمع الأمريكي حتى الآن، ما يثير تساؤلات مرعبة حول ديمقراطية النظام وقدرة الليبرالية الجديدة التي طرحت من غير مدرسة فكرية أمريكية بعد استلام زمام الأمور، في ظل الأحادية في النظام العالمي بعد انهيار المنظومة الاشتراكية . وبالتالي مشروعية الأسئلة التي توجه للنظم الليبرالية، وبخاصة قدرتها على ترجمة العديد من شعاراتها وبرامجها المتعلقة بالمساواة والعدالة الاجتماعية وتأمين فرص الحياة الكريمة . لقد ساد المجتمع الأمريكي قبل ست سنوات نشوة الديمقراطية وعبق النصر، بوصول رئيس أسود ومن أصول إفريقية وديانة إسلامية، واعتقد الكثيرون أن الولايات المتحدة انتقلت إلى القرن الحادي والعشرين بجلباب التسامح مع الماضي الأسود للتمييز العنصري، إلا أن الوقائع أثبتت عكس ذلك تماماً، فهل سيكون باراك أوباما هو الرئيس الأسود الأول والأخير في الحياة السياسية الأمريكية؟ إن مجمل الظروف الخارجية والداخلية التي تعيشها الولايات المتحدة تشير إلى صعوبة ردم الفجوة في مجتمعها التعددي، ما يفاقم المشكلة ويعقدها ويزيد من صورها النمطية في الحياة السياسية والاجتماعية اليومية . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/0567e96b-4851-411f-85b8-4110564678e0#sthash.Xz2fKryW.dpuf