31‏/01‏/2015

إسرائيل والعبث بقواعد الاشتباك

إسرائيل والعبث بقواعد الاشتباك د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية عمدت إسرائيل في الفترة السابقة إلى تسريب معلومات حول قدرات حزب الله الصاروخية ومدى جدية التهديد الذي تمثله بعض الصورايخ النوعية منها. وأرفقت هذه التسريبات قبل أسبوع بالتحديد تصريحات استندت إلى بيئة ضيقة من مجموعة صناعة القرار الإسرائيلي ، مفادها أن العام 2015 ينبغي أن يكون عام حل هذه المعضلة. وسرعان ما أجج الرهاب الإسرائيلي المواقف التي أطلقها مؤخرا الأمين العام لحزب الله، الذي وضع إستراتيجية واضحة ترتكز على النقلة النوعية لعمل المقاومة ضد إسرائيل وانتقالها من الدفاع إلى الهجوم، واضعا بيئة المعركة المقبلة مع إسرائيل في إطار الدخول إلى الجليل ومؤكدا في الوقت عينه، أن الرهاب من صواريخ أم 110 بات عملا من الماضي ،وثمة أسلحة أخرى كاسرة للتوازن هي في حوزة المقاومة. على أهمية هذه الوقائع وتأثيراتها في إدارة الصراع، ثمة قضيتان أساسيتان تترافقان أيضا مع العملية ،ولهما أيضا الخلفيات غير المعلنة للعملية. الأولى هي الهمُّ والقلق والريبة الإسرائيلية من إمكانية التوصل لحل ما للملف النووي الإيراني ، بعيدا عن المؤثرات والتمنيات الإسرائيلية. والثاني الانتخابات التشريعية الإسرائيلية التي ستجرى في آذار المقبل ، والذي يبدو بنيامين نتنياهو الأضعف فيها. فقبل تنفيذ العملية بيوم واحد ، تم لقاء شبه حاسم بين وزراء خارجة كل من إيران والولايات المتحدة وفرنسا ومن ثم مع مجموعة الست، وبصرف النظر عن المعلومات المسربة حول حجم ونوعية التوصل إلى إطار الاتفاق في حزيران المقبل، ثمة أجواء ايجابية في هذا المسار، ما يدلل على ازدياد منسوب الرعب الإسرائيلي وتوجهها كما هي العادة، للجوء إلى إدارة الأزمة بالأزمات ،عبر افتعال أزمات فرعية بهدف استثمارها لقلب قواعد الاشتباك في العديد من الملفات، فكانت عملية القنيطرة مدخلا مناسبا لذلك ، وبصرف النظر عن قدرتها في التحكم بنتائجها النهائية، فهي مستعدة لإشعال أزمات كبرى، وصولا إلى حرب إقليمية ضد إيران لضرب البرنامج النووي الذي تعتبره تحديا وجوديا بالنسبة لها. في المقلب الإسرائيلي الداخلي، ثمة تراجع واضح في شعبية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي سيخوض غمار الانتخابات التشريعية وسط تضاؤل حظوظه لترؤس الحكومة المقبلة، ما دفعه إلى البحث عن نصر ما يعزز من فرصه الانتخابية عبر الذهاب إلى عمليات نوعية تشد الجذب تجاهه، كما تحضر بيئات إقليمية ودولية لتموضع إسرائيلي جديد ضمن أزمات المنطقة ومشاريع حلولها. وإذا كانت هذه العوامل الإسرائيلية والإقليمية قد لعبت دورا كبيرا في تحديد زمان ومكان العملية ونوعية الهدف ، فان ما يقابلها من تداعيات لن تكون إسرائيل بمنأى عنها، كما لن تستطيع أيضا التحكم بنوعية رد الفعل الذي سيسلكه حزب الله في رده ، وهو الذي تعود العمل ببرودة موصوفة لاختيار الهدف النوعي والزمان والمكان للرد.، مع إضافات أخرى هذه المرة لمصلحته، وهي أن إسرائيل قد قدمت هدية مجانية له عبر فتح جبهة الجولان وهي الخاصرة الرخوة بعد تغلغل جبهة النصرة إليها والإرباكات التي حصلت سابقا لقوات الاندوف في خط فض الاشتباك القائم منذ حرب 1973. لقد حاولت إسرائيل منذ سنوات العبث بقواعد الاشتباك الذي أرساها القرار 1701، نجحت ببعضها وتمكن حزب الله من إعادة إرسائها بأطر وأشكال متقدمة لمصلحته، اليوم تحاول إسرائيل إيصال رسائل متعددة الأوجه والغايات ، جلها متعلقة بما يحدث في سوريا تحديدا ودور حزب الله فيها وما يقال عن إنشاء بيئة سورية مقاومة في جبهة الجولان، والتي تقاطعت معلومات كثيرة عن أن المجموعة المستهدفة في العملية شكلت عصب هذه الجماعات لجهة التدريب والتجهيز وغيره. اليوم تمكنت إسرائيل مجددا من توجيه ضربة معلم، بأهداف انتخابية داخلية، كما لغايات خارجية إقليمية، ذلك بصرف النظر عن حسابات الربح والخسارة فيها، ورغم ذلك يعتبر حزب الله أن ما بعد العملية ليس كما قبلها، وبالتالي هو مستعد وقادر كما تؤكد بياناته، على فرض قواعد اشتباك جديدة. علما أن رده هذه المرة سيكون محكوما بالعديد من العوامل ، أبرزها منسوب علو أسهم التوصل لحل للبرنامج النووي الإيراني، علاوة على مقتضيات الوضع اللبناني وخصوصياته في هذا المجال. وعليه، إن رد حزب الله في المرحلة الراهنة سيكون اكبر من رد معتاد ضمن قواعد الاشتباك السابقة، وأقل من سقف يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية ضيقة أو واسعة ،بمعنى أن الحروب الأمنية والاستخبارية هي سيدة الموقف الآن ، كما حدث في القنيطرة، بانتظار صيف ربما ستكون أجوائه ساخنة.