15‏/05‏/2008

ماذا بعد حوار الدوحة؟

ماذا بعد حوار الدوحة؟
د.خليل حسين
رئيس المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية والدولية

في العام 1998 وعند انتخاب الرئيس إميل لحود رئيسا للبنان،كانت أزمات لبنان والمنطقة تتراكم وتنذر بشر مستطير رغم أن الكلام عن تفجير الواقع اللبناني في تلك الفترة كان نوعا من التبصير ،لكن التدقيق في بعض السوابق اللبنانية كانت تثبت ما كنا نتوقعه أو نتحدث عنه والذي كان يقابل باستهجان.واليوم انكشفت الأمور فما هي خلفيات ألازمة الحالية؟وكيف تدار الآن؟وهل من طريق لحلها عبر اجتماعات الدوحة؟.
أولا في الوقائع ثمة ثغرات بل فجوات كبيرة في السياسات التي اتبعت بعد اتفاق الطائف على الصعيدين الداخلي والخارجي،أزمات دستورية متلاحقة يتداخل فيها الدستوري بالطائفي وحتى المذهبي،حلول على قاعدة تقطيع الوقت بأقل الخسائر الممكنة.في المقلب الآخر سياسات خارجية وتحالفات وعلاقات تعكس تباينات الشرائح اللبنانية في نظرتها والتي تتقاطع مع سياسات المحاور العربية والإقليمية التي لا تتقاطع إلا على مصالحها الخاصة وعلى حساب لبنان تحديدا.عدم اتفاق واضح وجلي على وضع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي وبالتالي دوام بقاء سلاح المقاومة سؤالا مطروحا من قبل الأكثرية وبخاصة بعد عدوان 2006 على لبنان.
بعد اغتيال الرئيس الحريري تغيرات دراماتيكية حدثت وكأنها كانت تنذر بمنعطفات كبيرة في تاريخ لبنان السياسي القادم،وكان ابرز ما في هذه الانعطافات مصير المقاومة وسلاحها بالترافق مع ضغوط المحكمة الدولية الخاصة للبنان،تراكمت المطالب والضغوط الداخلية والخارجية إلى أن وصلت الأمور إلى مكان يصعب التراجع عنه لكلا فريقي المعارضة والموالاة،فكانت مناسبات عدة للصدام المسلح بين الطرفين،إلى أن توجت بقراري الحكومة الشهيرين لتفجر الوضع ولتؤكد الشر المستطير الذي نبه منه أكثر من طرف سياسي لبناني وإقليمي.وفي هذا المجال نذكر الملاحظات التالية ذات الصلة بالصراع القائم حاليا ومن بينها:
- ثمة خلاف وصل إلى حد الصراع حول تحديد موقع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي وبالتالي تحديد موقف المقاومة من سلاحها بعد القرار 1701 وغيره من القرارات ذات الصلة بالوضع اللبناني.
- ثمة متغيرات كثيرة طرأت على أدوات الصراع ودوافعه ودعائمة ودخول أطراف عربية وغير عربية مباشرة في ألازمة القائمة،وبات الشروط والمطالب أضخم وأعظم بكثير من سابقاتها إبان الحرب الأهلية بين الأعوام 1975 و1990.
- ثمة تداخل وسباق محموم بين مشاريع كبرى في المنطقة انقسم اللاعبون الفرعيون فيها بين مراكز إقليمية ودولية فاعلة لا تتيح للأطراف اللبنانيين التحرك بسهولة في واقع أزمتهم.
- انفجار الأزمة اللبنانية في التوقيت القاتل انتخابات رئاسية أمريكية،تضعضع الحكومة الإسرائيلية وترنح رئيسها ايهود اولمرت، انقسام عربي واضح بعد قمة دمشق بين معتدلين وممانعين. غياب واضح للأطراف الأخرى كالأوروبيين.تهاوي الأمريكيين في المنطقة بدء من أفغانستان مرورا في العراق وصولا إلى لبنان.

وفي طل الوقائع السالفة الذكر أتت اللجنة العربية برئاسة قطر لتحاول الولوج في الحل فما هي حظوظها وهل بالإمكان الركون إلى جهودها فقط؟في الواقع ما أعلن من بيان بعد سلسلة لقاءاتها مع الأطراف المعنيين لا يعدو كونه بيان حسن نوايا من دون التطرق إلى الأطر الحقيقية للحل ذلك للعديد من الاعتبارات من بينها:
- صحيح إن الحوار هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحل المرتجى كما يدعي الجميع لكن هل الأطراف اللبنانية بجميع مكوناتها تمتلك القدرة على اتخاذ القرارات منفردة وتنفيذها يبدو أن ذلك متعذرا حتى إشعار آخر،فانطلاق الحوار في الدوحة إشارة مهمة لكنها ليست كافية،إذ لم تستبع بخطوات إقليمية ودولية باتجاه ترك اللبنانيون وشأنهم وهذا الأمر أيضا ليس متوفرا الآن.
- إن المواضيع المطروحة للحوار ومنها حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب وانتخاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية تبدو منطقية التسلسل من وجهة نظر المعارضة لكنها غير قابلة للتطبيق في إطار حوار محدود التوقيت والامكانات،فحكومة الوحدة الوطنية سبق وأن نوقشت مطولا حتى ضمن إطار المشروع العربي أي المثالثة ولم تر النور، وسبق أن اتفق على العديد من مشاريع قوانين الانتخاب ولم يتخذ فيها القرار اللازم رغم موافقة الأطراف اللبنانية الأساسية على معظمها،وكذلك الأمر بالنسبة للعماد ميشال سليمان المتوافق عليه والذي يؤجل انتخابه حتى الآن فكيف لو كان غير توافقي؟
- عمليا لقد تمَّ اللجوء من جميع الأطراف إلى الجيش اللبناني كملاذ أخير،لكن السؤال المركزي هل بمستطاع الجيش المضي في هذا السياق في ظل زجه في زواريب السياسة الداخلية اللبنانية وعتاهية السياسات الإقليمية والدولية في الوقت الذي يعلم الجميع وضعه الخاص وعدم قدرته تحمل المزيد من آليات الزج والحشر السياسي والعسكري والأمني وبخاصة ما ربط به من مشاريع ومخارج مؤخرا وكأنه يراد تحميله مسؤوليات الفشل الذي ينتظر حصوله في أول منعطف قادم.
- صحيح أن متغيرات قد حصلت في الواقع السياسي اللبناني مؤخرا لكنها غير قابلة للصرف السياسي في واقع الأزمة الحالية وهي من النوع كالنفخ في البوق الذي لا يصل منه سوى الصدى،ذلك مترافق مع ثبات إقليمي ودولي في المواقع لا يتيح تغيير قواعد اللعبة الخارجية ولا الداخلية،الأمر الذي لا يبشر من الناحية العملية بإختراقات ذات وزن في حوار الدوحة،وهو في أحسن حالاته سيعيد إنتاج واستنساخ قواعد اللعبة الداخلية منذ تسلم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مهام رئاسة الجمهورية.
إن واقع ألازمة اللبنانية الحالية التي وصلت إلى حد غير مسبوق حتى في حفلات الصراع السابقة لم تعد قابلة للحل في اطر حوارية تقليدية،فظروفها ووقائعها ومتطلبات ظروف حلها باتت اعقد بكثير من السابق،فباتت مرتبطة بإسس جديدة متعلقة بطبيعة النظام وسياساته الداخلية والخارجية،وصحيح أن هذا الواقع كان شرطا في السابق إلا انه بات اليوم شرطا ضروريا للحل،فهل اكتملت ظروفه؟
داخليا محتوى النظام السياسي فُصل على مقاسات أطراف بعضها لم يعد موجودا بالمعنى السياسي،وبعضه الآخر أعطي في ظله أكبر من حجمه الواقعي،فيما البعض الآخر تمدد دوره على حساب أطراف آخرين،في الوقت الذي عانت آليات النظام ومنها الدستوري خللا فاضحا وواضحا،في الوقت الذي كانت فيه الطوائف والمذاهب تبحث في هذا الخلل عن فجوات أخرى فيه لتزيد استثماراتها في خلاله وتساعد في تهاويه؛وعليه بات الكل مقتنع في السر قبل العلانية أن الطائف ضاق على مقاس البعض وترهل على البعض الآخر لكن أحدا لم يتجرأ حتى الآن البوح صراحة عما يريد،فالظروف لم تنضج لذلك وبالتالي حوار الدوحة الحقيقي مؤجلا إلى توازنات جديدة تتيح الجهر بما هو غير معلن.
خارجيا، الطرف الدولي الفاعل في سياسات المنطقة دخل كوما الانتخابات الرئاسية،ففي واشنطن من الصعب إيجاد معادلة سياسية يمكن استثمارها السياسي في الانتخابات من قبل الجمهوريين أو الديموقراطيين في واقع الأزمة اللبنانية،وربما تُعتبر هذه ألازمة حاليا كالجمرة التي يصعب التقاطها واستثمارها،وبالتالي ترك الأمور عما هي عليه أفضل الممكن.في الوقت الذي يمكن استثمار الواقع اللبناني الحالي بشكل جيد من الأطراف الإقليميين في الوقت الضائع ،فلماذا يكون الحل في الدوحة وفي هذه الظروف تحديدا؟
إن القراءة الدقيقة لتاريخ لبنان الحديث والمعاصر يفضي إلى ثابتة مؤكدة مفادها أن لا حل لأزمات لبنان المتلاحقة من دون توفر شرطان أساسيان،الأول توازنات إقليمية ودولية مستجدة تراعي المصالح المتبادلة في واقع ملفات الصراعات القائمة في المنطقة وهي في طور التشكّل ولم تبلغ نهاياتها المرجوة؛والثاني متعلق بالأطراف الداخلية التي ينبغي أن تستنفد قواها في حروبها الداخلية على قاعدة حرب "داحس والغبراء" وهي في بدايتها.
ثمة إدارة جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية تطل برأسها وتحمل مشاريع سلام عربية إسرائيلية بدأت طلائعها في الظهور،الأمر الذي يستلزم دخانا كثيفا في المنطقة،فهل بدأ إضرام النار في لبنان كالتي سبقت زيارة السادات للقدس،وهل بامكان الأطراف اللبنانية لعب الدور نفسه؟وأي ثمن سيدفعه اللبنانيون؟ربما سؤال جريء يستحق الإجابة سريعاً لكن الأكيد لن يكون في حوار الدوحة،بل في أروقة السياسات الدولية والإقليمية التي تجيد استثمار الأوطان المشرعة على كافة الاحتمالات.