01‏/10‏/2009

واقع العلاقات السورية السعودية ومستقبلها

واقع العلاقات السورية السعودية ومستقبلها
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات والمنظمات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com

الخوض في تفاصيل العلاقات السورية السعودية يكشف العديد من المسائل والأسئلة ذات الصلة بتداعياتها وآثارها،نظرا لدخول العديد من القضايا المؤثرة فيها.وفي واقع الأمر ،إن التدقيق في تاريخ العلاقة بين البلدين يثبت حقيقة واحدة هي أن العلاقة الجيدة هي حاجة وضرورة ملحة ليس للبلدين فحسب،وانما لكامل منظومة النظام الإقليمي العربي.
فالبلدان وان لم يقرأا في كتاب واحد تجاه بعض القضايا العربية المركزية في بعض المحطات ،إلا أن تداعيات الأزمات الكبيرة جعلت من الطرفين أكثر حاجة لفهم وتفهم الآخر.وإن مرّت ظروف العلاقات بمراحل ليست طبيعية بالمعنى الدبلوماسي،إلا أن طبيعة التحدّيات العربية الكبيرة جعلت العلاقة محكومة بالحد الذي لا يمكن وصفها بالسلبية، بل ظلت محكومة بروح المسؤولية .وبصرف النظر عن التوصيف والتكييف القانوني من الوجهة الدبلوماسية للعلاقة، ثمَّة أسباب وعوامل ذاتية وموضوعية، أثرت بشكل أو بآخر على تظهير بعض التداعيات والنتائج ويمكن تسجيل العديد من المظاهر والملاحظات ذات الصلة ومن بينها:
- ظل الصراع العربي الإسرائيلي بقضاياه العامة والخاصة محور شد وجذب في سياسات البلدين الخارجية،ورغم ظهور بعض التباين في الأسلوب والوسائل،إلا أن جوهر ومضمون الاستراتيجيات ظلَّ متقاربا في العديد من المحطات السابقة،بل أن مجمل المشاريع التي طرحت سابقا ظلت مجالا رحبا لتقاطع السياسات والرؤى بين الجانبين،ولم تصل تفاصيلها إلى حد إنشاء بيئة للقطيعة.إذ حرصت القيادتان السورية والسعودية على التفتيش الدائم عن المخارج التي تجمع ولا تفرق.
- لقد أثرت سياسات المحاور العربية على طبيعة العلاقة بين الجانبين حتى وان لم يكونا هما الطرفان الأساسيان بها. فالثقل السياسي للجانبين جعلهما هدفا للشد والجذب لكل طرف عربي يود الاستقواء بهما على فريق آخر.وبطبيعة الأمر ،فإن اذرع السياسة الخارجية التي تمتلكه كل منهما كانت سببا ونتيجة في تباين المواقف في بعض الفترات.
- إن الأزمات الكبيرة التي عصفت بالنظام الإقليمي العربي منذ فترة السبعينيات من القرن الماضي،كان لها الأثر الواضح في تراكم العديد من الأسئلة لدى الطرفين، وفي المقابل كانت الإجابة عليها لا تخلو من مؤثرات إقليمية ودولية أثرت بشكل واضح في السلوك السياسي للجانبين تجاه القضايا العربية والإقليمية.
- إن دخول قوى إقليمية كبرى ذات وزن فاعل في قضايا النظام الإقليمي العربي، لم يساعد البلدين في بعض الفترات على تخطي بعض المصاعب والمتاعب،بل شكَّلت عنصرا إضافيا في التباعد وإظهار البيئات الخلافية حول بعض القضايا العربية،كنموذج حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
- وعلى الرغم من ذلك شكلت حرب الخليج الثانية بعد الغزو العراقي للكويت ، مناسبة للتقارب بين دمشق والرياض،ما انعكس استرخاءً في العلاقة توّجه الطرفان باتفاق "الطائف" المتعلق بلبنان، والذي يعتبر أحد مراكز الشد والجذب العربي.
- إن التحوّلات الكبرى التي عصفت بالعالم ومن بينها المنطقة العربية في بداية الألفية الثالثة،عادت وشكلت انعطافة لافتة في مسار العلاقات بين البلدين،إذ اثر الاحتلال الأمريكي للعراق على العديد من فواعل العلاقات العربية - العربية،ومن بينها العلاقة بين دمشق والرياض، الأمر الذي وصل إلى حدود غير مسبوقة إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، ونجاح واشنطن في تقسيم العرب بين معتدلين ومتطرفين.علاوة على ذلك شكَّل خروج سوريا من لبنان وإقحامها باغتيال الرئيس رفيق الحريري،عاملا إضافيا نحو مزيد التداعيات غير الايجابية بين الطرفين.
وعلى الرغم من كل ذلك الموزاييك من التأثيرات والنتائج في إطار العلاقات، حرص الطرفان وفي مناسبات عدة على خلق بيئات مناسبة للانطلاق مجددا،بدءا من القمة العربية الاقتصادية في الكويت،مرورا بالعديد من المناسبات واللقاءات،وصولا إلى زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى المملكة ومشاركته في افتتاح المجمع الأكاديمي،وما يمكن أن تحققه زيارة الملك عبدالله إلى دمشق من انعكاسات وتداعيات ايجابية على مجمل الملفات العربية العالقة.
إن مستقبل العلاقة بين البلدين العربيين محكومة بروح المسؤولية التي يتمتع بها قادة البلدين،ففي أحلك الظروف كانت وسائل الاتصال متتابعة،وفي أصعب القرارات كان ثمة تشاور،وربما ظروف النظام الإقليمي العربي اليوم هي أحوج ما تكون فيه المبادرات ملحة وضرورية ،ومن هنا تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى سوريا لتترجم رؤية البلدين في صياغة أسس ورؤية جديدتين،لملفات وقضايا عربية كثيرة تستلزم الإجابات السريعة،بدءا من ملفات لبنان التي لا تعد ولا تحصى،مرورا بقضايا العراق ومآسيه،وانتهاءً بتفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي ومساراته المحتملة لاحقا.
لقد حاولت سوريا في الفترة السابقة محاولة التعويض السياسي بعد خروجها من لبنان،فتابعت تقوية علاقاتها بإيران واقترحت عبر رئيسها بشار الأسد في زيارته الأخيرة لطهران إنشاء تكتل إقليمي يضمها إلى جانب إيران كل من العراق وتركيا.ومن ثم أطلقت سوريا وتركيا مجلسا للتعاون بينهما،ذلك بعدما استشعرت خطورة ما يأتيها عبر العراق والتهديد بمحكمة جنائية دولية على خلفية تفجيرات بغداد الأخيرة،واليوم الفرصة سانحة للتوجّه جنوبا إضافة إلى الشرق والشمال، فهل يأتي لقاء القمة السورية السعودية بيئة أولية لترتيب الجانب الغربي الآخر من العمق الاستراتيجي السوري المتمثل في لبنان؟
ثمة نفي من كلا الجانبين أنَّ لبنان لن يكون موضوعا أساسيا في جدول اللقاء، بيد أنَّ التجارب السابقة أثبتت أنَّ ملائكة لبنان هي حاضرة دوما في أي لقاء إقليمي أو عربي ذات مستوى استراتيجي؛بخاصة وأنَّ أوضاع لبنان وظروفه الخاصة،تجعله بوصلة للشد والجذب لحل مشاكله ومشاكل غيره.فهل يكون لبنان وما ينتظر من حكومة هو الموضوع الأبرز غير المعلن في اللقاء؟ وهل من الممكن أن ينتج اللقاء إطارا ومحتوى جديدا لما سبق من اتفاقات؟ إن أحد أسس وقواعد استرخاء العلاقات السورية السعودية مرهونة أيضا بعدم المسِّ في العمق الاستراتيجي السوري الغربي،فهل ثمة من بداية جديدة تعيد ما تمَّ الخروج عنه سابقا؟سؤال مركزي كبير يستلزم بعض الوقت لجلاء حقيقته.