10‏/10‏/2009

سلام على جائزة نوبل للسلام

سلام على جائزة نوبل للسلام

د.خليل حسين

أستاذ العلاقات والمنظمات الدولية في الجامعة اللبنانية

www. drkhalilhussein.blogspot.com

ربما كان المحيطون بالرئيس الأمريكي،باراك اوباما ،وهم على حق الأكثر دهشة واستغرابا ،لمنحه جائزة نويل للسلام؛فهم يعرفون أكثر من غيرهم حجم الإسهامات التي انطلق بها نحو السلام العالمي،وبصرف النظر عن شخصه كرئيس لأعظم دولة،ربما أيضا ستكون هذه الجائزة بمثابة السلفة المعنوية والسياسية المسبقة الدفع فيما هو مطلوب منه في المرحلة القادمة.

وبطبيعة الأمر تعتبر هذه الجائزة متميِّزة عن قريناتها من نفس النوع والقيمة المعنوية، فالجوائز الممنوحة في القضايا العلمية من الصعب أن تعطى إلا لأصحاب باع متميّز في مجالات اختصاصاتهم،فيما جائزة السلام هي مسألة تقديرية يلعب الكثير من العوامل فيها،لجهة لمن تمنح، وما هي الانجازات المقدمة.

صحيح أنها منحت في السابق لأشخاص اعتبروا أنهم قدّموا الكثير في سبيل شعوبهم ودولهم،بصرف النظر عن وجهات النظر التي انتقدتهم أو ناصبت العداء لهم،إلا أنَّ منحها الآن للرئيس الأمريكي تثير علامات استفهام وتساؤلات كثيرة،من الصعب أن يجد لها إي مدقق أسبابا موجبة أو مقنعة ولو بالحد المعقول أو المقبول.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما هي الانجازات التي تمكّن الرئيس باراك اوباما من تحقيقها في مجال السلام الدولي حتى الآن؟ هل هي مبادرته لنزع الأسلحة غير التقليدية التي تقدم بها خلال رئاسته لقمة مجلس الأمن الدولي ؟ إذا كان ذلك هو المقياس أو حتى التبرير،فثمة عشرات بل مئات المقترحات بل المشاريع التي قدمت من أكثر رئيس،ولم يُشر إلى احد منهم بجائزة ثناء وتنويه! صحيح أنَّ السلام والأمن الدوليين يتطلب شروطا ومنها نزع الأسلحة غير التقليدية التي تهدّد البشرية جمعاء،إلا أنها ليست الشرط الوحيد أيضا،فبناء السلام يستلزم أيضا التعامل بعدل مع كل الشعوب والأمم إن لم نقل أيضا قضاياه المحقة!فهل تعامل الرئيس الأمريكي مع القضايا العربية بمنطق العدل والمساواة والتجرّد والموضوعية التي ينبغي توفرها ليكون الشخص مؤهلا لبعض الألقاب والجوائز والمناصب؟ فما هي مساهمته في إحلال السلام في الشرق الأوسط مثلا،أهل هو الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وبالمقابل لم يذكر اسم الدولة الفلسطينية الموعودة إلا من باب رفع العتب السياسي في خطاباته المتكررة؟وما هي مواقفه تجاه العديد من المحطات العربية التي لا تعدُّ ولا تحصى مع اسرائيل،والتي كان أبرزها مواقفه غير الواضحة تجاه مجازر غزة والتي ترافقت مع وصوله إلى البيت الأبيض؟

ما هي مساهمته في الأمن والسلام الدوليين والإقليميين؟ ما هي المساهمات المقدمة لإحلال السلام في العراق،أهي المعاهدة الأمنية التي فرضتها الإدارة السابقة والتي مشت بها الحالية بكل رضا وقبول!وما هي الإسهامات المقدمة في عمليات السلام في أفغانستان،أهي زيادة 21 ألف جندي أمريكي في أفغانستان في عهده ؟أم هي حفلات القتل الجماعي التي ترتكبها غير جهة في العالم بدعم من السياسات الأمريكية؟.

ربما قائل يقول انه من غير المنصف إلقاء اللوم على رئيس لم يكمل التسعة اشهر من ولايته،ربما يصح ذلك في بلد لا يعتمد قواعد المؤسسات في التعامل الدولي،إلا أنَّ الولايات المتحدة ورئيسها مطالبان بإلحاح وبإصرار على القيام بمبادرات قابلة للحياة والبناء عليها،لكي تستحق يوما الثناء والجوائز و ...

ربما يكون الأمر مبررا بوضوح للذين نالوا مثل هذه الجائزة،وهنا بصرف النظر عن ميولهم وانتمائهم السياسي أو العقائدي،فمثلا نلسون مانديلا استحقها على نضاله من اجل شعبه،وكانت مجال ترحيب من الخصوم قبل المؤيدين.والصورة الأكثر طرافة أيضا في صور التوازن التي تعطى بها هذه الجائزة،فعلى سبيل المثال لا الحصر،تقاسم هذه الجائزة بين أنور السادات ومناحيم بيغن على جهودهما في السلم بين مصر وإسرائيل!نفس المواصفات والأسباب تقاسمها كل من الرئيس الراحل ياسر عرفات والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز.

لسنا هنا في معرض الانتقاد لعدم توافر إمكانات الشخص وقدراته وخبراته،لكن الأمر يتعلق تحديدا بالانجازات والإسهامات،فهل ثمة انجاز غير مرئي في التسعة اشهر؟أم ثمة اعتبارات أخرى قد دفعت بهذا الخيار ولو استحق الدهشة حتى من بعض المقربين منه؟فعلا إنها السياسة !

وكغيرها من المؤسسات،ستظل جائزة نوبل، تخطئ وتصيب،لكن العبرة تكمن في إمكانية استيعاب القرارات غير القابلة للهضم السريع،سيما وأنها كرَّمت شخصيات يُشهد لها في مجالات اختصاصاتها،كما أغفلت وغضّت النظر عن الكثيرين ممن يستحقونها،وحتى تظل هذه المؤسسة من بين المؤسسات التي يُشهد لها بموضوعيتها ونزاهتها في الاختيار عليها التدقيق الكثير قبل اتخاذ القرار.

ثمَّة تساؤلات كثيرة تطرح همسا وعلنا ،في المحافل ذات الصلة بالشؤون المعنوية والثقافية وغيرها،مفادها أنَّ ثمَّة أولاد ست وأولاد جارية،قبل ذلك معارك من وزن ثقيل خيضت لعدم إيصال المرشح المصري فاروق حسني لرئاسة الاونيسكو،على قاعدة العداء للسامية،واليوم تُنثر الجوائز تحت مسميات وشعارات باتت مستهلكة ومموجة، فالي أين نحن سائرون ؟

ربما تكون الفرصة سانحة للرئيس الأمريكي مستقبلا لتنفيذ ما أعطي من اجله جائزة السلام،ورغم شكوكنا في ذلك،ثمَّة ضرورة للتدقيق بما تقوم به الإدارة الأمريكية الحالية في تحركاتها بهدف السلام،فمثلا مبعوثها إلى الشرق الأوسط جورج متشل،لم ينجز حتى الآن بدايات أي ملف في هذا الاتجاه، في الوقت الذي استقبله نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم،بتصريح واضح يدعو إلى تهويد القدس والمسجد الأقصى قبل التوصّل إلى أي بيئة سلام مع الفلسطينيين، فعلا ربما تكون جائزة نوبل للسلام قد أعطيت هذا العام للإستراتيجية التي قادها اوباما باعترافه بيهودية دولة اسرائيل!