04‏/05‏/2010

اربعون شمعة تضيء عتمة العرب وقضاياهم

اربعون شمعة تضيء عتمة العرب وقضاياهم
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشؤت في جريدة الخليج الاماراتية 1-5-2010
ما اعتاد عليه العرب واللبنانيون ايضا، الاشادة الدائمة وابراز حسنات الاعلام والصحافة في لبنان،على انهما متميزان في بيئة عربية وصفت على العموم بسياسات كم الأفواه، ورغم سعة الاطلاع لدى المثقفين والمهتمين يغيب عن بال بعضهم، ان ثمة صحافة خليجية رائدة ، جديرة بالتميّز في بيئة يؤخذ عليها التمسّك بالسياسات الصحفية التقليدية.
يأتي اليوم ليتوِّج العيد الاربعين لصحيفة الخليج التي جمعت مفارقات الخليج الجغرافي، المتنوع بسياساته ومواقفه،مع قضايا العرب وأزماتهم ومشاكلهم،من دون ان نعثر على ثغرة يمكن النفاد منها للانتقاد.فعلى الرغم من حساسية المجتمع الخليجي بشكل عام،نرى إعلاما هادفا رصينا جمع طموح الشباب بالتغيير والتطوير، مع هيبة وشيبة الاربعينات المليئة بالخبرات والعطاء الواعي المتزن.
وبعيدا عن التبخير او التبجيل، لقد ملكني الكثير من العجب والحيرة منذ ست سنوات مذ بدأت الادمان الصحفي على جريدة الخليج، فكتبت فيها الكثير من المواقف والآراء التي من الممكن، ان لا تنشر بنفس الصيغ والتعابير والمصطلحات هنا في لبنان رغم ما ندعيه من حرية الرأي والتعبير، ولا اقول ذلك مداهنة او تملقا، فالشواهد كثيرة وبسيطة في آن، فعلى سبيل المثال لم نعد نرى في عالمنا العربي الذي احتلت فلسطينه واغتصبت قدسه ،إعلاما مكتوبا يضع "اسرائيل" بين قوسين عند اي ذكر لها،وهي على الأقل ذات دلالات رمزية لرفض ذلك الكيان الذي اغتصب أيضا عقولنا وفكرنا وكتاباتنا حتى بتنا نستسهل اللفظ والكتابة والسمع والرؤية لكل ما يمت بصِلة لـ "اسرائيل".
مجازر يومية ترتكب في فلسطين وغيرها من ديار العرب وارضهم الرحبة،نحاول التفتيش عن تفاصيلها في صُحِفنا وإعلامنا، فلا نجدها الا في زوايا من صفحات متأخرة ،ولولا الحياء لوجدنا تلك الأخبار في متون صفحات الابراج والتسلية والكلمات المتقاطعة،وحتى لا نعثر على كلمة ولو متقطعة عن خبر كان يهز العالم يوما.
في المقابل، تطالعنا "الخليج" في رأس صفحتها الأولى وتكاد تكون يوميا،أخبار ومعلومات وتقارير عن قضايانا العربية الملحة،التي باتت في صحافة الغير امرا منسيا. فنغوص في عمق الخبر لنكتفي اشباعا للمعلومات، في عالم يتفاخر بالعولمة ومحاسنها، ويغيّب عمدا او عمدا، ما يسهم في صحوتنا ونهوضنا من سباتنا العميق.
اربعون عاما في عمر اي اعلام مكتوب او مرئي او مسموع ،يشكل علامات فارقة للظروف المحيطة بها وفيها، فكثيرا من التحولات التي شهدتها مجتمعاتنا العربية ومثقفيها ومفكريها، ما انتج طفرة اعلامية عبّرت في كل منها عن تلك الظروف،لكن صحيفة الخليج مثل قلة من اخواتها العربيات ظلت على نّفَسِها ونهجها ،في وقت ربما يقول بعض ضعفاء النفوس وخبثاء الاعلام ،انها تحج والناس راجعة.
ذلك لا يعني ان الاعلام الملتزم بقضايا امته،ينبغي ان يغيب او يُغيّبَ جوانب أخرى في حياتنا المعاشة، فالالتزام لا يعني عدم حب الحياة والبحث عن مفردات ومكوِّنات سعادتها،وهنا تكمن المفارقة،اعلام ملتزم متزن، الى جانب اعلام يجمع متطلبات الحياة العصرية ومفرداتها على تنوعها وتعددها.وهنا تكمن فرادة الاعلام الناجح القادر على جذب كل شرائح القراء على تنوعهم واهتماماتهم المتغيّرة والمتبدلة.
والمفارقة الابرز،انه في زمن عولمة الاعلام وشيوع الانترنت والصحافة الالكترونية، حصد اعلام "الخليج" مركزا مرموقا بين الصحافة المكتوبة،وهو دليل آخر على احترامها الشديد لميول قرائها ولغيرهم،وهي من الصفات التي قلَّ نظيرها في صحافتنا العربية اليوم.
كبرت "الخليج" اربعون عاما وباتت في ريعان الصحافة والاعلام، وأصبحت اليوم مع اخواتها "الشروق" الدائم لشمس الصباح وقهوته مع "كل الأسرة" وغيرهما من المفردات الاعلامية، التي ادمنا عليها قراءة وكتابة ،فقط لأنها احترمت عقولنا وعرفت كيف نفكر او بالأحرى كيف ينبغي ان نفكر.
اربعون عاما مشت بعكس الزمن ومتغيراته،فازدادت شبابا وفكرا بدلا من الكهولة السياسية، واتزنت بمواقف لافتة في زمن الخرف السياسي،فللخليج اربعون نجمة تنير درب مسيرتنا نحو الكلمة الحرة في ذاكرتنا الجماعية العربية.