24‏/05‏/2010

اتفاق نووي ومشروع عقوبات فوري

اتفاق نووي ومشروع عقوبات فوري
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
لم تنتظر الولايات المتحدة الامريكية لكي يجف حبر الاتفاق الثلاثي الايراني التركي البرازيلي،حتى تقدمت بمسودة مشروع عقوبات الى مجلس الامن وهي الموجة الرابعة التي تطلقها واشنطن بوجه البرنامج النووي الايراني.فماذا في الاتفاق وما هي تداعياته؟وماذا عن الرد الغربي في مجلس الامن؟
في المبدأ ،يعتبر الاتفاق الثلاثي نتاج سياسة حافة الهاوية التي اجادت طهران السير بها،كما يعتبر الاعلان عنه لجهة الزمان والمكان والأطراف المشاركين فيه والمؤيدين او الرافضين له، بمثابة التركيبة السياسية الدولية التي ستعيد انتاج بيئة تفاوضية ستتمكن طهران وكعادتها من كسب المزيد من الوقت الذي يعطيها فرص التعويض في المضمون بدل التنازلات في الشكل.
فالاتفاق بمواده العشرة، التي صيغت بجمل افتراضية وبمواد معطوفة ومشروطة على بعضها البعض،تبدو كشروط السلة الواحدة،غير قابلة للعزل او التجزأة،وبالتالي اعطت لطهران فرص التحكم بما تريد والتفلت مما لا تريد،في الوقت الذي لم تدفع سوى اثمان معنوية بخسة تقابلها امكانية االحصول على اثمان استراتيحية كبيرة.
لقد تمكن الاتفاق في المبدأ من افراغ اتفاق فيينا من مضمونه عمليا،الذي هدف الى تعطيل البرنامج النووي الايراني لمدة عام منذ تشرين الاول 2009، ريثما يتمكن الغرب من التقاط انفاسه للمواجهة الكبرى.فأولا يتعلق الأمر بـ 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5% المنصوص عليها في اتفاق فيينا،فيما بلغت الكميات المخصبة حاليا بحسب التقديرات الغربية ضعف هذا الرقم ما افقد مفهوم اخراج هذه الكمية من ايران معناه العملي.وثانيا،ان الكمية التي سيتم نقلها الى تركيا ستكون تحت عنوان "الأمانة" بمعنى آخر تحت السيطرة الايرانية بخاصة ان الاتفاق نص على تأليف لجنة للإشراف علاوة على النص باسترجاعها "سريعا" في حال لم تف مجموعة فيينا بما عليها.وثالثا، تأكيد طهران المضي في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% وبناء المزيد من المفاعلات واجهزة الطرد المركزي ،بخلاف اتفاق فيينا الذي دعا الى "التجميد" ، ورابعا نجحت طهران في توسيع دائرة الأطراف المعنية بهذا الملف بدءا من وكالة الطاقة الذرية واعضائها وصولا الى الطرفين الوسيطين التركي والبرازيلي بعدما كانت ايران بمواجهة فرنسا واميركا وروسيا.
طبعا لم يتلقف الغرب بشكل عام هذا الاعلان وبخاصة واشنطن التي اعتبرته مكسبا دبلوماسيا ايرانيا يهدف الى الهروب من سيف العقوبات عبر مجلس الامن.وهذا ما تأكد عمليا عبر تحريك مشروع العقوبات الذي سيُصوّت عليه الشهر المقبل، وهي فترة اضافية لكسب المزيد من الوقت اما للمضي به بشكل قاسٍ،واما فتح ثغرات اضافية في جدار المفاوضات عبر الوسيطين الجديدين غير المرحب بهما غربيا.
ان الاعلان النووي الثلاثي لن يشكل عاملا لبناء الثقة بالملف النووي الايراني من وجهة النظر الغربية، بل سيزيده تعقيدا عبر تخصيب الموجة الرابعة من العقوبات في مجلس الامن،بخاصة عما يحكى من تبدّل الموقفين الروسي والصيني بشكل خاص لجهة نوعية العقوبات والى من ستوجه تحديدا في دائرة المؤسسات الايرانية وبالتحديد الى مؤسسات الحرس الثوري الايراني.
طبعا ان آلية العقوبات المطروحة في مشروع القرار المعروض على مجلس الأمن يشكل نوعا من تضييق الخناق على المؤسسات الأكثر فاعلية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الايرانية، ما يسهل عمليا استصدار القرار لكن العبرة في التنفيذ اللاحق له،سيما وان الموجات الثلاثة الماضية من العقوبات افلحت طهران التفلت منها والدليل على ذلك ما وصلت اليه الأمور حاليا.
لا شك ثمة سباقا مع الزمن تقوده طهران بحنكة دبلوماسية لافتة يصعب مواجهتها واحتوائها بسهولة، كما ثمة سباقا في التذاكي بين واشنطن وطهران في كيفية رمي الأوراق التفاوضية المترافقة مع عروض لعضلات القوة العسكرية والاقتصادية والمالية، فالى من ستحسم الأمور في النهاية؟ ربما تكون الاجابة ان ليس بالضرورة يكون الحسم هو الجواب ،بقدر ما تكون مجددا لعبة سياسة حفة الهاوية وعض الاصابع على اطرافها هي البديل في هذه المرحلة بالذات، لكن السؤال الأهم ما هو موقف "اسرائيل" تحديدا من كل تلك الصياغات الملتبسة بالنسبة لها،فهل تقبل بها رغما عنها والى متى؟.ان قراءة "اسرائيل" للملف النووي الايراني على انه مسألة مصير كيان وبالتالي حياة او موت، يعني ان حسابات الربح والخسارة الاسرائيلية في الاقدام على اي عمل غير مدروس ليس بذي أهمية في هذه الحالة. وفي هذه الحالة يثار سؤال آخر هل ستتصرف اسرائيل منفردة ام بتواطؤ امريكي؟ ثمة سابقتين اسرائيليتين في هذا المجال،الأولى ضرب مفاعل تموز العراقي عام 1981،والثانية الغارة التي نفذتها على موقع سوري ادعت انه منشآت نووية في العام 2008.
في اي حال،ثمة اتفاق ثلاثي دفعت به طهران للهروب من سيف العقوبات الغربية،لكن الرد الغربي اظهر الاتفاق الايراني وكأنه هروب نحو العقوبات،اذ لم يمض اكثر من اربع وعشرين ساعة الا وكان مشروع القرار يناقش على طاولة مجلس الامن بمواقف من الدول الخمس الكبرى مغايرة عن السابق، وهو بمثابة الرد الواضح والحازم برفض الاتفاق شكلا ومضمونا،الامر الذي يعيد خلط الكثير من الأوراق.