05‏/05‏/2010

الاغتيال بمرسوم جمهوري

الاغتيال بمرسوم جمهوري
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
يعتبر حق الحياة من الحقوق الطبيعية التي خاضت بها فلسفات كثيرة منذ قدم الزمن،وأيدها الفكر السياسي بمختلف تلاوينه وايديولوجياته،وجعلتها الديانات السماوية حقا مقدسا،وأتبعتها القوانين الوضعية بمزيد من التوصيف والتكييف القانونيين،وانتقلت بها وطورتها من ميدان الحقوق الطبيعية الى الحقوق الانسانية كوجه من أوجهه الرّقي البشري في ممارسة حياته الاجتماعية والسياسية، وتفرّع عنها العديد من العناوين ذات الصلة المباشرة في حياته كحق التعبير والراي والتحرّر والاستقلال ومقاومة العدوان وغيره.
الا ان ممارسات العديد من القوى المتسلطة في اطار النظام العالمي،جعلت الكثير من الأمم والشعوب تذهب في مقاومتها لهذا التسلط الى مستويات وصفتها الادارات الامريكية المتعاقبة وبخاصة في العقدين الماضضين، بالاعمال الارهابية واعطت لنفسها حق الاعتداء على ابرز هذه الحقوق وهو حق الحياة،بل تمادت الى مستويات مواجهة ما تسميه اعمالا ارهابية بسياسة القتل العمد والاغتيال.وانسحب هذا السلوك وبصور اكثر بشاعة واشد ايلاما على السلوك الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين، حتى بات الأمر لا يعدو ممارسة يومية معتادة، يُنفذ بقررات سياسية رسمية.

اميركا والعالم الثالث في مقلب واحد

عندما وقعت حادثة 11 أيلول توقَّع كثيرون، أن تحتفظ الإدارة الأمريكية بمسافة تفصلها عن الاتيان بعمل يظلم العالم الثالث، وتصوروا انها ستعالج الحدث بموضوعية وعقلانية بعد امتصاص الصدمة. ولكن المفاجأة كانت هائلة، عندما ايقن الجميع أن الإدارة الأمريكية لم تخرج في تعاطيها مع الحدث عن ذات السلوك الذي اعتادت عليه أكثر الدول المتخلفة، بحيث بات المجتمع الأمريكي في أسفل سلم الحريات، وباتت دولة القانون في مقلب واحد مع الدول المتخلفة، التي طالما لاحقتها الهيئات الأمريكية بتقاريرها حول أدائها السيء في مجال حقوق الانسان وحرياته الاساسية.
لقد ركَّزت الإدارات الأمريكية على البُعْد الأمني، ورفضت إجراء أي محاولات تقويمية لتفهم الظروف والأسباب الموضوعية. وبدلاً من أن تشرع الإدارة الأمريكية في إعادة النظر في الملفات التي جلبت السخط على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، اعتبر الرئيس السابق جورج بوش أن سبب هجوم الإرهابيين على أمريكا يكمن في حقدهم على الديمقراطية والحريات التي يتمتع بها المجتمع الأمريكي، متجاهلا العديد من القضايا كالصرع العربي – الإسرائيلي، واحتلال افغانستان والعراق والتدخل في بعض القضايا الدولية بشكل غير عادل، وكأن هذه القضايا لم تخلق مشاعر عدائئية.
ورغم أن ديمقراطية العلاقات الدولية تعاني منذ زمن بعيد، فإن ما جرى في أعقاب 11 أيلول ذهب بهذه المعاناة أشواطًا بعيدة. وقد فشلت كل الجهود في إقناع الإدارة الأمريكية على التقيَّد بمظلة الشرعية الدولية، والتشاور مع نظرائها في الأسرة الدولية للتداول حول خطر الإرهاب. وكرّست الإدارة الأمريكية بمساعيها سياسة الانفراد، ودأبت على توجيه أوامر خالية من معاني الدبلوماسية إلى أعضاء الأسرة الدولية. وطلبت وانشطن انصياع الجميع لإرادتها والوقوف خلفها. وحاول البعض ايجاد تبريرات لهذه المواقف بداية ألازمة، باعتبار أن الحدث كان فوق الاحتمال، إلا أن توالي الأيام لم يغيِّر الإدارة الأمريكية عن لهجتها. ولعلَّ أخطر ما تمخضت عنه تداعيات 11 أيلول / سبتمبر في هذا المجال، القانون الذي صدر في 5 تشرين الثاني / نوفمبر 2001 وأقرته وزارة الخارجية الأمريكية، والذي سمح للولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية لإطلاق سراح أي مواطن أمريكي أو مواطن من الدول الحليفة لأمريكا يكون قد تم القبض عليه في دول أخرى. وهكذا تصبح الصورة أكثر سوادا، ويصبح التساؤل مشروعًا: هل ثمة ديمقراطية في مجال العلاقات الدولية؟.
لقد اعتبرت الإدارة الأمريكية أن مساحة الحريات في المجتمع الأمريكي شكَّل مساحات مناسبة لتمدد الأنشطة الإرهابية. وحاولت الإدارة الأمريكية إفهام الشعب الأمريكي بأن الأمن ينبغي أن يكون الشاغل الأكبر في مرحلة استثنائية في حياة المجتمع الأمريكي. وقد وفرت أجواء الرعب التي خلفتها أحداث 11 أيلول / سبتمبر وما تبعها من كابوس الجمرة الخبيثة أجواء مؤاتية مكّنت الإدارة الأمريكية من تمرير قوانين واتخاذ تدابير غير مسبوقة. فاستهل الرئيس الأمريكي إجراءاته في تعزيز الأمن الداخلي بإضافة حقيبة وزارية جديدة سميت وزارة الأمن الداخلي، التي ظلت مثار سخرية باعتبارها وجها من وجوه الشمولية. وكان التطور الأبرز في مجال تقليص الحريات، القانون الذي وافق عليه الكونغرس لمكافحة الإرهاب،الذي حصل على أغلبية ساحقة من أعضاء الكونغرس في حين عارضه عضو واحد. والذي مثل لحظة فارقة في تاريخ حقوق الإنسان والحريات في المجتمع الأمريكي؛ وقد أعطت مواد القانون صلاحيات هائلة لوكالة الاستخبارات الأمريكية بحيث أصبح مخوّلاً لها: توقيف الأجانب واعتقالهم دون تهمة، والتنصت على المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني، وتفتيش المنازل سرًّا والإطلاع على سجلات الشركات. لقد أعادت التدابير إلى الأذهان ما عاشه المجتمع الأمريكي في مطلع خمسينيات القرن الماضي، حيث سادت موجة اعتقالات وملاحقات طالت كبار موظفي الدولة، واتسعت دائرتها لتشمل السياسيين والأكاديميين ونجوم السينما بحجة محاربة الشيوعية. وعرفت هذه الظاهرة بالمكارثية نسبة إلى السيناتور جوزيف مكارثي الذي كان المحرك الأساس لها.
ثمَّة اعتقاد أن تلك القوانين وهذه التدابير لم تحرك ثائرة المجتمع الأمريكي؛ باعتبار أن الأمريكيين قد ذهلوا بما حدث في 11 أيلول / سبتمبر وما تبعها، ولأن هذه القوانين وتلك التدابير ستتوجه إلى الأجانب وذوي الأصول غير الغربية. غير أن استمرار مفاعيل هذه القوانين وتلك التدابير طال المجتمع الأمريكي، الأمر الذي فتح الآفاق على حدوث صدامات بين عقلية الإدارة السياسية البراغماتية، وآمال وطموحات الشعب الأمريكي. فالأول أصرَّ على الأمن، فيما الثاني بحث عن استعادة الحقوق والحريات التي سلبتها قوانين وتدابير مكافحة الإرهاب؛ ما دفع إلى حدوث توترات وصراعات غير مسبوقة في النسيج الأمريكي وضع أمريكا على مشارف مرحلة جديدة.

تغطية رسمية للقتل العمد والتصفيات الجسدية
لم يستقر الامر عند هذا الحد،بل تعداه الى تكوين بيئة قانونية تسمح بالقتل والاغتيال والتصفية الجسدية بداعي الحروب الوقائية من الارهاب، ان كان في الداخل الامريكي او خارجها وبخاصة في العراق وافغانستان وغيرها من مناطق الانتشار والاحتلال الامريكي في العالم.فحفلات القتل العمد التي نفذها الجنود الامريكيون في العراق لا تعد ولا تحصى، تحت مسميات وعناوين مختلفة، ولم تسلم هذه الحفلات الجماعية اذا جاز التعبير حتى من هم في عهدة وحماية القانون،كالمعتقلين في السجون،كنموذج سجن ابو غريب الذي مثل الامريكيون جرائم العصر فيه بقرارات صورت فردية،لكنها تخفي سياقا وسلوكا في الذاكرة الجماعية للاحتلال الامريكي في غير منطقة من العالم.
لم تقف الامور عند هذا الحد،فقد اعطت الادارات الامريكية لنفسها حقا مكتسبا لجهة اطلاق يد الشركات الامنية في غير مكان من امكنة تواجدها، وهي البيئة الامنية الموازية لها،كشركة بلاك ووتر التي عاثت في العراق قتلا وتصفية تحت ذرائع لا مبرر اخلاقي ولا قانوني ولا شرعي لها؛وعلى الرغم من الفظائع المرتكبة لم يكن التحرك القضائي الامريكي متناسبا مع القوانين الامريكية المرعية الاجراء نفسها، بل تم التعامل مع مختلف عمليات القتل العمد والاغتيال من باب درء الخطر وعدم القدرةعلى السيطرة على الوضع. وكما في العراق كذلك في افغنستان حيث جرائم الحرب والابادات طالت مدنيين لا علاقة لهم حتى في مقاومة الاحتلال او غيره من التوصيفات الامريكية.
ان البيئة القانونية التي اعاد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش العمل بها لجهة السماح باغتيال وقتل الاشخاص،والتي لم يُعاد النظر بها في عهد الادارة الديموقراطية الحالية،وضعت اميركا في موقع الارهاب على قدم المساواة مع غيرها ووفقا للتصنيف الذي وضعته هي نفسها،ما يشكل سابقة في التعاطي الدولي لجهة مكافحة الارهاب والحد منه قدر الامكان.فما هي القيمة العملية التي ستجنيها الولايات المتحدة في اصدار اوامر الاغتيال بحق اشخاص لهم معتقاداتهم وافكارهم ولو كانت مخالفة لها؟ الن تزيد من القهر وردات الفعل المعاكسة التي يصعب ضبطها او السيطرة عليها؟ وهل الادارة الامريكية الحالية جادة في البحث عن اطر جديدة لاخراج نفسها من جملة المآزق التي وقعت فيها وأوفعت العالم به؟
سجل اسرائيلي اسود في عمليات الاغتيال
يجمع مؤرخو الارهاب الموضوعيين، العمليات الارهابية الأولى الى الجماعات اليهودية التي كانت تستعمل الخناجر الصغيرة "سيكارى" في قتل من يخالفوهم،وبالتدقيق تكاد فكرة الاغتيال والقتل تلازم الذاكرة الجماعية للصهاينة حتى قبل اغتصاب فلسطين وانشاء الكيان الاسرائيلي.ففي العام 1937 تم انشاء "الموساد" وجماعات مقاتلو الحرية "ليتحي" بهدف تنفيذ عمليات الاغتيال لكل من يقف في وجه مشروع انشاء الكيان، وكانت من اولى عملياتها اغتيال الوسيط الدولي الكونت فولكا برنادوت،وتتابعت عملات القتل والاغتيال على يد العديد من العصابات الصهيونية مثل"الهاغانا وشتيرن"وغيرهما.
ان العمليات التي مارستها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تعتبر جزءا لا يتجزأ من العقيدة اليهودية الصهيونية، وقد ورث الجيش الاسرائيلي وطوّر هذه الاساليب وراكم خبراته خلال عشرات السنين في هذا المجال، ونتيجة لذلك وصل معظم قياداته الى مراكز سياسية حساسة كرئاسة الوزراء ووزارات الدفاع والخارجية والامن وغيرها،ما عزَّز سياسات القتل والاغتيال في الذاكرة الجماعية للهيود في فلطسين المحتلة،كما امتدت الى خارجها عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية لقادة وعلماء فلسطينيين وعرب واجانب كثيرين،ابرزها على سبيل المثال لا الحصر:
- في العام 1935 استشهد الشيخ عز الدين القسام.
- عام 1951 اغتيلت في الولايات المتحدة الأمريكية الدكتورة سميرة موسي المصرية صاحبة اطروحة دكتوراه لدراسة استخدام المواد المشعة في جامعة اوكردج وكذلك اللبناني حسن كامل الصباح.
- ارسل اسحاق شامير رئيس الذراع العسكرية في العام 1963 طروداً مفخخة الى شخصيات ألمانية اعتبرها الكيان الصهيوني ساعدت مصر في برنامجها الصاروخي، وقُتل العديد من الألمان في هذه العمليات.
- اغتال الموساد عام 1972 القائد الفلسطيني غسان كنفاني أحد أهم القياديين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
- نفذت قوة كوماندوس صهيونية عام 1973 عملية اغتيال ثلاثة قادة فلسطينيين هم: أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر في بيروت.
- اغتال الموساد عام 1973 المسؤول الفلسطيني في حركة فتح محمد بوديا بتفجير سيارته.
- اغتال الموساد محمود الهمشري عام 1975 مؤسس قوة الـ17 الفلسطينية في باريس بعبوة متفجرة وقعت في هاتف بيته.
- اغتيال الموساد ابو حسن سلامة عام 1979 ، قائد قوة الـ"17" في بيروت، بتفجير عبوة بالقرب من سيارته عبر جهاز لاسلكي.
- في عام 1988 اغتالت وحدة كوماندوس المسؤول الفلسطيني أبو جهاد في العاصمة التونسية.
- في عام 1989 أقدمت قوة كوماندوس على خطف الشيخ عبد الكريم عبيد من بلدته جبشيت في جنوب لبنان وكذلك مصطفى الديراني .
- في عام 1990 اغتال الموساد العالم الكندي جارلد بول، في شقته في بروكسل بحجة التعاون مع العراق في تطوير المدفع العملاق العراقي.
- في عام 1992 اغتالت طائرات الأباتشي الصهيونية الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي مع زوجته وابنهما.
- اغتال الموساد في عام 1995 أمين عام حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا لدى عودته من زيارة لليبيا.
- اغتيل في عام 1996 القائد الفلسطيني في حركة "حماس" يحيى عياش في منطقة غزة بوضع مادة متفجرة في هاتفه النقّال.
- اغتيل في عام 2001 أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مكتبه من خلال قصفه بصواريخ موجهة من طائرات الأباتشي.
- ومنذ عام 2002 وهي تحاول اغتيال العديد من قادة حماس وعلى رأسهم عبد العزيز الرنتيسى مروراً بمحاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين فى ايلول / سبتمبر 2003 الى ان نجحت فى اغتياله أدى صلاة الفجر.وكذلك الاخوين احمد ومحمد مجذوب في صيدا وغالب عوالي في بيروت ،وكذلك عماد مغنية في دمشق.
- واخيرا في كانون الثاني / يناير عام 2010 اغتيل القيادي الفلسطيني محمود المبحوح في دبي .
انتهاك القوانين والاعراف الدولية
في المبدأ، تعتبر عمليات الاغتيال السياسي والتصفية الجسدية اعتداءا سافرا عاى الحقوق الطبيعية والانسانية، باعتبار ان حق الحياة هو حق مقدس كفلته جميع المواثيق والاعراف الدولية ،وعنه يتفرع العديد من الحقوق ذات الصلة بما يمارسه الانسان في حياته العملية والواقعية.ورغم هذه الاحاطة القانونية التي ظهرت بشكل مشدد وواضح،قامت الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل كل على طريقتها ووفقا لتبريراتهما الخاصة بتجاوز هذه القوانين وانتهاكها بشكل فاضح،بل تم استعمال وسائل واساليب يندى لها جبين البشرية،بحيث ان بعض حالات الاغتيالات والقتل العمد تم التمثيل بجثثها،وبحيث بات الأمر يشكل سلوكا معتادا في العقل الباطني لمن يقوم به.
لقد اباحت كل من واشنطن وتل ابيب لنفسها،وتحت مبررات محاربة الارهاب، القيام بأعمال تعتبر من اشد اعمال ارهاب الدولة،وهو في الواقع العملي أكثر ضررا وأوسع اثرا في تداعياته ونتائجه وآثاره الاخلاقية والقانونية والاجتماعية من اي نوع من انواع الارهاب الأخرى.وقبل الخوض في المحتوى القانوني الذي يُحرّم عمليات القتل العمد والاغتيال السياسي،ينبغي الاشارة الى ان القانون الدولي العام شرَّع عمليات المقاومة واعمال حركات التحرر الوطنية المناوئة للاحتلال،وبالتالي ان جميع ما تدعي به اسرائيل والولايات المتحدة لجهة المبررات التي تدفعان بها لتغطية جرائمهما ساقطة من الناحية القانونية والشرعية ولا قيمة لها سوى في منطق القوة والغطرسة الدولية ليس الا.
فعمليات الاغتيال لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية سواءً داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها،تعتبر مخالفة صريحة لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، سواءً في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 أو البرتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977 ،وخاصة المادة (32) من اتفاقية جنيف الرابعة،والمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949،وكذلك المواد (27) و(174) و(275).
كما تشكل الاغتيالات الإسرائيلية خرقاً فاضحاً لأحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، ما يرتب عليه التزام إسرائيل بالقانون الإنساني الدولي كقوة محتله للأراضي الفلسطينية، وتطبيقها لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ولكنها تتهرب بكل الوسائل رغم قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بتغطية مباشرة من الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي حالت دون صدور أي إدانة أو محاسبة لها رغم ارتكابها العديد من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كانت تُنقل مباشرة على الفضائيات.
ورغم ذلك ثمة إعتراف إسرائيلي مسجل في وثائق الأمم المتحدة أصدرته حكومتها بتاريخ 22 حزيران / يونيو عام 1967 كأمر عسكري تحت الرقم (3) نص علي أن " تقوم المحكمة العسكرية بتطبيق أحكام إتفاقية جنيف المؤرخة في 12 آب / أغسطس عام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب فيما يتعلق بالإجراءات القضائية، وفي حالة وجود تعارض بين هذا الأمر والإتفاقية المذكورة تنفذ بنود الإتفاقية". ومن المعلوم ان الأراضي الفلسطينية ينطبق عليها جميعاً أحكام القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني الخاص بالإحتلال العسكري، ولوائح لاهاي لعام 1907، وإتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 والبروتوكلان الإضافيان الملحقان بها. كما ينطبق عليها الإعلان الدولي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لعام 1974 خاصة المادة الأولي منه، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، والمدوّنة الخاصة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين 1979 وخاصة المادة الثالثة منها.
لقد اعتبرت منظمة العفو الدولية، جريمة اغتيال عبد العزيز الرنتيسي، «جريمة حرب» تنتهك القانون الدولي. و"أن ما أقدمت عليه إسرائيل يعد جريمة حرب في القانون الدولي، ذلك أن سياسة الاغتيالات ليست مبررة; لأنها تخرق مبدأ المحاكمة العادلة والعلانية لأي شخص مدان.... ما حدث للرنتيسي ليس له ما يبرره وبحسب القانون الدولي مرفوض، ونحن في منظمة العفو الدولية نرفضه تماماً ".
ترتيبا وتطبيقا لما سبق، يتبين أن عمليات الاغتيالات الصهيونية لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية، تعتبر مخالفة صريحة وانتهاكا واضحا لكافة قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، كما تشكل جريمة من جرائم الحرب التي نصَّ عليها في المادتين الخامسة الفقرة (ج) والثامنة الفقرة الأولي والثانية (أ/1) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
كما أن الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان الصادر عن منظمة الدول الأمريكية بالقرار رقم (30) الصادر في المؤتمر التاسع للدول الأمريكية عام 1948، في المادة الأولي منه، علي الحق في الحياة فنص علي" كل إنسان له الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه". ونصت أيضا الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 علي حرمة الحياة وحمايتها فنصت في المادة الرابعة الفقرة الأولي منها تحت عنوان الحق في الحياة "لكل إنسان الحق في أن تكون حياته محمية، وهذا الحق يحميه القانون وبشكل عام، منذ لحظة الحمل، ولا يجوز أن يحرم أحد من حياته بصورة تعسفية".
وتحيط هذه الاطر القانونية بمجملها بعدم حرمان أي إنسان من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية ؛ فالاغتيالات الاسرائيلية تعتبر القتل خارج القضاء يمثل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان.
ولعلَّ القرار الذي اتخذته الحكومة "الإسرائيلية" منذ عام 2001 بخصوص سياسة الاغتيالات يعتبر الأوضح والأخطر والذي جاء فيه: " لقد قرر المجلس الوزاري "الإسرائيلي" المصغر مواصلة سياسة الاغتيالات والتصفيات ضد ناشطين فلسطينيين"، ليعود المجلس الوزاري الأمني المصغر نفسه ليعلن: "أن المجلس الوزاري قرَّر مواصلة سياسة الاغتيالات للناشطين الفلسطينيين"، موضحاً "أن لا أحد من الفلسطينيين محصن أمام الاغتيال"، وقد وافق عليها رئيس الوزراء الاسبق ارئيل شارون وقال "إن سياسة الاغتيالات التي ننتهجها في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية هي الأفضل التي تلبي احتياجات "إسرائيل" الأمنية" .كما دافع عنها نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني لـ "تبرير سياسة الاغتيالات "الإسرائيلية" وقد باركتها كافة الحكومات "الإسرائيلية" وأكدت أن سياسة الاغتيالات المحددة الأهداف التي تتبعها "إسرائيل "ستسمر .
كما أن وزير الدفاع الأسبق الجنرال بنيامين بن اليعازر ، أعلن موافقته عليها فقال ،"أن أعمال الإرهاب الفلسطينية لا تترك أمام الحكومة "الإسرائيلية" خياراً إلا مواصلة سياسة الاغتيالات.
وفي 11/ 1/ 2010، قال الجنرال امنون ليبكين شاحاك انه لا يمكن لاسرائيل انتظار سياسة التصعيد التي تقوم بها التنظيمات الفلسطينية ويجب توجيه ضربات ساحقة وتصفية قياداتها ومخازن السلاح وعدم انتظار تنفيذ عملية كبرى، يجب استهداف قيادات مؤثرة في حماس وبقية التنظيمات الفلسطينية حتى لا نصل الى المواجهة الكبرى والدخول الى قطاع غزة.
ثمة مفارقات غريبة من الصعب فهمها او تبريرها،مفادها الوصول بمحاربة ما يسمى الارهاب باصدار اوامر الاغتيال بمراسيم تتخذ في مجالس الوزراء،ووصل الغرور والتسلط الى عدم الطلب من حكومات او سلطات الدولة التي يشتبه به لمحاكمته اولا او حتى تسلينه لاي جهة قضائية دولية محايدة لمحاكمته،بل شرعت لنفسها حق تنفيذ الاعدام به،وبوسائل لا تقل ارهابا عما تزعم به.
في العام 2001 اصدر مجلس الامن قراره الشهير رقم 1373 والذي جعل دول العالم وحكوماتها بمثابة النيابات العامة لدى الولايات المتحدة الامريكية بهدف تسليم كل من يشتبه به ارهابيا، اما اليوم فيبدو ان اميركا واسرائيل قد تخلتا عن هذا القرار ، واعطت لنفسهما حق القاء التهمة واصدار اوامر القتل والتنفيذ دون المرور حتى في ابسط قواعد الدفاع عن النفس، انها حقا سخرية اعطاء حق الحياة والموت في مرسوم جمهوري، تلك هي عولمة الارهاب وعولمة الاقتصاص!.