13‏/05‏/2010

دبلوماسية المآدب النووية بين العقوبات والعقبات

دبلوماسية المآدب النووية بين العقوبات والعقبات
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية في 13-5-2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com
في وقت تتحضر مجموعة الست لتقديم مشروع عقوبات هذا الاسبوع عبر مجلس الامن لمواجهة البرنامج النووي الايراني، عمدت طهران عبر وزير خارجيتها،منو شهر متكي ،الى جمع اعضاء مجلس الامن لعشاء نووي في محاولة للتخفيف من تخصيب النتائج المتوقعة للحراك القائم حاليا في الأروقة الدولية.وبصرف النظر عما يمكن ان تقدمه او تنتجه تلك المآدب،ثمة وقائع وملاحظات يمكن ان ترصد في اتجاهات متعددة من مواقع القرار في هذا الملف.
في المبدأ،يعتبر هذا الاجتماع سابقة دبلوماسية ايرانية تمكنت من تحقيقها في وقت يشتد خناق الضغط الدولي عليها،وإن كان يبدو من غير فاعلية تذكر لجهة النتائج المتوخاة او المرغوب فيها.فمن حيث الشكل وبصرف النظر عن المستوى ، يعتبر اللقاء الاميركي الايراني هو الأول من نوعه منذ الثورة الاسلامية على الاقل لجهة العلنية او الآلية المتبعة في اللقاءات الدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول. وفي مطلق الأحوال ثمة اهداف ايرانية يأتي في مقدمها محاولة كسب الوقت وتسجيل مواقف على هامش مؤتمر دولي دوري يتعلق بجوهر ازمتها مع الغرب،علاوة على انها من قبيل احراج المجتمع الدولي بالكثير من القضايا ومن بينها ربط البرنامج النووي الايراني في سلة مشروع اخلاء منطقة الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل،والمعني به "اسرائيل" تحديدا.
في مقابل ذلك،ان تلبية الولايات المتحدة لهذه النوعية من المآدب ولو كان عبر مستوى دبلوماسي متدنٍ،يعكس رغبة اميريكية برغماتية معتادة في تعاطيها مع ادارة الأزمات الدولية، وفي مطلق الأحوال هو تعبير آخر عن مسك العصا من النصف بهدف التحكّم بالخطوات القادمة التي تتهيأ للقيام بها.فمن الناحية النظرية ان المشاركة لن تقدم او تؤخر في المواقف الاستراتيجية المتخذة او التي ستتخذها، ومن الناحية الواقعية والعملية تعتبر واشنطن هذه الخطوة بمثابة السلفة السياسية المسبقة الدفع للدول التي لا زالت تعارض سرا وعلنا مشاريع العقوبات المؤذية على ايران والمقصود هنا تحديدا روسيا بشكل عام والصين بشكل خاص.
لقد استنفدت ايران خلال المرحلة الماضية كامل وقتها المستقطع من عمر ازمة برنامجها النووي،وهي عمدت في اللقاء الدبلوماسي الى محاولة استجرار الوقت الاضافي عبر اشراك الدبلوماسية البرازيلية في آلية التخصيب المقترحة،وهي لعبة ذكية ذات اتجاهات متعددة،فالبرازيل التي تخلت عن برامجها النووية طواعية هي العضو الرابع في تجمع الـ "بريك" الذي يضم ايضا الصين وروسيا والهند والذي يعتبر ايضا أكبر تجمع دولي لجهة المساحة وعدد السكان والناتج القومي،فبهذه التوليفة السياسية النووية محاولة لكبح الجماح الامريكي باتجاه الضغط على كل من الصين وروسيا لتأييدها في مشروع العقوبات القادم من جهة، ومحاولة ايرانية للظهور بمظهر الدولة دائمة البحث عن الحلول الاقل كلفة للمجتمع الدولي،وبالتالي احراج مجموعة الست في مشروعها امام مجلس الامن.
ان طبيعة المرحلة المقبلة التي يمكن ان تتحكم في مسار مشروع العقوبات ربما تكون مختلفة عن سابقتها،فواشنطن على سبيل المثال تتهيأ لرفع العقوبات عن اربع شركات روسية متهمة بخرق قرارات العقوبات على ايران،وهي بمثابة الرشوة السياسية – الاقتصادية لموسكو لثنيها عن المواقف المترددة وغير الواضحة في مجاراة الموقف الامريكي في هذا الشأن،فهل ستكون هذه الرشوة قابلة لدفع موسكو باتجاهات أكثر تشددا ووضوحا في المرحلة القادمة؟ بخاصة ان ما تسعى اليه واشنطن هو فرض عقوبات تطال مختلف الشرائح الاجتماعية الايرانية وهي محاولة للضرب على اليد التي تؤلمها،بخلاف نوعية العقوبات السابقة التي لم تؤثر على التركيبة السياسية الاجتماعية للنظام السياسي الايراني.
في أي حال، ثمة عقوبات قادمة بصرف النظر عن حجمها وشكلها ونوعيتها، او بمن سيمشي بها او يصل الى نهايتها، لكن المشكلة ليست في العقوبات تحديدا ،بل بالعقبات التي يمكن ان تواجهها لجهة الأطراف الرئيسيين المعنيين بها كموسكو وبكين مثلا،او بأطراف دوليين آخرين مستفيدين من خلال علاقات تجارية واقتصادية مع ايران، وفي هذا المجال يُسجل قانون داماتو الامريكي الساري المفعول منذ العام 1996 والتي تمكنت طهران من بلعه وهضمه خلال عقد ونصف من الزمن.
لقد لعبت ايران لعبة مالية اقتصادية داخلية ذكية جدا، عبر محاولة خصخصة مشاريع متعلقة بتكرير النفط الذي يعتبر جوهر الأزمة النفطية الايرانية ، وهو القطاع الذي ستصوّب عليه العقوبات مستقبلا، وكأنها محاولة ايرانية لتفريغ العقوبات القادمة من مضمونها وآثارها الداخلية المحتملة من جهة، ومحاولة للظهور بمظهر الدولة التي تُوَجّه العقوبات ضد شعبها لا ضد نظامها.
ان الحراك القائم حاليا،لا ينبغي حرف النظر عما يتداول به من امكانية قيام مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبحث البرنامج النووي الاسرائيلي من ضمن مشروع دول عدم الانحياز لتخلية الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل،باعتباره مشروعا يمكن البناء عليه لمعالجة كافة الملفات ذات الصلة بالبرامج النووية سلمية كانت ام عسكرية؛وهو تحدّيا كبيرا للمجتمع الدولي الذي لا يزال يكيل بمكيالين. فسياسة الغموض النووي التي تتبعها اسرائيل باتت امرا غير مقبول من وجهة نظر القوانين والشرائع الدولية التي تحكم سير عمل الوكالة،فهل ستتحرك فعلا وتجبر اسرائيل على اخضاع منشآتها للتفتيش ام ستظل خارج اطار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقّع عليها حتى الآن 189 دولة من اصل 192 دولة تنتمي الى الامم المتحدة؟
ان مصداقية عمل الوكالة الدولية على المحك كما مصداقية جميع الدول الفاعلة في النظام العالمي وهو امر مشكوك فيه أصلا،فإلى اي مدى ستنجح العقوبات المفترضة؟ وما هي سر العقبات التي ستواجهها؟ وهل ان دبلوماسة المآدب كافية لتأجيل المواجهة الكبرى؟ ام ان سياسة الغموض "الاسرائيلي" النووي ستظل قائمة؟ ان اصرار "اسرائيل" على خيار الحسم العسكري للبرنامج النووي الايراني يظهر أن غربانا سودا تلوح في افق المنطقة،الامر الذي يستدعي مزيدا من فن الطهي في المطابخ الدبلوماسية وكواليسها.