07‏/04‏/2011

مآل الثورات العرية ودروسها غير المستفادة

مآل الثورات العربية ودروسها غير المستفادة نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 7-4-2011 www.drkhalilhussein.blogspot.com قبل قرن من الزمن تقريبا تهيأت ظروف كثيرة، مهّدت لحراك شعبي عربي شعاره التحرّر والاستقلال عن الحكم العثماني، الذي استمر زهاء أربعة قرون، ورغم قوة المد القومي العارم في العديد من الأنحاء العربية ،لم تُحقق الآمال بفعل تخاذل الحلفاء وتقسيم المناطق العربية وفقا لاتفاق سايكس - بيكو، الأمر الذي أدى إلى نشوء حراك سياسي اجتماعي ضمن الأقطار العربية رفع شعارات الاستقلال مجددا عن الدول المنتدبة،وبذلك طغى همُّ الاستقلال عن أي همٌّ آخر ولو كان متعلقا ببنية النظم السياسية الاقتصادية التي ينبغي الوصول إليها لحكم البلاد العربية،وهو أمر من الناحية المنطقية مقبولا بشروط. مضت عقود، ونالت غالبية الأقطار العربية استقلالها،ببنى سياسية اجتماعية مشوهة،ما أفسح المجال لظهور أحزاب وحركات قادت ثورات داخلية تغيَّر فيها الكثير من الأنظمة وتعاقب على حكمها أشخاص حكموا عقودا طويلة أخرى بشعارات لا تختلف عن شعارات المرحلة التي انقلبوا عليها والتي كانت سببا لوصولهم للسلطة. ما ميَّز تلك المرحلة غياب تداول السلطة إلا بفعل الانقلابات العسكرية،أو بفعل انتخابات تشبه أي شيء سوى الانتخابات.ما أسَّس لوضع سياسي اجتماعي لطالما سعى سرا وعلنا إلى تغيير واقع سئمت منه الناس بفعل موجات الفشل الداخلي، والنكسات والهزائم الخارجية. ثورات العرب اليوم،ربما تعبِّر عن واقع مؤلم، لكل ثورة خصوصيتها رغم ما يجمعهم من قضايا وجوانب، لكن الأخطر في ذلك ان ما يجمعهم أيضا عدم وجود رؤى واضحة أو برامج وحتى قدرات لتسلّم السلطة اذا تمكّنت من حسم وضعها في سياق حراكها ضد أنظمتها.انطلقت الثورتان التونسية والمصرية ،ورغم ما تحقق لا زالتا تبحثان عن بر الأمان لشعبين لا زال كل منهما على يقين بأن مآل ثورته لا يزال بعيدا.في تونس لم يستقر الوضع على هدف الثورة،بل ان قياس الحراك الشعبي يثبت عدم إيمانه بمجريات الأمور الحاصلة. فيما وضع الثورة المصرية لا يقل قلقا وارتباكا ،تقديمات وتنازلات متدرِّجة لم تشفي غليل المطالبين بالتغيير، وكأن ثمَّة من يقول أن أدوات السلطة السابقة لا زالت تتحكم بمفاصل الأمور،في وقت اعتاد المصريون على يوم الجمعة عنوانا للاحتجاج. في المقلب الآخر من نماذج الثورات العربية، اليمن غير السعيد بنظامه لا زال يكابد دون آفاق لشبه الحسم كما الثورتين المصرية والتونسية.فيما الثوار الليبيون لا زالوا أيضا في حالة انعدام الوزن وغير قادرين على حسم الكثير من المواقع التي تحسب عليهم أصلا. وفي بلاد الشام، حراك سوري غير معروف الأبعاد والآفاق وحتى الخلفيات، فيما الشباب اللبناني يُحرِّك ساحاته من بوابة إلغاء الطائفية السياسية. وتبقى معظم الساحات العربية الأخرى غربا وشرقا،تنتظر دور آت ربما يحمل المزيد من المفاجآت ربما غير المتوقعة. باختصار حركة بلا بركة في كل مكان، وكأن ثمة دروس غير مستفادة من ماضٍ مليء بالتجارب التي يمكن الاستفادة منها، فأين تكمن مشكلة الثورات العربية؟ وهل من حل لحسمها؟ طبعا من الصعب تقديم حلول ناجعة لأوضاع عمرها عقود ان لم تكن قرون. لكن الاستفادة من وقائع معيّنة ربما تبدو أكثر احتمالا، مع الاعتراف مسبقا بأن أي حل ليس بالضرورة ان يكون ملائما لوضع آخر. ففي مصر مثلا ثمة قدرة وسوابق من بينها ثورة 1952 على الملكية وما استتبعها من متغيرات بعد العام 1954 وأيضا 1956،حيث تم قلب النظام رأسا على عقب ذلك بفعل البرامج والتوجهات والأفكار،ورغم اختلاف الظروف والوقائع تبدو الاستفادة ممكنة في هذا المجال.فيما التجربة الليبية في العام 1969 بدت وكأنها مرحلة لإدارة أزمة شعب ينقصه الكثير للاستفادة من تجارب غيره وبالأخص جيرانه. فيما الحراك اليمني غير قادر حتى الآن على الاستفادة من تجاربه الخاصة إبان حالة اليمنين.فيما الحراك في الدول العربية الأخرى لا زال في مرحلة جس النبض السياسي للسلطة وإمكانية صمودها في وجه الحراك أم لا. وبذلك يبدو جليا،أن مجمل الثورات العربية حتى الآن لم تخرج عن إطار المحاولات التي يصعب الاتكاء عليها بهدف تغييرات جذرية كما يريدها الشعب.وبصرف النظر عن قدرتها أم لا، ثمة حاجة للاستفادة حتى من الثورات العربية وغير العربية التي لم تتمكن من تحقيق المأمول منها. إن تتبع مسار ومصير هذه الثورات التي وإن بدت عفوية،ينذر بمصير غير وردي،سيما وأن قياداتها وأحزابها وحتى شعاراتها لا زالت أسيرة عدة الشغل السياسية التي سادت الخمسين سنة الماضية. وحتى لا نكون نحن العرب أسرى لخمسين سنة قادمة،علينا تفحص أوضاعنا ومعرفة ماذا نريد ومدى قدرتنا من الاستفادة من السوابق لرسم أجندات قابلة للتحقق بأقل الأثمان الممكنة. في أي حال انطلق التسونامي العربي، ومن الصعب إيقافه، وجل ما يمكن التعامل معه محاولة استيعاب تداعياته ونتائجه، ذلك أمر ليس بالبسيط أو القابل للتحقيق بيسر وسهولة. وإنما يستلزم الكثير من دقة البصر والبصيرة والتبصر في مستقبل امة كتب عليها الحركة بلا بركة وبخاصة في مجالات التغيير.