06‏/12‏/2011


القراءة الإسرائيلية لما هو آتٍ
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 6/12/2011
ثمة إجماع لدى صانعي القرار في إسرائيل،ان متغيرات دراماتيكية سريعة تتفاعل في المنطقة،وأنها ستؤثر بشكل جدي على موقعها ودورها ومستوى فعاليتها، وصولا إلى تصورات تلامس وجود الكيان،في حال وصلت هذه التغيرات إلى مستويات يصعب ضبطها وتداعياتها.ولا تبدو هذه التغيرات حديثة العهد،بل تعود إلى انقلاب المشهد والدور التركي في المنطقة، ومحاولتها التأثير في مسار بعض القضايا ومنها العربية تحديدا،كما على مستوى العلاقة الإستراتيجية التي كانت تربط أنقرة بتل أبيب. وليس بخاف على احد ان إسرائيل تتوجس خيفة من تصاعد احتمالات تشكل محاور جديدة، أو اقله إعادة بناء فواعل ومحاور قديمة تسهم بزيادة تراجع نفوذها وسطوتها في المنطقة.
وما يعزز هذه المخاوف الإسرائيلية، تخبط الولايات المتحدة الأمريكية بمشاكلها الداخلية والخارجية، وتنامي الدور التركي في المنطقة، وتصاعد عوامل التوتر في المنطقة بعد سلسلة الثورات العربية،وغياب الصورة الواضحة لدى الإسرائيليين عن احتمالات المرحلة القادمة.
ففي الجانب الأول، تعتقد إسرائيل ان واشنطن لم تعمل بما يجب ان تفعله لمنع سقوط نظام حسني مبارك، الأمر الذي عزز ولو نسبيا جبهة إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس والذي سيزداد تماسكا بعد إكمال الانسحاب الأمريكي من العراق هذا الشهر، حيث أعطت فرصا واضحة لاهتزاز صورة العرب المعتدلين في تفاعلات المنطقة.وما ضاعف من تنامي هذه التصورات السياسات التركية التي اعتبرتها تل أبيب عملية انتقال من ضفة سياسية إلى أخرى، في ظل غزل سياسي واضح بين طهران وأنقرة سابقا وتدني نسبه حاليا،مفاده العمل على عدم عزل إيران في المنطقة مقابل،قيام قاعدة ثلاثية الأبعاد تجمع كل من تركيا وإيران ومصر،وفي ذلك عملية حصار من وجهة النظر الإسرائيلية. فإسرائيل لم تخف قلقها من التحولات الحادة في السياسة الخارجية التركية، والتي سعت في فترة من الفترات إلى تهميش الدور الإسرائيلي، ومحاولتها إقناع الغرب بقدرتها على تشكيل محور إقليمي بقيادتها لا يؤدي بالضرورة إلى الإضرار بالمصالح الإستراتيجية له، ولا يعتمد على إسرائيل أيضا. وما عزز الاعتقاد الإسرائيلي،تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ، بعد زيارته لطهران في ديسمبر عام 2009 ، قائلا "إن التعاون التركي - الإيراني قادر على ملأ الفراغ في المنطقة، ويظل هذا الجهد غير كاف، ما لم تنضم مصر إليه لتصبح الضلع الثالث في مثلث القوة في الشرق الأوسط". ووفقا لبعض السيناريوهات الإسرائيلية عن توجهات السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 25 يناير، قد يكون ما قاله أردوغان حلما تحاول مصر ترجمته واقعيا، وعندها ستجد إسرائيل نفسها في حالة عزلة وفي مواجهة تهديد امني ووجودي.
إلا ان ما يقلص هذه المخاوف، أن الثورات العربية ، وبالتحديد المصرية،لم تنتج حتى الآن صورا واضحة يمكن البناء عليها، كما أن كافة المحاور الإقليمية الجدية المحتمل التفكير في تكوينها ،ستعاني من مظاهر الضعف والتوترات، الناجمة عن عدم التجانس الثقافي والمذهبي، وحتى العرقي والقومي بين أطرافها. كما أن ما يحدث في سوريا حاليا، لا يقود بالضرورة إلى تقوية المعسكر الذي تقوده إيران، بل قد يؤدي نتائج معاكسة. وفي مطلق الأحوال، ترى إسرائيل أن من مصلحتها حاليا، وفي المدى المنظور وفي ظل عدم قدرتها على التأثير في مجريات الأحداث الراهنة، حماية حدودها بقوتها الذاتية . وفي الجانب الآخر، تحاول الضغط على كل من تركيا وإيران لضرب تحركاتهما الهادفة لبناء محاور إقليمية تحت قيادتيهما، عبر العمل على تقوية العلاقات الإسرائيلية مع اليونان، وبلغاريا، وقبرص، وأذربيجان، أو بدعم التحركات الانفصالية للأكراد في تركيا وإيران وسوريا. وربما تمتد محاولات إسرائيل للتضييق على فرص إقامة محاور معادية لها بواسطة تركيا وإيران إلى ضرب طموحات البلدين لتوسيع أنشطتهما التجارية في إفريقيا أيضا.
هذه الصور الافتراضية اذا جاز التعبير، لا يلغي بالضرورة التحسّب الإسرائيلي الدائم لما هو أسوأ، وبالتالي دوام جهوزيتها لشن الحروب الاستباقية،في الزمان والمكان الذي يناسبها طبعا،دون مراعاة أي ظرف طالما ان مصالحها الحيوية مهددة وبخاصة الوجودية منها. ورغم ذلك ثمة كوابح في العقل الباطني اليهودي الجماعي القائم على الترقب والانقضاض.
فمنذ العدوان الثلاثي على مصر،ثمة قناعة تامة لدى اليمين الإسرائيلي، بشقيه العلماني والديني، أن الأزمات الدولية، الناجمة عن صراع إقليمي في الشرق الأوسط، ينبغي ان يجبر إسرائيل الانكفاء على نفسها رغما عنها، وهذا الموقف يتماهي بالأساس مع أحد مكونات الشخصية اليهودية تاريخيا، القائمة على أن العالم غالبا ما ينقسم بشكل واضح إلى معسكرين: اليهود والجوئيم / الأغيار. ، وليس ثمة خيار أمام اليهود في هذا الوضع إلا المراقبة لما يجري والاستعداد لما هو أسوأ: أي البقاء على الحدود، يد للبندقية، وعين للمراقبة. إنها الرموز الأقوى لحركة الاستيطان التي تأسس عليها الكيان.