13‏/11‏/2012

اوباما في ولايته الثانية

اوباما في ولايته الثانية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 18/11/2012

ثمة اعتقاد شائع بأن أي رئيس امريكي في ولايته الثانية سيكون أكثر تحررا في سياسته الخارجية والى حد ما في الداخلية. إلا ان الأمر مختلف إلى حد بعيد. فعلى الرغم من ان مطلق رئيس يطبع ولايته بسمات خاصة يمكن ان تميزه عن غيره،إلا ان صناعة السياسة والقرار في الولايات المتحدة الامريكية تخضع للعديد من المؤثرات ، وبالتالي لا يبقى للرئيس سوى هوامش قليلة للتحرك في حدود لا تعتبر متفلتة إلى حد بعيد.فهناك قوة الشركات الصناعية العسكرية وعالم المال والاقتصاد ، واللوبيات على مختلف انواعها قادرة على فرملة اي جنوح عن السياسات العامة المرغوب فيها.
وفي أي حال من الأحوال ،ثمة العديد من التحديدات التي ستواجه الرئيس باراك اوباما في ولايته الثانية،بدءا من الملفات الداخلية ، وانتهاءً بالملفات الخارجية ، وهي بطبيعة الأمر تعتبر من الملفات المهولة التي تقف وجه أي ادارة تحكم الولايات المتحدة ديموقراطية كانت ام جمهورية.
في الملفات الداخلية ثمة عناوين من الصعب ان تجد لها حلولا بأكلاف سياسية وشعبية مقبولة. فالبطالة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة،اضافة إلى الدين الخارجي الذي يصل إلى 14 الف مليار دولار وهو الأعلى في تاريخ الدول قاطبة، علاوة على الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الذي يشكل الاقتصاد الامريكي جزءا اساسيا منه. جميعها مؤشرات لا توحي بانطلاقة جديدة مريحة لأوباما في ولايته الثانية،سيما وان المقرر الداخلي في الشؤون الاقتصادية والمالية هي السلطة التشريعية الممثلة بالكونغرس الذي يسيطر عليه الآن كما في الولاية السابقة الجمهوريون وليس الديموقراطيين.
في الملفات الخارجية ثمة معطيات ووقائع لا تقل حساسية عن الملفات الداخلية ، فإدارة اوباما الديموقراطية مثلا تمكنت من الخروج من المأزق العراقي ووعدت بحلول أخرى في الملف الأفغاني وفيما ظل ملف الصراع العربي الاسرائيلي من الملفات الدائمة على جدول كل من الحزبين الديموقراطي والجمهوري،إلا ان الادارتين لم تتمكنا حتى اليوم من الوصول إلى حل ما للقضية المركزية المتعلقة بفلسطين وحل الدولتين الذي وعد به اوباما في حملته الانتخابية الاولى.
اضافة إلى ذلك ان مستجدات الواقع العربي وما حصل فيه خلال الفترة السابقة من انهيار لبعض الانظمة التي اعتبرت حليفة لها، وعلى الرغم من تأييد إلادارة الامريكية للحراك القائم في غير مكان عربي ، لم تكن ادارة اوباما واضحة في التعاطي مع بعض الملفات ومنها الأزمة السورية ومن المتوقع ان لا تتغير المواقف في الولاية الثانية ،بالنظر لارتباط الأزمة السورية بالعديد من الملفات الدولية الأخرى ومنها علاقة واشنطن مع كل من موسكو وبكين على سبيل المثال لا الحصر.
كما ان ملف البرنامج النووي الايراني يشكل تحديا من نوع آخر لإدارة اوباما في هذه الفترة المصيرية من عمر هذا الملف، فأوباما الذي سلك الطرق الدبلوماسية لإيجاد مخارج لملف يقلق تل ابيب أكثر مما يقلق واشنطن، بات من الملفات التي تحدد مستوى حرارة العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل ، فهل سيتمكن اوباما في ولايته الثانية من تلميع صورته امام الجمهور الاسرائيلي ،بعدما فقد ثقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي وصل إلى حد المجاهرة بتأييده لخصمه ميت روميني على خلفية معالجة ملف البرنامج النووي الايراني؟
لقد بدأ اوباما ولايته الأولى العام 2008، في وقت كانت السطوة الأمريكية في ادارة النظام العالمي في أوجها ، ويبدو جليا ان ثمة بعض المتغيرات التي تؤشر إلى تراجع هذا الدور نسبيا،فهل سيتمكن اوباما في ولايته الثانية من تحقيق ما عجز عنه في الأولى ، ان فواعل النظام العالمي والأطر والآليات التي تتحكم فيه بدأت تتغير لغير مصلحة واشنطن وهذا ما تعززه سلسلة مواقف الادارة الامريكية من بعض الملفات الاقليمية والدولية التي لم تكن فاعلة فيها على النحو السابق.
وبصرف النظر عن هذه التحديات وما يمكن ان يقدم من ادارة سياسية لتخطيها، يبقى ان تسجل لاوباما سابقة الوصول إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية وهو من اصول افريقية – إسلامية ، علاوة على سابقة بقاء رئيس ديموقراطي لولاية ثانية بعد الحرب العالمية الثانية ، بعدما سبقه بيل كينتون إلى هذه الميزة. علاوة على ذلك ان بقاء اوباما في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى ، لا يعني بالضرورة ان ثمة استمرارية لسياسته وبالتالي ان معجزات ستحصل، لقد خطف اوباما بريق النصر ليس بفعل انجازات استثنائية ، بل جل ما في الأمر ان عدة عوامل تقاطعت في اعادة انتخابه، من بينها اصوات الاقليات ومنها العربية ، وأصوات الاقلية اليهودية الامريكية بعكس اماني بني جلدتهم في إسرائيل ، اضافة إلى شريحة ملفتة كالاناث العازبات،وهي اشارات ملفتة إلى المتغير الاجتماعي الذي يجتاح المجتمع الأمريكي ومن بينها أيضا ما سجل من تقدم لعناوين تبدو غريبة أيضا كمواضيع المثليين وتشريع تعاطي المارجوانا في ولايتين، فعلا انها الديموقراطية الامريكية التي تبدو جلية في الداخل ، وباهتة أو تكاد لا ترى في السياسات الخارجية ، انها اميركا !.