23‏/11‏/2012

سوران عبدالله / العقوبات الذكية

اسم المؤلف: سوران عبدالله
اسم الكتاب:العقوبات الذكية
الناشر: منشورات الحلبي الحقوقية /2013

قدّم له
الدكتورخليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
وجامعة بيروت العربية
يعتبر الغوص في قضايا العلاقات الدولية ووسائل حراكها من اعقد الأمور وأصعبها على إي باحث متمرس في اختصاصه.وصديقنا الأستاذ سوران إسماعيل بنديان،قرَّر بداية دخوله معترك الدراسات العليا المتخصصة في العلاقات الدولية ، البحث في المستجدات منها؛ فخاض تجربة الكتابة في أدق المواضيع ، ومنها وسائل التأثير في سلوك الآخرين كالقوة الناعمة وبعدها القوة الذكية.
وفي واقع الأمر، استخدم الإنسان ومجتمعاته البشرية منذ القدم، أساليب ووسائل مختلفة لإجبار الآخرين على الخضوع لرغباته بمختلف أوجهها.وبينما اشتهرت القوة المادية بينها،انتشرت فيما بعد وسائل أخرى منها الدبلوماسية والسياسية، واتخذت أيضا أشكالا مختلفة باختلاف الظروف وموضوعاتها.
لكن المجتمعات البشرية وأنظمتها،كانت في سباق مستمر مع ابتداع الوسائل لتنفيذ رغباتها.فأنشأت عصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة،وبينها مئات التنظيمات والأحلاف الإقليمية والدولية، بهدف تنظيم العلاقات الدولية ووضع أسس التعامل من خلالها للحفاظ على هذا النظام الدولي أو ذاك؛وبهدف عدم الخروج عن تلك مبادئ التنظيم الدولي، ابتكرت صنوف كثيرة للإكراه،من بينها الحصار الاقتصادي،وصولا إلى استعمال القوة العسكرية.
لكن الحسابات الدقيقة ، أثبتت للمجتمع الدولي، ان التخلي عن استعمال القوة في بعض الحالات، ربما هو أجدى وانفع لمجموع البشرية ومجتمعاتها،فلجأت إلى ما سمته العقوبات الذكية،باعتبارها تصيب فئات مستهدفة بعينها، دون ان تصيب فئات أخرى لا ذنب لها.
في واقع الأمر ،تمَّ استخدام هذه الوسائل في غير مكان من دول العالم ومجتمعاتها، وكان أبرزها زمانيا،في العقد الأخير من القرن الماضي وما تلاه،ومكانيا في الدول التي نشبت فيها نزاعات وحروب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه،هل أصابت هذه العقوبات هدفها؟أم ان خلفيات أخرى وقفت وراء استعمالها؟
في الواقع أيضا،ربما تتعدد الآراء والإجابات في هذا الخصوص،بحسب وجهات النظر الإيديولوجية التي يُنظر من خلالها للسؤال وموضوعاته،لكن بصرف النظر عن تلك الإجابات، ثمة مظاهر من الصعب تجاهلها أو القفز عنها،ومفادها ان العقوبات الذكية لم تنتج مفاعيل ذات وزن وقيمة في العلاقات الدولية، بل أسهمت في تظهير صورة ربما تبدو مغايرة للمبتغى منها، وهي ان ثمة قوى في النظام العالمي السائد قد طوّرت وتفنّنت في أساليب تعاملها مع الآخرين ،بهدف الإخضاع أو الابتزاز ، وفي النتيجة كان ما لها.
ان تجربة العراق مثلا وإيران وليبيا وكوريا قبلها،أثبتت ان ثمة ظلما قد لحق بالكثير من الشعوب قبل أنظمتها،وان الفئة المستهدفة بالعقوبات كانت قادرة على تجاوزها بيسر وسهولة،بينما كانت إسقاطات تلك العقوبات الذكية غالبا ما تصيب الفئات الشعبية التي لا حول لها ولا قوة.
طبعا ان تلك الاستنتاجات لا تعني بالضرورة عدم فائدتها،لكن المهم في هذا الإطار شرعية العمل أولا،وكيفية تطبيقه ثانيا، وفعاليته للوصول إلى الأهداف المرجوة ثالثا.وفي كل تلك الحالات لم تكن العقوبات الذكية حتى الآن محل احترام وتقدير الكثيرين من المتخصصين في العلاقات الدولية ومتابعيها،بسبب عدم تمكنها من الوصول إلى أهداف محددة بعد تطبيقها.
ونحن هنا لسنا بالضرورة من هذه الفئة أو تلك في معرض تقييمنا لهذا الصنف من الوسائل القسرية الناعمة،بقدر ما هو محاولة لتوصيف واقع الأمور بعد تجارب مريرة أصابت ملايين البشر التي أصابتها تلك العقوبات.
ثمة ضرورة لإيجاد البيئة الشرعية لتبرير إي عمل يمكن ان يوجه إلى طرف ما،وهنا يكمن جوهر الموضوع.فقد تمَّ اللجوء إلى هذا النوع من الأنواع القسرية،بهدف التخفيف من حدة الرأي العام الدولي لما يمكن ان تنتج وسائل القوة العسكرية؛لكن ان مقاربة بسيطة لنتائج أي قوة مادية استعملت سابقا،مع تلك الذكية،ستظهر عدم الفروق الكبيرة.بل ان العقوبات الذكية ربما تكون في بعض الحالات أشد خطرا وأكثر قساوة،وأقل فعالية من غيرها.
في مطلق الأحوال، ان القوة الناعمة ومن بينها القوة الذكية،هي من المواضيع والمصطلحات الحديثة نسبيا في علم العلاقات الدولية،وتستلزم الجهد والوقت الكبيرين لانجاز بعض جوانبها وتداعياتها وخلفياتها.والمهم هنا محاولة زميلنا وصديقنا الأستاذ سوران إلقاء الضوء عليها وتبيان أهم ما يحيط بها،باسلوب علمي وأكاديمي موضوعي،وهي ميزة قلما وجدت في المفكرين من أبناء مجتمعاتنا الشرقية التي تحتاج إلى الكثيرين من أمثاله بجديته وموضوعيته وأفقه السديد.
لقد كان هذا العمل بمثابة التحدّي الكبير لمتخصص امتلك بيئة علمية قانونية، ورغم ذلك توصّل صديقنا إلى معطيات ونتائج جديرة بالتوقف عندها ومتابعتها.وهذا ما فعله هو نفسه،حيث قرَّر الخوض مجدَّدا بهذا الموضوع بإطارات ورؤى جديدة ضمن تحضيره لأطروحة الدكتوراه.وهذا ما شجعني في الحقيقة على الوقوف جانبه في الإشراف والمتابعة باعتباره شخصا لامعا في مجال اختصاصه وعمله ومحيطه.
أخيرا،كلني ثقة ان هذا العمل الذي تشرّفت بالتقديم له، سيكون بداية لافتة لأعمال ومؤلفات أخرى سينجزها بالتأكيد. كل المنى بالتوفيق للصديق العزيز، الذي عوّدنا دائما التصدي للتحدّيات التي يهرب منها آخرون كُثر.
أ.د.خليل حسين 
 بيروت: 10/5/2012