08‏/01‏/2014

2014 عام التحديات والاستحقاقات الشرق اوسطية

2014 عام التحديات والاستحقاقات الشرق اوسطية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت : 24/12/2013
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 27/12/2013

      في عام واحد تجمعت كل تفاصيل التحديات القلقة في منطقة هي اشد المناطق حساسية في العالم. فكان العام 2013 من الاعوام التي فرضت ارادتها على غير نظام اقليمي ومنها العربي ، المرتبط اصلا بفواعل اقليمية غير عربية. تحديات واستحقاقات نوعية ينتظرها العام 2014 في ظل متغيرات تبدو متسارعة وغريبة وغير مفهومة في احيان كثيرة.
      في المقلب العربي اولا ، ثمة ثلاث سنوات من عمر الحراك الذي تفشى في غير نظام ، وبدا وكأنه الملهم والمخلص لمجتمعات رزحت عقودا ودهورا تحت اوضاع لا تعرف سبيلا للهروب منها،فكانت وقائع محاولات التغيير وبالاً لم تتمناه يوما ؛ مزيدا من الانهيارات في النظم القائمة ، انقسامات عمودية مجتمعية هائلة وصلت إلى حد الحراب الاهلي بمختلف تلاوينه العرقية والاتنية والطائفية والمذهبية، انهيارات اقتصادية ومالية غير مسبوقة، باختصار انحدار متسارع نحو الهاوية ،في وقت لا زالت الحلول مسدودة الأفق ، في ظل بروز ظاهرة الارهاب بمختلف اوجهها في مجتمعات عربية كثيرة.
      في سوريا وليبيا واليمن والعراق حيث لغة القتل والدم هي السائدة، ودول اخرى تنتظر دورها كالسودان ولبنان وبعض دول المغرب العربي كما بعض دول مشرقها، في وقت تفوح رائحة حراك المؤتمرات التي تؤجج الخلافات والانقسامات بدل تهدئتها. والمفارقة الاغرب في هذا الاطار ان بعض مشاريع الحلول ومنها مؤتمر جنيف السوري 2 مثلا رُبط فيه اكثر من أزمة اقليمية عربية وغير عربية ، حتى بات انعقاده مشكلة بحد ذاتها قبل ان يكون مشروع حل. فأولى تحدياته تكمن في كيفية فصل الازمات لا ربطها ، في وقت لا زالت الفواعل الاقليمية تبحث عن وسائل التعقيد والاشتباك فيه ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ربط الازمة السورية باللبنانية.
      في المقلب الاسرائيلي يبدو ان العام 2014 سيكون عام  الاستحقاقات العسكرية والأمنية هروبا من السياسية ، حيث تتجه إلى مزيد من الحشر والضغط ، هزائم متتالية ، في ظل عدم تقديم الجديد في اطار السلام المفترض على غير جبهة عربية وبخاصة الفلسطينية ، في وقت لا زالت ترزح تحت ضغط خلل في موازين القوى المعنوية بعد هزيمتي 2006 مع المقاومة اللبنانية و2009  مع المقاومة الفلسطينية في غزة. في وقت تحاول اسرائيل تعويض هذا الخلل في حفلة التقاتل والانقسامات العربية الذاتية والموضوعية. لذا هي مضطرة للميل باتجاه خطوات تشكل نوعا من التحدي الاضافي ، وبالتأكيد لن تقدم اي تنازل في اي ملف ، بقدر ما سيكون توجها نحو خيارات امنية وعسكرية اعتادت عليها لكسر التوازنات التي لا تكون طرفا قويا فيها، وفي هذا المجال تحديدا من الصعب التوجه في المدى المنظور باتجاه الاستحقاق الايراني مثلا ، لعدم الاجماع الغربي وبالتجديد الامريكي، وبالتالي ان الاتجاهات المحتملة نحو النقطة الاضعف وهي الجهة الفلسطينية اولا بعد تعثر مبادرة كيري الاخيرة ، وكذلك المزيد من الضغوط باتجاه الازمة اللبنانية والسورية معا.
       في المقلب الايراني ، ثمة استحقاقات وتحديات قوية تلامس جوهر الاستراتيجية السياسية والأمنية والعسكرية التي بنى النظام علاقاته وتحالفاته عليها وبخاصة في العقد الأخير. فاتفاق الاطار الموقع مع الدول الست بدأ تعداد التنازل العكسي فيه، فالنصف الاول من العام 2014 سيكون عام اتخاذ القرارات الصعبة وبخاصة الملف النووي الذي بات هامش المناورة فيه يضيق شيئا فشيئا. لقد دخلت طهران ما يشبه صفقة العصر مع الغرب ، هي بحاجة لإعادة ترتيب اوراقها في ظل ضغوط اقتصادية داخلية وازنة جراء العقوبات المفروضة ، وكذلك اضطرارها لتقديم برامج حلول واضحة في غير ملف سياسي وامني في المنطقة ، من بينها ملف الازمة السورية وربطا اللبنانية كما اليمنية والبحرينية على سبيل المثال لا الحصر ، ناهيك عن جملة الاجوبة على الاسئلة المثارة في علاقاتها مع الدول العربية الخليجية.
       في المقلب التركي،ثمة تحديات وجودية لحزب العدالة والتنمية في السلطة ، بعد تمدد تركيا في غير ازمة اقليمية ، اذ بدت غير قادرة في الوقت الراهن عل ادارة الازمات الداخلية والخارجية التي زجت نفسها بها، وبالتالي هي امام استحقاقات كبيرة من النوع الذي يعيدها إلى حجمها الاقليمي المفترض. ما يعيد خلط الاوراق الاقليمية وبخاصة الفواعل الوازنة كإيران وإسرائيل .
       وسط كل ذلك ،ثمة بوادر لمتغيرات دولية في اطار اعادة رسم نسيج نظام دولي جديد ، بدأ يتجه نحو تعدد الاقطاب ، بعد انحسار وضمور المد الامريكي في غير منطقة ،منها الانسحاب من العراق وقريبا من افغانستان ، وصولا إلى ضغط  مجموعة البركس بقيادة روسيا ونسبيا الصين. ما يدفع غير لاعب اقليمي على لعبة الشد والجذب لتحسين المواقع وشروط التفاوض.
      العرب ربما هم الوحيدون في عالم اليوم ، الذين بحاجة إلى اعادة قراءة متأنية  لمجمل ظروفهم الذاتية والموضوعية ، بهدف العودة إلى تاريخهم الضائع وجغرافيتهم التي تكاد تهرب منهم أو يطردون منها.باختصار نحن مضطرون  للإجابة على تحديات واستحقاقات وجودية ، منها اي انظمة حكم نريد ؟ كيف الوصول إليها ؟ اين نحن من المتغيرات الدولية الهائلة ؟ كيف نبني مجتمعاتنا ؟ وقبل كل ذلك كيف نبني عقولنا وسلوكنا ؟ اسئلة لا تكاد تنتهي مع عام يحمل كل انواع التحديات والاستحقاقات الوازنة في حياة الامم والشعوب!