27‏/01‏/2016

عقد من التألق الاقتصادي والاجتماعي

عقد من التألق الاقتصادي والاجتماعي
الخليج الاماراتية 7-1-2016
د.خليل حسين
قلة هي الدول والمجتمعات التي تمكنت من القفز بخطوات نوعية وبفترات قياسية، إلى مستويات ريادية بين الدول المتقدمة، ويأتي ذلك كنتاج لسياسات اقتصادية واجتماعية رشيدة، قادها على مدى عقد من الزمن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، إذ تركت بصماته الواضحة في جعل إمارة دبي مركزاً لاستقطاب استثماري هائل، جعلها ثانية الاقتصادات العربية، وهو رقم يعبر عن معجزة في تنفيذ السياسات، وسط متغيرات وعواصف اقتصادية في غير مكان من العالم.
لقد استندت رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التنموية، إلى تراث تاريخي من التخطيط الواعد، واعتماد سياسات تنموية مستقبلية رائدة، حيث تمَّ استخدام العائدات النفطية في وقت مبكر، لتمويل مشاريع لافتة، مثل مجمع ميناء جبل علي لتعزيز ميناء راشد، إضافة إلى تنويع الموارد الاقتصادية، ما جعل إمارة دبي إحدى أفضل مدن دول الخليج العربية، والتي اعتبرت نموذجاً اقتصادياً متنوع الموارد، الذي أثبت نجاحه في تطوير أصول الإمارة من البنى التحتية بمستويات متسارعة، كما ثبت أسساً اقتصادية غير نفطية، يعتمد على التجارة والسياحة، ما أعطاها ميزة تنافسية إقليمية رئيسية، ما أتاح لها استقطاب المهارات العالية وتعزيز الأنشطة الاقتصادية غير النفطية. كما أصبحت الإمارة محوراً إقليمياً في مجالات التمويل والنقل والإمداد، تتيح الاستفادة من النمو الاقتصادي للدول المجاورة بطريقة مستدامة.
إن عشر سنوات من القيادة الحكيمة لسموه شكلت نقلةً نوعيةً في العمل الحكومي، فأصبحت الإمارة، المثال والمثل، حيث تمَّ إرساء مفاهيم استثنائية في الإدارة الحكومية الفعّالة والحوكمة والشفافية، وشكلت رؤية سموه طوال العقد الماضي منارةً نقلت إمارة دبي ودولة الإمارات إلى عهد جديد من النمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، فكان التحفيز والتشجيع والإبداع والابتكار والتميّز أبرز سمات العقد الماضي.
إن الموقع المتميز الذي حققته دبي في خريطة الاقتصاد الإقليمي والدولي، هو نتاج لعوامل مركبة، تأتي في مقدمتها الرؤية الإستراتيجية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وإصراره على إيصال دبي إلى مركز متقدم للمال والأعمال ونموذجاً رائدا للمدن الطموحة، وقد تُرجمت تلك الرؤية إلى توجيهات سديدة من سموه لمختلف الفعاليات الاقتصادية في الإمارة، للعمل على تحويل تلك الأهداف إلى برامج عمل واضحة المعالم، ممثلة بخطة دبي 2021، التي هدفت إلى حشد الطاقات والموارد والإمكانات لتلبية متطلبات التنمية المستدامة.
وما يعكس توجهات سموه في التنمية المستدامة، أرقام الموازنة للعام 2016 التي خلت من العجز للعام الثاني على التوالي، حيث تم التركيز على تطبيق سياسة مالية حكيمة، تهدف إلى رفد عملية النمو الاقتصادي بما يؤدي إلى رفع الكفاءة للأجهزة الحكومية، وبهدف تقديم أفضل الخدمات في مجالات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والاستمرار في تعزيز البنية التحتية لتكون الأفضل على مستوى العالم، ما ساهم في حصول دولة الإمارات على المركز الأول في مؤشر السعادة على الصعيد الإقليمي، وهو نتاج لدعم النمو من خلال زيادة النفقات بنسبة 12% عن العام السابق، الأمر الذي يدفع بالاقتصاد الكلي للإمارة إلى مستويات نمو قد تتجاوز ما هو مخطط له، وقد زادت إيرادات رسوم الخدمات الحكومية، التي تمثل 74% من الإيرادات الإجمالية الحكومية، بنسبة 12% مقارنة بالعام المالي 2015. كما وصلت الإيرادات الضريبية إلى 19% من إجمالي الإيرادات الحكومية، وهي تشمل الجمارك وضرائب البنوك الأجنبية. فيما تمثل الإيرادات النفطية 6% من الإيرادات الحكومية للإمارة، رغم أن الإيرادات النفطية الصافية انخفضت بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي يعكس مدى تجاوز اقتصاد الإمارة لمرحلة النفط.
كما أظهرت أرقام توزيع النفقات الحكومية أن بند الرواتب والأجور وصل إلى 36% من إجمالي الإنفاق الحكومي، ما يعكس حرص الحكومة على دعم التوظيف، ودعم الموارد البشرية، إضافة إلى إتاحة أكثر من ثلاثة آلاف فرصة عمل جديدة في العام المالي 2016.
أما المصاريف العامة والإدارية والمنح والدعم فوصلت إلى 45% من إجمالي الإنفاق الحكومي في موازنة 2016، ما يؤكد حرص سموه على الحفاظ على تطوير المؤسسات الحكومية ورقيها، ودعمها لتقديم أفضل الخدمات الحكومية للمواطنين، كما تعكس دعم الحكومة للهيئات والمؤسسات الإسكانية والأنشطة الرياضية والجمعيات ذات المنفعة العامة والجمعيات الخيرية والإعلام. كما خصصت حكومة دبي 14% من الإنفاق الحكومي لتطوير مشاريع البنية التحتية، والعمل لبناء بنية تحتية متميّزة تُسهم في جعل الإمارة جاذبة للاستثمار، وتظهر أرقام موازنة العام المالي 2016، اهتمام الحكومة بمواصلة التعامل الجادّ مع القروض، عبر توجيه 5% من إجمالي الإنفاق لخدمة الدين، دعماً للاستدامة المالية للحكومة.
كما يُبيّن استعراض توزيع النفقات الحكومية على مستوى القطاعات الرئيسية، مدى اهتمام الحكومة بالإنسان، استرشاداً برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، التي تعتبر «الإنسان الثروة الحقيقية للوطن». ويمثل الإنفاق على قطاع التنمية الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان وتنمية المجتمع والابتكار 37% من الإنفاق الحكومي، وقد اهتمت حكومة دبي بدعم الخدمات الاجتماعية من خلال مواصلة دعمها لصندوق المنافع العامة لدعم الأسر المعيلة، ورعاية الأمومة والطفولة والمعاقين ورعاية الشباب والأندية الرياضية. كما أفردت حكومة دبي اهتماما خاصا لدعم المعرفة الابتكار، وتخصيص موارد محدّدة لدعم الابتكار وجعله ثقافة مجتمعية.
لقد شكَّل العقد الماضي معجزة محققة، تمثلت بنقل إمارة دبي إلى مراكز اقتصادية واجتماعية وسياسية مرموقة، وذلك بفضل السياسة الرشيدة والحكيمة التي قادها ورعاها ودعمها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وسط عواصف تعجز عن مواجهتها دول كبيرة. فعلاً إنها مقدرة كما أنها معجزة.
* أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/659abee2-32d0-4dca-951f-5037103fac96#sthash.e0joR0U6.dpuf