27‏/01‏/2016

لبنان يكرر تجاربه

لبنان يكرر تجاربه
الخليج الاماراتية 9-12-2015
د.خليل حسين
لم تكن انتخابات رئاسة لبنان يوماً، بمعزل عن التدخلات الخارجية، بل يمكن القول، إنها المرجحة في تغليب فريق على آخر، وفي أحسن الأحوال ترك مساحة ضيقة للبنانيين للخيار بين تسويات جلها خارجية.
والتدقيق في جميع مفاصل الانتخابات الرئاسية، تثبت أن لبنان واللبنانيين كانوا في معظم هذه المحطات يذعنون لقرار ما، ولو بعد جولات عنف كبيرة.
ربما يكون اليوم ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة ضربة معلم، إن لجهة الشخص أو الفريق السياسي الذي ينتمي إليه، والمفارقة هنا تكمن أن الكتل الوازنة في فريقه السياسي، لا تدعم ترشيحه وتربط السير به في كلمة الحليف الآخر ميشال عون، المرشح الأبرز للفريق الذي ينتميان إليه، وهو أمر يبدو حتى اليوم متعذراً بل يكاد يكون مستحيلاً بالنظر لطبيعة الترشيح الذي أتى من الفريق الآخر، علاوة على الالتزام الأدبي المعطى إلى ميشال عون في هذا المجال.
والمفارقة الأغرب، تكمن هنا في تكرار تجربة الحفيد مع تجربة الجد الرئيس سليمان فرنجية في 23 أيلول العام 1970. ففي تلك الحقبة انقسم اللبنانيون بين فريقين متوازنين في الثقل الانتخابي الداخلي، والثقل السياسي الخارجي. الحلف الثلاثي الذي ضم الكتائب والأحرار والكتلة الوطنية وهي كتلة وازنة مهيمنة، مقابل مرشح الشهابية إلياس سركيس، فيما الأحزاب اليسارية والقومية، لم يكن لها دور مقرر آنذاك، سوى كتلة الراحل كمال جنبلاط، الذي أدار اللعبة الانتخابية بذكاء وحنكة ما أوصل سليمان فرنجية الجد للرئاسة بفارق صوت واحد فقط.
آنذاك قسّم جنبلاط أصوات كتلته بين الفريقين المنافسين، وفي اللحظة الأخيرة رجّح صوته، بإبعاد الفريق الشهابي عن الرئاسة التي شغلها لفترتين متواليتين، ورغم ما يقال إنها الانتخابات الرئاسية الوحيدة التي جرت في لبنان دون تدخل خارجي، ثمة العديد من القرائن والأدلة التي تثبت، أن قطبة مخفية نسجها الخارج الإقليمي، لرسم تلك الصورة التي أخذت لبنان إلى مكان آخر من الحرب الأهلية، التي ما زالت تداعياتها تمزّق لبنان حتى الآن.
يلعب اليوم وليد جنبلاط دور المقرر الوازن بين فريقين سياسيين كبيرين في لبنان، الدور الذي لعبه والده في انتخابات العام 1970، فهل ستكرر انتخابات الحفيد مع الجد. في المبدأ، وإن تختلف التكهنات حول تقاطعات إقليمية ودولية كبيرة على اسم سليمان فرنجية كمرشح تسوية، إلا أن دون ذلك عقبات كثيرة، من بينها، أولاً معارضة فريقه السياسي، وثانياً تشتت قوى 8 و14 آذار بين مؤيد ومعارض، ما خلط الأوراق بشكل غير طبيعي، بحيث انقلبت المواقف رأساً على عقب، وثالثاً عدم قدرة الفرقاء اللبنانيين على تلقف الفرصة المتاحة إقليمياً ودولياً لفتح ثغرة في آليات انتخابات الرئاسة.
ثمة من يقول في لبنان، إنه إذا لم يتم استغلال هذه التسوية المتاحة، ستتجه الأمور في لبنان إلى أوضاع سيئة جداً، وسيتم الانتخاب بالدم، وهو مصطلح شائع حول انفجار الأوضاع الأمنية، وهي حالات مماثلة للعديد من المحطات في تاريخ لبنان السياسي المعاصر. ففي العام 1988 مثلاً لم تجر انتخابات رئاسية في 23 أيلول بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، وطرحت تسوية مخايل الضاهر بمواجهة ميشال عون أو الفراغ، عُين ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية، ما لبث أن دخل لبنان نتيجة ذلك في صراعات مريرة، انتهت بتسوية الطائف بعد دماء كثيرة سالت في لبنان. فهل ما يطلق اليوم من مواقف ستكرر التجارب السابقة ؟
يعج لبنان اليوم، بكثير من أسباب الانفجار، وما يجري اليوم سوى مقدمات محفِّزة لصور سوداء، فهل يعي اللبنانيون ذلك، أم أنهم كعادتهم سينخرطون برضاهم نحو السيناريوهات الأسوأ، ثمة في لبنان من يقول، إن اللبنانيين لا خيارات ولا هوامش واسعة لهم للمناورة، وهم كعادتهم يجرون أنفسهم إلى الأماكن التي يدّعون كرهها والهرب منها، وهم في هذا المجال خبيرون ومحترفون!
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/65685596-96ca-4331-ad74-d177b8f37823#sthash.Du4vXGV6.dpuf