المرأة
وكوفيد 19
د.خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت:
26/11/2020
اصابت تداعيات فايروس كورونا قطاعات
وشرائح اجتماعية متعددة ومتنوعة، الا ان المرأة نالت قسما إضافيا من هذه التداعيات
التي تبدو في كثير منها عالية التأثير على وضعها الاسري والسلوكي والعملي، إضافة
الى علاقتها ومقاربة أوضاعها بغيرها من الفئات الاجتماعية الأخرى.
أولى التداعيات وأكثرها ظهورا هو العنف
الممارس عليها بمختلف انواعه وأشكاله، باعتباره الأكثر تعبيرا عن التماس الاجتماعي
الأسري، والأكثر إمكانية بحكم نوع وحجم العلاقة التي تحكم اوضاعها الاسرية
والاجتماعية في طبيعة تواجدها مع غيرها، فهي المواجه الأول في الأسرة وتقع عليها
ردود الأفعال الأولى على أي موقف يتخذ أو يُفرض بصرف النظر اذا كانت مشاركة فيه ام
لا، والغريب ان نتائجه وتداعياته تتحملها عنوة بصرف النظر عن قدرتها او مسؤوليتها
عن ذلك، إضافة الى ذلك يشارك المرأة في هذه التداعيات القسم الأكبر من الأسرة بمن
فيهم الاطفال والرجال ، ولكن تقع التبعات عليها بشكل اشد قسوة ، وتتطلب قرارات
وسلوكيات اكثر جرأة وتطرفا من قرارات يمكن ان يتخذها الرجال. ونتيجة لذلك، تبدو
المرأة الأكثر تأثرا بواقعها المستجد والذي تكون في اغلب الأحيان تواجه مصاعب
ومواقف تتطلب مزيدا من المواقف التي تتطلب حسما وجرأة ومخاطر ، وهي في نفس الوقت تُحمّل
النتائج السلبية قبل الإيجابية، وعليها تقع إعادة استيعاب التداعيات وإعادة تكوين
المسارات السلوكية الاسرية والاجتماعية.
وفي لغة الأرقام، تحملت المرأة الجزء
الأكبر من البطالة الناجمة عن تداعيات الفايروس، لجهة الحجر وتغير أساليب العمل ونوعه
وكيفيته، وتجاوزت هذه التأثيرات معدلات النصف، ذلك في مختلف المجتمعات والنظم السياسية
والاجتماعية، ما أثَّر في طبيعة علاقاتها الاسرية والاجتماعية، اذ بدت الطرف
الأضعف والأكثر تأثرا بهذه التداعيات، والظاهرة الأشد خطرا هي تراجع الحقوق
المكتسبة التي نالتها في العقود الماضية، وباتت في وضع أعيدت لنصف قرن الى الوراء.
لقد تجاوز عدد الوظائف التي خسرتها المرأة
الثلاث مئة مليون وظيفة ونتائج هذه الخسارة مرتبط أولا وأخيرا بجزء من
استقلاليتها الاقتصادية وما سيرتب عليها من مواقف وضغوط نفسية واسرية واجتماعية لا
تحصى. ، واللافت في هذه الاحصائيات ان الدول والمجتمعات المتقدمة اقتصاديا أصابها
هذه التداعيات أكثر من غيرها، فمثلا فقدت النساء ما يزيد عن 850 الف وظيفة في
الولايات المتحدة الأميركية وحدها خلال الستة اشهر الأولى من انتشار الوباء،
والأمر مرشح للتصاعد في فترات زمنية مضطردة وهو مؤشر سلبي يصعب احتواء آثاره
المستقبلية لجهة إعادة تركيب التوازن النوعي في تركيبة الإنتاج واستغلال القدرات
بين الجنسين.
ان إعادة تركيب السلوك النسوي لجهة
الأوقات التي باتت تمضيها مع الأسرة له عوامل إيجابية كثيرة، لجهة إعطاء المزيد من
الوقت للتواصل الاسري وعمليات التأثير التربوي المباشر نتيجة التماس والتواجد، الا
ان ذلك اوجد متاعب سلوكية واضحة على علاقاتها مع قرينها، كما وتتضاعف ظهور
السلبيات في حال لم تكن الاسرة تمتلك قدرات ثقافية وعلمية تساعدها على تجنب
المشاكل او التخفيف من آثارها او حتى تخطيها، وهي في مطلق الأحول ان وجدت القدرة
على استغلالها وتحمّل تبعاتها فحجمها يبدو متواضعا، وسرعان ما يتلاشى مع كمية
الضغوط المنسابة داخل الاسرة او في علاقتها مع محيطها الأقرب.
ثمة تداعيات بأرقام صادمة تشي بمشاكل
وصعوبات بنيوية ستستهلك اوقاتا كثيرة قبل تصحيحها واستيعاب نتائجها الكارثية،
فحالات الانفصال والطلاق تضاعفت وباتت منتشرة بشكل واضح، وباتت تعتبر الحل الاهون
والأكثر رواجا للتخلص من الأعباء الاسرية، يقابل ذلك ظهور حالات انتحار تتجاوز
الأسباب المباشرة للفايروس، لتصل الى أسباب لا تفسير لها سلوكيا واجتماعيا، وهي
ظاهرة خطرة تنذر في حال انتشارها بشكل متسارع، الى تغيّر متسارع ومؤثر في البنى
السلوكية لمواجهة المصاعب والمشاكل الحياتية المعاشة.
لقد ضرب الفايروس إضافة الى الجوانب الصحية
للبشر، الجانب البنيوي للأسرة، وأصاب عامودها الفقري، بحيث باتت المجتمعات والأسر
مشلعة الأبواب امام تحديات من نوع جديد، أصاب البيئة المسؤولة عن المناعة
الاجتماعية والاسرية، وهو امر يشي بمخاطر تمسُّ السلوك البشري في صميم وجوده وحتى
الغايات التي وجد من اجلها. ربي احفظ لنا نصفنا الآخر.