26‏/03‏/2025

 

الدور البولندي في الازمة الأوكرانية

 د.خلبل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

21=3=2022

      ظل الوضع الجيوسياسي المميز لبولندا يتحكم في معظم الازمات الأوروبية، وان يكن هذا الدور لم بسعفها في الكثير من المحطات، فهي احدى الدول التي خرجت من الجغرافيا السياسيىة لاوروبا ثلاث مرات، قبل اعادتها الى الوضع الحالي، وغالبا ما كانت محط انظار القوى المهيمنة على القرارات الدولية عامة والأوروبية بخاصة، ومؤخرا أتت الازمة الأوكرانية لتعيد تسليط الضوء على دور بولندا المحوري من زوايا متعددة، ان لجهة الامن الأوروبي وتحديدا ما له علاقة بحلف الناتو، مرورا بالجانب الانساني المتصل باللاجئين وصولا الى إعادة ترتيب علاقاتها بالمجموعة الأوروبية وروسيا وبمختلف القوى المؤثرة حاليا في النزاع القائم.

       على ان هذا الدور الذي ربما لن يكون لها التأثير الفعلي فيه، بقدر ما هو دور مرسوم لها الدخول فيه، ما يرخي بتداعيات كثيرة على الواقع البولندي ذات الصلة بالتجارب السابقة، وهو في احسن الاحول سيكون دورا عابرا قبل ترتيب البيت الأوروبي لاحقا، وبصرف النظر عن قدرتها في التأثير من عدمه على واقع ربما تكون مرغمة عليه، نظرا للسياسات التي انتهجتها بعد وصول اليمين المتطرف الى الحكم مؤخرا.

       ويبدو من مجمل الوقائع الظاهرة حتى الان ان ثمة مسارا تتجه اليه وهو تكريس الدور الذي رسم لألمانيا ابان الحرب البارة خلال القرن الماضي ومحاولة المضي به كلاعب محوري في الحرب الباردة التي تحولت ساخنة عبر أوكرانيا ومن ورائها الغرب وروسيا.فبلواندا التي تعتبر من أوائل الدول التي جُذبت لحلف الناتو، بعدما كانت رأس حربة في الثورة على النظم الاشنراكية عبر نقابة عمال غدانسك في العام 1988 والتي اعتبرت المسمار الأول  في نعش تفكك الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشنراكية، تأتي اليوم لتقود تيارا يغلفه حلف الناتو بمواجهة روسيا في أوكرانيا،وهو امر لا يمكن لموسكو هضمه او القبول فيه حتى، بخاصة ان اصل المشكلة يبدو في خوف روسيا من التمدد الأطلسي اليها عبر كييف، وبخاصة ان الاستراتيجية الروسية حاليا تقوم على مبدأ محاولة هندسة الامن الأوروبي والعلاقة مع الناتو من البوابة الأوكرانية.

        فبولندا التي تشغل حدودا معتبرة مع أوكرانيا تصل الى 530 كيلومترا، إضافة الى عوامل كثيرة متنوعة، فسحت المجال واسعا لمراكمة قوتها العسكرية واللوجستية بمساعدات وازنة من الولايات المتحدة وهي لم تألو جهدا من الناحية العملية في الإيحاء بإمكانية استعمالها مباشرة في الحرب الدائرة حاليا، فيما تقدم كل المساعدات العسكرية واللوجستية للرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي وصولا الى الإيحاء بتشكيل حكومة اوكرانية انطلاقا من أراضيها، وهو ما يشكل استفزازا واضحا لموسكو لم تقبل به، والتي اوحث أيضا الى انها ستوسع دائرة الحرب لتصل الى أي مكان يقدم المساعدة لأوكرانيا،  وهو ما يعتبر تهديدا واضحا لبولندا في حال استمراها في تلك السياسات.

       في منتصف القرن الماضي كان لتقسيم المانيا وظيفة استراتيجية في المواجهة بين الشرق والغرب، حيث تمركز الثقل العسكري والأمني للولايات المتحدة وحلف الناتو في القسم الغربي من المانيا فيما ظل حلف وارسو في الحضن البولندي باسطا سطوته على القسم الشرقي من المانيا، واليوم تقوم وارسو على ما يبدو في تعزيز خطواتها للعب دور المانيا الغربية في حقبة الحرب الباردة، فهل ستستطيع وارسو حاليا القيام بهذا الدور في ظل حقبة المواجهات الساخنة حاليا؟ ثمة الكثير من المعطيات التي لا تبشر بحل سريع للازمة الأوكرانية ما سيتيح للمزيد من الانخراط الإقليمي والدولي في هذه المواجهة ومنها البولندي المندفعة بقوة نحو هذا الدور غير الواضح نهاياته حتى الآن,