23‏/03‏/2025

 

خمسون عاما من التقدم والرخاء

د.خليل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

21-11-2021

يصادف الثاني من ديسمبر/ كانون الاول اليوبيل الذهبي للعيد الوطني للأمارات العربية المتحدة، وهو حدث مفصلي في التاريخ الحديث والمعاصر لمنطقة الخليج العربي، لما مثل ويمثل هذا الحدث من انطلاقة  نوعية  ذات صلة بالتكوين السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمنطقة جيوسياسية تقبض على موارد وخيرات تعتمد عليها اكثر من نصف البشرية ودولها.

        وقد شكل اتحاد الامارات السبعة في العام 1971 ، تحدّيا نوعيا في ظل تحولات إقليمية ودولية  استراتيجية،  وتمكن الاتحاد وفي فترة قياسية صغيرة نسبيا من تقديم نموذج فريد لدولة تمكنت من تقديم رؤى خلاقة في الحكم والسلطة ، كما في العلاقات الخارجية في المحيطين القريب كما البعيد، ذلك بفضل رؤى مؤسس الاتحاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وخليفته رئيس الاتحاد الحالي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي نسج سياسات داخلية وخارجية نقلت الامارات نقلات نوعية ووضعتها في مصاف الدول المتقدمة .

       فقد تمكنت الامارات في المجال الاقتصادي  والتنموي، من تقديم صورة لنظام اقتصادي عصري انطلاقا من التنوع وصولا الى اقتصاديات الرقم والمعرفة ، والذي نقل بدوره دولة الامارات  الى مصاف المجتمعات والدول الطامحة للعب أدوار ريادية ذات شأن للإنسانية والبشرية. فالإمارات التي انتقلت وبقفزات لافتة من دور دولة الرعاية لجهة  الموقع والحجم في الاقتصادين الإقليمي والدولي، توجهت بخطوات ذات ثقة عالية في تكوين وانشاء مجتمع السعادة والرفاهية ، وهو طموح تتهيب له دول عظمى وتخشى من متطلباته وامكاناته؛ ورغم  ذاك وفي ظل انتشار جائحة كورونا مثلا تابعت الدولة خططها وتقديماتها لتكريس وتثبيت مظاهر الرفاهية والسعادة في مجتمع متعدد الثقافات والرؤى، وهو احد التحديات الكبرى لأي نظام في ظل ظروف صحية واقتصادية وتجارية ضاغطة جدا. وفي واقع الأمر، فالسعادة والرفاهية تتطلب اضاقة الى الاقتناع ، القدرة  على تأمين الظروف الموضوعية لذلك، وهي أمور يصعب ضبطها او السيطرة عليها بسهولة ويسر، ورغم ذاك تخطت الامارات تلك المصاعب والتحديات ونقلت مجتمعها الى شعب مُرفّه وسعيد في ظروف استثنائية وواقع ضاغط.

        والامر لم يقتصر على الواقع الداخلي الاجتماعي ، بل تعداه الى عوالم أخرى،  الى الفضاء الخارجي ، عبر امل وطموح تمكنت أيضا من تحقيقه بفعالية عبر الوصول الى كوكب المريخ بواسطة مسبار الأمل، وهو انجاز علمي مشهود وعبر كوادر إماراتية متخصصة تخصصا عاليا ودقيقا في هذا المجال، وهو امر يتطلب تصميما وقدرات ومتابعات حثيثة  للوصول الى هدف نوعي محدد كالوصول الى كوكب المريخ، وهو بطبيعة الحال امل قد تحقق وبات جزءا من إنجازات نوعية تحاول الامارات مراكمتها والبناء عليها لمجتمع طموح وقادر ، يشارك قادة يتقنون كيفية التعامل مع المستجدات والظروف العادية والاستثنائية على حد سواء.

        لقد تخططت الامارات العربية المتحدة الكثير من الصعوبات المتصلة بالمحيط الجغرافي الحساس والدقيق، وتمكنت في اصعب الظروف وأشدها تعقيدا من نسج سياسات وسطية جمعت حولها بيئات وكيانات متباينة ومتناقضة أيضا في مصالحها ورؤاها، ورسخت سياسات بدت صعبة ان لم تكن مستحيلة مع اطراف يصعب تقاطع مصالحها، ذلك بفضل واقعية سياسية اتسمت بالهدوء وبُعد النظر، ففي عز الازمات وأشدها تعقيدا وتداعيات ، حافظت الامارات على مسافات واحدة من اطراف يصعب جمعها، بل وبدت في كثير من الأحيان قادرة وبكفاءة عالية على تحقيق إنجازات يشهد لها ، عجز الكثيرون عن تحقيقها.

         ان تقييما موضوعيا ودقيقا لمسار الاتحاد خلال خمسين عاما، يثبت ان الامارات اجتازت امتحانات تحسب دولا عظمى حسابات لها، وباتت الامارات حاليا في وضع الدولة التي كرست لنفسها مواقع إقليمية ودولية ريادية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وثمة من يطلق على هذا النهج والسلوك مدرسة يمكن الركون اليها للوصول الى أماكن وآفاق غير مسبوقة.