أزمة ناغورنو كراباخ
د. خليل حسيذن
رئيس قسم العلاقات الدولية
والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت:30/9/2020
رغم
ان الجانب القانوني للصراع الأرمني الأذربيجاني، حول اقليم ناغورنو كاراباخ
المتنازع عليه واضح المعالم، إلا أن مصالح القوى الكبرى جعلت منه صراعاً ممتدا له
ابعادا إقليمية ودولية في منطقة سيطر عليها روح العداء بين الأرمن والأذربيجانيين،
ومرد ذلك العداء أسباب عرقية ودينية وتاريخية، بخاصة إبان سيطرة الإمبراطورية
العثمانية على تلك المناطق قبل عدة قرون. إلا إن تفجر الصراع في إقليم ناغورنو
كاراباخ تحديدا تعود إلى عشرينيات القرن الماضي.
ويعود الصراع العسكري والقانوني إلى العام
1991، عندما أعلنت كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما عن الاتحاد السوفياتي، وكان
إقليم ناغورني كاراباخ قد ضُم إداريا إلى جمهورية أرمينيا في العام 1923 إبان حكم
ستالين، رغم وقوعه في قلب أذربيجان، وفي المقابل ضم ستالين إداريا منطقة ناختشيفان
الواقعة جغرافيا في قلب أرمينيا والتي تقيم فيها غالبية أذرية إلى أذربيجان.
وفي العام 1993 أعلن الأرمن من سكان
ناغورنو كاراباخ استقلالهم عن دولة أذربيجان وتم الإعلان عن قيام دولة جديدة
منفصلة بعد عقد استفتاء تمت مقاطعته من قبل الأذربيجانيين القاطنين بالإقليم.وقد
أدلت الأغلبية الساحقة من الناخبين بأصواتهم لصالح قيام جمهورية مستقلة في ناغورنو
كاراباخ، ما أدى إلى نشوب النزاع المسلح حول الاقليم، ما بين أرمينيا وأذربيجان،
حيث قتل الآلاف وشرد مئات الآلاف بسبب النزاع، إلا أن الحرب توقفت العام 1994، وما
جرى يعتبر انهيارا لاتفاقية الهدنة التي وقعت في بيشكيك عاصمة قرغيزستان في 5 مايو/
ايار 1994.
ووفقا للقانون الدولي يعتبر اقليم ناغورنو
كاراباخ من الناحية القانونية جزءا من أراضي أذربيجان. وطالما أن الأمم المتحدة لم
تعترف بالإقليم كدولة مستقلة، فإن أي تدخل عسكري يشكل انتهاكاً للفقرة الرابعة من
المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على أن "يمتنع أعضاء الهيئة
جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة
الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم
المتحدة".
إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن منطقة أراد
غالبية سكانها الأرمن الانفصال عن أذربيجان، لكن المحاولة الانفصالية غير معترف
بها دولياً حتى الآن، ومهما يكن من أمر، فإن هذه المنطقة الساخنة هي من مخلفات
الحرب الباردة، وانعكاس لتضارب المصالح الجيوسياسية والعرقية بين روسيا وتركيا
وأرمينيا وأذربيجان وإيران.
ويمكن تصنيف هذا النزاع المسلح بحسب
القانون الدولي الإنساني، على انه نزاع مسلح دولي في شقه المتعلق بين أرمينيا
وأذربيجان، ونزاع مسلح غير دولي في شقه المتعلق بين أذربيجان وبعض السكان الأرمن
الذين يقطنون اقليم ناغورنو كاراباخ، الذي يعتبر أرضا أذرية وفق القانون الدولي،
كما أن السكان يعتبرون أذربيجانيو الجنسية على الرغم من انتمائهم لاثنية الأرمن.
إن صعوبات التوصل إلى حل سلمي تبدو كثيرة، في ظل
ضعف الحوافز التي يمكن البناء عليها للوصول إلى حل يرضي رغبات شعب الدولتين، علاوة
على معوقات أخرى كالتنافس التركي الروسي ، حيث تدعم موسكو الموقف الأرمني ، وفي
نفس الوقت تستفيد من ثراء أذربيجان، فتكتفي ببيع السلاح لها. فضلاً عن مواقف إيران
لاعتبارات تاريخية ومذهبية، إضافة إلى مصالح الولايات المتحدة الأميركية صاحبة
النفوذ في تلك المنطقة الاستراتيجية والغنية.كما لا يمكن
ابعاد النزاع التركي الفرنسي المستجد في
المنطقة.