26‏/03‏/2025

 

النظام الانتخابي في لبنان ونتائجه

د.خليل حسين

10-11-2022

      لا يوجد نظام انتخابي معياري معتمد عالميًا. ثمة عدة أنظمة انتخابية. وأهم ما يميز أي نظام انتخابي هو قدرته على تمثيل الشرائح والاتجاهات السياسية العاملة في المجتمع ، فكلما كان تمثيله أوسع كان النظام أكثر قوة وقدرة وفعالية.

        وتختلف الأنظمة الإنتخابية المعتمدة في العالم، بإختلاف الأنظمة السياسية، ويمكن التمييز بين ثلاثة أنظمة انتخابية أساسية هي: نظام الإنتخاب الأكثري في دورة واحدة أو في دورتين ، ونظام الإنتخاب النسبي الذي اعتمد في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة ، والنظام المختلط بين الأكثري والنسبي. أما الدوائر الإنتخابية فتكون على أساس الدائرة الفردية أو الدائرة الموسَّعة.

 

أولا : نظام الانتخاب النسبي

      انتشر هذا النظام في معظم دول العالم، حيث طبِقته معظم الدول الأوروبة. وهو يؤمن لكل حزب نسبة في التمثيل البرلماني تعكس نسبة الأصوات التي حصل عليها، ما يُعزّز مفهوم المساواة والعدالة في التمثيل الشعبي. ويتلازم اعتماد هذا النظام مع اعتماد الدائرة الموسَّعة وليس الفردية.



     ويؤدي نظام الانتخاب النسبي إلى توزيع المقاعد البرلمانية في إطار الدائرة الانتخابية بين القوائم أولًا، ثم بين المرشحين ثانيًا.

     وتجري عملية التوزيع على مرحلتين: في المرحلة الأولى يتم التوزيع على أساس الحاصل الانتخابي، وهذا الأخير هو نتيجة قسمة عدد أصوات المقترعين في الدائرة الانتخابية على عدد المقاعد النيابية، بحيث تحصل كل لائحة على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي نالتها.

        ويؤمن نظام الانتخاب النسبي العدالة الحسابية في توزيع المقاعد النيابية، ويسمح بالتعددية الحزبية، وبتمثيل كل حزب في البرلمان بحسب نسبة الأصوات التي حصل عليها. وهو بالتالي يعكس التنوع السياسي في الدولة واتجاهات الرأي العام، ويُسهم في تمثيل مختلف القوى السياسية والاجتماعية، فيحصل كل فريق على حقه وينال حصة من المقاعد تعادل حصته من مجموع عدد المقترعين، الأمر الذي لا يوفره النظام الأكثري. كما يسهم النظام النسبي في تحديث الحياة السياسية ورفع مستواها لأنه يحد من شخصنة الخيارات السياسية، ويُحفِّز على إنشاء الجبهات والتكتلات القائمة على أساس البرامج السياسية، وينمي الحياة الحزبية. كما أنه يُفسح في المجال أمام النخب السياسية الجديدة والقوى الاجتماعية الصاعدة لدخول البرلمان، ويدفع باتجاه إصلاح الحياة البرلمانية عبر التأثير في قيام كتل برلمانية منظَّمة، وفي إقامة تحالفات بينها بهدف تكوين أكثرية موالية تقابلها أقلية معارضة، وتكوين قاعدة صلبة لقيام حكومات مسؤولة على أساس برامج محدَّدة ومُعلنة وحائزة تأييد الناخبين. كذلك يُشجع على توسيع مشاركة الفئات الاجتماعية في تشكيل اللوائح الانتخابية، وقد أدى في أوروبا مثلًا إلى ارتفاع نسبة المشاركة النسائية في مجالس نواب الدول التي تعتمده إلى ثلاثة أضعاف ما هي عليه في البرلمانات المنتخبة على أساس النظام الأكثري.
ولعل الميّزة الأهم لنظام الانتخاب النسبي هي في أنه يقود إلى رفع نسبة المشاركة في الحياة العامة، عن طريق الانتخابات النيابية، لأنه يضمن لجميع المقترعين عدم ذهاب أصواتهم هدرًا، كونهم سوف يتمثلون في البرلمان أيًا تكن اللائحة التي اقترعوا لها. وهذا يحد من إمكان الشعور بالغبن أو الإقصاء لدى بعض الناخبين.

         أما سلبيات هذا النظام فليست قليلة، فبسبب تعدد القوى داخل الندوة البرلمانية، قد يتعذر تأمين الأكثرية اللازمة لقيام البرلمان بواجباته. كما أنه يعيق قيام حكومة أكثرية متجانسة ومستقرّة نظرًا إلى عدم وجود أكثرية نيابية متجانسة كما حصل غي الانتخابات اللبنانية الاخيرة. إضافة إلى ذلك يحد نظام الانتخاب النسبي من حرية الناخبين لأنه يرتكز على نظام اللائحة الحزبية الانتخابية، ولا يعطي الناخب الحرية في التعديل والتغيير والتشطيب. ويتطلَّب نظام الانتخاب النسبي اللجوء الى أساليب حسابية معقَّدة للتوصل الى تحديد ما يحصل عليه كل حزب من مقاعد، كما أنه يمنع اللجوء الى الانتخابات الفرعية لملء مركز نيابي شغر بوفاة أحد النواب أو إستقالته، وهو يؤدي إلى التركيز على المناطق والمراكز الانتخابية الكبيرة في قوائم الأحزاب وإهمال المناطق النائية. وعندما يكون عدد الأحزاب كبيرًا فإن التمثيل النسبي في البرلمان يؤدي إلى عدم استقرار سياسي.

 

ثانيا: نتائج انتخاب المجلس النيابي اللبناني

       يتألف مجلس النواب اللبناني من 128 نائبا مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. حيث بلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 41 بالمائة،.

     وتزامنت الانتخابات مع أزمات سياسية واقتصادية ومعيشية وصحية متشابكة غير مسبوقة صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وجاءت بعد انفجار مرفأ بيروت الضخم في آب 2022.

       وأظهرت قراءة النتائج الرسمية للانتخابات خريطة برلمانية جديدة للقوى الحزبية والسياسية مع غياب أية أكثرية وازنة لأي فريق.

       وعكست نتائج الانتخابات ثبات الكتل البرلمانية للثنائي حركة أمل وحزب الله رغم تراجع حضور حلفائهما نسبيا، مقابل تقدم كتلة حزب القوات اللبنانية وظهور كتلة جديدة لناشطي المجتمع المدني وحراك 17 تشرين الاول 2019 .

       كما تغيب عن برلمان 2022 كتلة تيار المستقبل، التي ضمت 19 نائبا في برلمان 2018 برئاسة سعد الحريري، الذي أعلن عزوفه وتياره عن المشاركة في الانتخابات.وقد توزعت المقاعد البرلمانية لتيار المستقبل على قوى وشخصيات سنية عدة، لكن ستة من أعضاء التيار السابقين خاضوا الانتخابات وتمكنوا من الفوز.

      وحافظت حركة أمل على كتلتها البالغة 15 نائبا، وكذلك بقيت كتلة حزب الله ثابتة على عددها البالغ 13 نائبا، إضافة إلى ثلاثة نواب حلفاء فازوا على لوائحه.

      فيما ارتفعت كتلة حزب القوات اللبنانية إلى 20 نائبا بعدما كانت 15 نائبا في انتخابات العام 2018.

      وأظهرت النتائج فوز التيار الوطني الحر بـ 18 نائبا بعدما كانت كتلته البرلمانية 12 نائبا.

      كما احتغظ  الحزب التقدمي الاشتراكي على ثبات كتلته البرلمانية البالغة تسعة نواب. أما حزب الكتائب اللبنانية فقد ارتفعت كتلته البرلمانية إلى 5 نواب بعدما كانت تضم في برلمان العام 2018 ثلاثة نواب.

      وفي مفاجأة كبرى، أظهرت نتائج الانتخابات فوز ناشطين في المجتمع المدني وحراك 17 تشرين الأول 2019 بنحو 18 مقعدا برلمانيا في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية.

      كذلك أفضت الانتخابات إلى زيادة عدد الشخصيات المستقلة عن الأحزاب في البرلمان، إذ ارتفع من 9 في برلمان العام 2018 إلى نحو 13 في البرلمان  الحالي

فيما منيت شخصيات وأحزاب سياسية بالخسارة بفعل انعكاسات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد على توجهات الناخبين.

     ومن بين أبرز الخاسرين طلال أرسلان، وفيصل كرامي، إيلي الفرزلي.

      وعلى صعيد التمثيل الحزبي يتمثل في البرلمان تيار المردة بنائبين، وحزب الطاشناق بثلاثة نواب، وحركة الاستقلال بنائبين، وجمعية المشاريع الإسلامية بنائبين، وكل من الجماعة الإسلامية والتنظيم الناصري وحزب الإتحاد وحزب الوطنيين الأحرار بنائب واحد لكل منها.

 

ثالثا: الخلفيات السياسية والاجتماعية التي أدت الى النتائج

      ثمة العديد من الأسباب والعوامل التي أدت الى تلك النتائج غير المتوقعة بهذا الشكل نسبيا، ومن بينها:

1.    الانهيار المالي والوضع الاقتصاذي:

           فقد عاني لبنان من تضخم هائل في حجم الديون الداخلية والخارجية، ما انعكس سلبا على الوضعين المالي والاقتصادي، وبالتالي على المصارف والتحولات التي اذت الى انهيار تام في الثقة المصرفية، فجرت تحويلات مالية ضخمة الى الخارج ما اثر على وضع الليرة اللبنانية بعد سلسلة انهيارات امام العملات الأجنبية ، ما  أدى الى تضخم مالي غير مسبوق  وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية الى مستويات مرعبة، كل ذلك أدى بدوره الى غلاء السلع الأساسية كالغذاء والمحروقات ، وتوقف التغذية بالتيار الكهربائي  كليا نتيجة عدم توفر الأموال اللازمة، ما أدى بدوره الى تغيرات كبيرة بالمزاج الشعبي تجاه  السياسات العامة للسلطة.

2.     الانقسام السياسي الحاد

      لم يسبق للمجتمع اللبناني وتياراته السياسية ان انقسم بهذا المستوى وبخاصة تجاه القضايا الوطنية الكبرى، فسرعان ما تتحول القضايا الاجتماعية مثلا الى حالات وصور ذات طابع طائفي ومذهبي وصلت في بعض الاحيان الى فلتان امني ومواجهات عسكرية، انذرت باشعال فتن مذهبية لولا وعي بعض رجالات الدولة كرئيس المجلس النيابي الذي لعب دور الاطفائي للحرائق المتنقلة في غير مكان. كما زاد الطين بلة الانقسام الحاد بين التيارات السياسية حول العديد من القضايا كقانون الانتحاب وتشكيل الحكومات واستغلال بعض القوى السياسية للسلطة التنفيذية لتمرير مشاريف انتخابية رئاسية، ما انعكس بدوره على التعاطي مع رئاسة الجمعورية مثلا، إضافة الى ذلك الانقسام حول العلاقة مع سوريا ودول الخليج، ما أدى أيضا الى فراق وتباين كبيرين في المزاج المتصل بالانتخابات النيابية.

3.    الفقر والنزوح والهجرة

      لقد أدى الواقع السالف الذكر الى  حالات عوز وفقر في الشرائح الاجتماعية حيث انهارت الطبقة الوسطى ووصل حجم الفقر الى مستويات صادمة تجاوز 90  بالمئة من مجموع الشعب اللبناني، الذي بات يعيش تحت خط الفقر ، وبات يغتمد في قوته على المساعدات الاجتماعية، اذ بات الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز العشرين دولارا شهريا. إضافة الى الغلاء غير المسبوق، وقد أدى مشروع زيادة أسعار تطبيقات الهواتف الخليوية الى انطلاق حراك اجتماعي كبير في السابع عشر من تشرين الأول 2019 ، لتكون بداية شرارة التغيير في الرأي العام.

      كما لعب وضع النزوح واللجوء السوري الى لبنان ابان الاحداث والذي بلغ حدود المليوني نازج أي ما يوازي نصف هدد سكان لبنان ، ما أدى الى تشكيل وضع اجتماعي اقتصادي تنافسي كبير، ما اثر على واقع العلاقات مع السلطة وبالتالي التأثير السلبي في الانتخابات.  كما برزت ظاهرة الهجرة اللبنانية غير المسبوقة عدديا، ما أثر أيضا على التركيبة الاجتماعية اللبنانية.

4.    عدم الجدية في الإصلاح السياسي

      أدى اهنراء المؤسسات  اللبنانية الى حالة من التفتت والانحلال في مؤسسات الدولة، ما انعكس على مستوى تعاطي المؤسسات الدولية مع لبنان، كثندوف النفد الدولي الذي طالب السلطات اللبنانية باجراء عمليات اصلاح في هيكلية النظام المالي والإداري للدولة قبل تقديم أي مساعدات مالية او قروض ميسرة. ما تسبب بالمزيد من الآثار الاجتماعية في الشأن الداخلي ومنها عدم الاكتراث بقضايا الانتخابات النيابة.

رابعا: تداعيات نتائج الانتخابات

     تركت نتائج الانتخابات النيابية تداعيات وازنة في الحياة السياسية اللبنانية، ابرزها:

1.    عدم تشكل المجلس النيابي من كتل كبيرة قادرة على تمرير المشاريع والاقتراحات بدون اتفاقات مسبقة، اذ برزت ظاهرة الكتل متوسطة الحجم وبالتالي حاجة الاتفاق بين ثلاث او اربع كتل كبيرة لتشكل اغلبية مطلقة او موصوفة.

2.    تعثر تشكيل الحكومة رغم اجراء استشارات نيابية ملزنة والاتفاق على شخص رئيسها،  الا ان التشكيل ظل متعذرا لتحكم بعض الافليات وحنى الاكثريات بمواقفهم.

3.    تعذر اجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، جراء عدم قدرة فريق سياسي لوحده في المجلس من تأمين نصاب الثلثين في الدورة الأولى.

4.    نجاح بعض المجتمع المدني والمستقلين وقدرتهم على التأثير النسبي في سياق عمل المجلس.

5.     ظهور بعض الكتل متوسطة  الحجم وقدرتها على ان تكون اصواتها مرجحة لفئة معينة ككتلة وليد جنبلاط مثلا .