26‏/03‏/2025

 

استشارات حكومة لبنان ومآلاتها

د.خليل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبناني

15-6-2022

       تنطلق الاستشارات النيابية اللبنانية الملزنة لتكليف رئيس  للحكومة بهدف تشكيل حكومة جديدة، ذلك في الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران الحالي، وسط ظروف استثنائية ضاغطة لجهة التوقيت المتاح وتقاربه مع استحقاقات أخرى، لا تقل أهمية عن التكليف والتشكيل. هذه الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية هي جزء رئيس من عملية تركيب السلطة في لبنان، وبخاصة بعد انتخابات تشريعية وقبيل وقت ليس ببعيد لانتهاء ولاية رئيس الجمهورية.

       وتأتي هذه الاستشارات المقررة بعيد ظهور تشكيلات نيابية جديدة، ربما قادرة على رفع الصوت الاعتراضي لكنها ليست قادرة على احداث تغييرات وازنة متصلة بالاوزان والاحجام الجديدة، التي تتصف بأكثريات متعددة ، لكن يصعب جمعها ضمن مواقف محددة، ما يشتت أدوارها المحتملة وبالتالي قدراتها على فرض مسارات محددة  باتجاه التغيير؛ سيما وان طبيعة الاستشارات النيابية هي ملزمة وينبغي الاخذ بها وعدم إمكانية تجاوزها او عدم الاخذ بها.

        في أي حال من الأحوال ، يمكن رسم صور تقريبية تشبيهية للاستشارات التي يبدو انها ستعيد تكليف رئيس الحكومة الحالي للتأليف، الا اذا حصلت معجزة وهي غير واردة في الحسابات الخارجية والداخلية، سيما وان المرشحين المنافسين، لا يملكون حظوظا وافرة للمنافسة. وبذلك، من المفترض ان يكلف الرئيس الحالي مجددا لتشكيل الحكومة ولو بمجموع أصوات اقل بما نالها عند تشكيل حكومته القائمة حاليا.

       واذا كان حجم التكليف لا يرقى الى مستويات سابقة، الا ان محاولة  التشكيل لن تشذ عن السياقات السابقة، فالاجواء السائدة  تشير الى عدم التوافق على احجام التمثيل في الحكومة العتيدة، او لجهة نوعية الوزارات ، ما يشي كالعادة بإطالة محاولة التشكيل اذا تمت من الأصل، وثمة من يحاول الجزم ان لا حكومة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، الامر الذي يعني ان حكومة تصريف الاعمال القائمة حاليا ستتابع عملها وتمارس معظم صلاحيات رئيس  الجمهورية بصفة مجتمعة.

        في المقابل سرت مؤشرات وتسريبات مفادها، ان ثمة محاولات لتسهيل التشكيل ولو بصيغ تعويمية للحكومة القائمة، أي إعادة تظهيرها مع بعض التعديلات التي تطال بعض الوزراء ، الا ان ما ظهر مؤخرا لم يعد هذا الخيار واردا ، سيما وان افرقاء اساسيون في التشكيلة القائمة ابتعدوا عمليا وواقعيا عن إمكانية تسمية رئيس الحكومة الحالي، ما يعني اشاحة النظر عن مجمل هذا السياق او ما يمت له بصلة. 

      وعلى الرغم من تعدد الأسماء ولو شكليا لتولي التكليف، الا ان ثمة رأي واضح للمضي بالخيار المشار اليه، رغم ضبابية التوصل الى مآالات التشكيل التي ستكون صعبة كما يبدو. وهنا تظهر صورا دستورية مربكة لجهة استمرار حكومة تصريف اعمال  بعد انتخابات نيابية وربما فراغ رئاسي محتمل.   

    في المحصلة ، ثمة سوابق كثيرة باتت مكرسة في الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، وهي سرعة وقوع ابنان في أزمات حكومية سرعان ما تتحول أيضا لأزمات حكم تؤجج المطالب بإعادة النظر بطبيعة النظام والمضي في المطالبة بمؤتمر تأسيسي لعقد اجتماعي سياسي جديد، وهو عادة ما يكون مكلفا كثيرا ويستهلك الكثير من الوحدة الوطنية، ويأخذ الأمور نحو انقسامات عامودية شديدة التعقيد والتداعيات.

       ستنطلق الاستشارات النيابية الملزمة والعين شاخصة أيضا على كثير من القضايا الحساسة كترسيم الحدود البجرية، وما سينتج عنها لاحقا، وهو امر يستدعي أولا وأخيرا الى حكومة دستورية فاعلة قادرة على تقديم الحلول ومجابهة المصاعب في ظروف لم يشهد مثلها لبنان منذ قيامه في العام 1920. فهل ستمر هذه الاستشارات كما يفترض ام ستكون مناسبة لفرط عقد ما تبقى من سلطة تهاوت وبغياب أي حل او بديل؟.