الانتخابات
الرئاسية الأميركية وإدارة الازمات
د. خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت:22/10/2020
من المفارقات العجيبة الغربية ان يكون
حدثا داخليا معينا في دولة ما كالانتخابات الرئاسية الأميركية ، يحدد ويرسم إدارة
أزمات إقليمية ودولية، وهي ليست ظاهرة عابرة او سابقة لا تتكرر ،بل تعتبر مترافقة
بشكل دائم مع كل مناسبة دستورية، وغريب المفارقات أيضا ان تربط إدارة الازمات
وأساليب حلها وطبيعة التعامل معها، في معرض المقارنة والمقاربة بين برامج المرشحين
لجهة انتماءاتهم الحزبية ان كانوا جمهوريين او ديموقراطيين ، علاوة على من سيصل
الى سدة الرئاسة الأميركية ديموقراطي كان ام جمهوري.
ثمة بعض القضايا الإقليمية الممتدة التي
لها تداخلات دولية يمكن ان تستأثر بعناية المرشحين ، التي تحاول نيل وكسب اصواتها
الوازنة والمؤثرة في توجيه الرأي العام واستطلاعات الرأي، وصولا الى التأثير في
عمليات الانتخاب المباشر او انتخاب الأصوات الرئاسية وهي المقررة في عملية الوصول
لسدة الرئاسة، وفي الواقع ان التدقيق في اثر هذه العمليات توضح التأثير المباشر في
ترجيح كفة مرشح على آخر، ومن بين هذه القضايا الفاعلة والحساسة قضايا الصراع
العربي الإسرائيلي ومفاوضات السلام وعمليات التطبيع التي جرت بدءا من كامب ديفيد
مع مصر ، مرورا بمؤتمر مدريد للسلام ومندرجاته وصولا الى ايامنا هذه، حيث لعبت
المؤسسات اليهودية آيباك النافذة وغيرها في الداخل الأميركي ، دورا بارزا في توجيه
الأطر الانتخابية ونتائجها.
وحتى ان الامر لا يقتصر بالضرورة على
القضايا الإقليمية ذات الابعاد الدولية بل يتعداه الامر الى قضايا داخلية بحتة
لبعض الدول، اذ تؤجل فعاليات معينة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وترتبط
مندرجاتها وفعاليتها لما بعد الحدث المرتقب وحتى الى حين تركيب السلطة الجديدة في
الإدارة الأميركية، ومثال ذلك لا حصرا، تكليف وتشكيل الحكومة اللبنانية التي باتت
مؤجلة منذ اشهر ومعلقة على اجراء الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الثالث من
نوفمبر/ تشرين الثاني القادم. ، الامر عينه استعمل مع انتخابات رئاسية أميركية
سابقة وانتخابات رئاسية لبنانية، إضافة الى مناسبات مماثلة في العديد من الدول حتى
تلك التي تشهد علاقات متوترة مع واشنطن كإيران مثلا.
والأكثر غرابة في هذه الظاهرة التي باتت
طقسا من الطقوس المتعارف عليها في معظم الدول والمناسبات التي تجري فيها، ان
مسؤولي الدول هم الأكثر تشبثا وتعلقا بعمليات الوصل والفصل مع الانتخابات الرئاسية
الأميركية اكثر من الاميركيين انفسهم، حتى ان الربط يمكن ان يصل الى حد التّوهّم
بإمكانات التأثير ، وهي في الأساس بعيدة جدا ولا رابط من قريب او بعيد لجهة
التأثير من عدمه.
صحيح ان الولايات المتحدة الأميركية
تمتلك من القدرات المؤثرة في الفعاليات الإقليمية والدولية الكثير من الوسائل
الوازنة، الا ان ديمومة الربط والوصل هذه ، تفقدها جديتها في الكثير من الأحيان، وتجعلها في معظم الأحيان
موضعا وموقعا للتندر واطلاق الصور والأوصاف التي لا تليق بالحدث الأميركي ولا
بالحدث المرتبط في الدولة الأخرى، كما وتجعل منها ضربا من ضروب التنجيم والتبصير.
وفي هذا السياق، من المفترض ان يكون
الربط بين الاحداث يستند الى وقائع ومعطيات موضوعية تسهم في احداث خرق إيجابي في
الدول التي تربط قضاياها بالانتخابات الرئاسية الأميركية، الا ان التدقيق في
المواضيع يشير الى صور مختلفة تماما ، حيث لا يستفاد لا من الحدث ولا من نتائجه ،
بل أحيانا كثيرة يترك هذا الربط تداعيات سلبية كثيرة لجهة إضاعة الوقت وكلفته
وآثاره.
ربما العجز عن التوصل الى حلول لبعض
القضايا، وكثرة الاتكال على الجوانب المستقبلية غير المنظورة، أدى الى سمة منتشرة
في سلوكيات أصحاب الحل والربط في معظم الدول ومؤسساتها، الامر الذي كرّس هذه
السياقات السلوكية التي تبدو في الكثير من الأحيان غير مبررة ولا تستند الى حد
أدني من المبررات المنطقية. ربما ثمة عشرات آلاف المسائل التي تنتظر ذلك الحدث في
الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، وفي الواقع، ربما القضايا المتصلة فعلا لا
تتعدى العشرات، انها اميركا مالئة الدنيا وشاغلة الناس!