لبنان
والمبادرة الألمانية
د. خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
4-4-2021
رغم ليونة وواقعية المقترحات الفرنسية
لم تتمكن باريس بعيد تفجير مرفأ بيروت من تفعيل مبادرتها باتجاه لبنان، ذلك للعديد
من الأسباب المتصلة بمواقف اللبنانيين او الظروف الإقليمية والدولة، ورغم ان
واشنطن لم تعارض مبدئيا تلك المبادرة ، الا انها ظلت رهينة الانتخابات الرئاسية
الأميركية ونتائجها، ورغم الآمال المعلقة
على الدور الأميركي لم تأت الاستراتيجية الجديدة للرئيس جون بايدن لتعطي دفعا
جديدا، ولم يأخذ لبنان الأولوية المطلوبة لضبط أوضاعه، وبالتالي ظل تفصيلا مرتبطا
بأزمات المنطقة ومشاريع حلولها.
وبرضى أميركي ضمني ، انطلقت أوروبا بمبادرة
رسمية اطلقتها فرنسا مجددا والتحقت بها المانيا بمبادرة تتضمن مشروع حل، ينطلق من
اعمار مرفأ بيروت والمناطق المحيطة به، ذلك ضمن شروط محددة ليست ببعيدة عن مضمون
المبادرة الفرنسية، في طليعتها تأليف
حكومة جديدة بمواصفات محددة على ان تنطلق
بورشة إصلاحات بنيوية للنظام السياسي اللبناني، وان تضع هذه الحكومة مشاريع
اعمارية وبمواصفات محددة أيضا. فما هي حدود نجاح المبادرة الألمانية وسط هذه
الظروف المعقدة؟.
في المبدأ ان وضع لبنان مرتبط بأزمات
المنطقة وهو بالتالي ليس مدرجا على جدول أولويات الولايات المتحدة الا ضمن اطر
محددة وما يمكن الاستفادة منها في سياقات السياسات الإقليمية التي تعتبرها واشنطن
ذات أولوية لها، ما يعزز ان واشنطن فتحت المجال امام دور أوروبي بحدود وشروط وليس
مطلقا، وبالتالي لا يعدو كونه تعبأة للوقت
ريثما تنضج ظروفا قابلة للبناء عليها، سيما وان هذا الاطلاق مرتبط أساسا بشروط ليس
للبنان القدرة حاليا على تنفيذها بسلاسة . فالخطط الاعمارية مثلا هي مرهونة ببرامج
إصلاحية عبر حكومة جديدة غير متفق عليها لجهة التأليف او البرامج التي ستنطلق بها،
وبالتالي هي مشاريع مؤجلة وانطلاقها يستوجب اتفاق لبناني ليس بالسهل التوصل اليه
في المدى المنظور.
لقد سبق للولايات المتحدة ان فسحت المجال
للأوروبيين التدخل في مشاريع حلول شرق أوسطية عامة وللدول فيها بخاصة، الا انه لم
يسجل نجاحات باهرة وذات ابعاد استراتيجية نوعية ، وظلت هذه التدخلات مرهونة بأطر تمويلية لا أكثر، وهو ما يلاحظ حاليا، على
ان هذه الرغبة الاوروبية ليست بالضرورة
قابلة للتطبيق او التنفيذ بشكل منفرد او دون مشاركة أميركية فاعلة ومرضى
عنها.
ان عدم رضوخ لبنان للشروط الدولية لجهة
تأليف الحكومة والبدء ببرنامج إصلاحي واضح، هو ما اخر المساعدات المالية
والاقتصادية عبر صندوق النقد الدولي والدول المانحة، ذلك في وقت يرزح لبنان تحت
ظروف ضاغطة غير مسبوقة، وسط ملامح انهيار شامل، ما يستدعي جدية في إعادة انتاج
سلطة قادرة على إعادة كسب ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي. فلبنان اليوم الذي بات
اكثر من نصف شعبه يعيش تحت خط الفقر، نتيجة انهيار عملته الوطنية ،إضافة الى ديونه
الخارجية وفقدان احتياطاته من العملات الأجنبية وعدم قدرته على الاستيراد حتى
للسلع الضرورية جدا، بات بحاجة أيضا
لرعاية دقيقة تنقذه من الانهيار المحتم.
فالمبادرة الألمانية الحالية هي نتاج عدم
قدرة فرنسا على تفعيل مبادرتها لأسباب مختلفة، وهي أيضا نتاج انشغال اميركا
بأولويات أخرى لبنان ليس من بينها، ما يعني ان ظروف المبادرة الألمانية ليست
مكتملة القدرات، فمشروع المليارات العدة لإعادة مرفأ بيروت، ليست كافية وان تكن
جزءا من مشروع ينبغي ان يكون اكبر ، ومتكامل مع اعمار بنيوي للنظام السياسي
والاقتصادي اللبناني الذي يتطلب مشاريع
وإمكانات اكبر بكثير بعد الوضع الكارثي الذي وقع فيه. وفي ظل ترابط أزمات المنطقة
ولبنان من ضمنها، وفي ظل ارتباط الاقتصاد والتنمية بالسياسة ومشاريعها الإقليمية ،
فمن المستبعد نجاح أي رؤية او مشروع في المنطقة دون التوصل لحلول للقضايا الكبرى، وبالتالي ان
المبادرة الألمانية مرهونة أولا وأخيرا
بمشاريع حلول إقليمية لا تزال في بداياتها مع إدارة الرئيس الأميركي جوم بايدن.