ترلجع فرنسي وتقدم أميركي
د.خليل حسين
رئيس قسم العلقات الجولية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 17/8/2023
ثمة من
لا زال يعتقد ان فرنسا تمتلك القدرة للتحرك منفردة في قضايا الشرق الأوسط
وبالتحديد المواضيع ذات الصلة بلبنان، انطلاقا من اعتبارات متعددة الأوجه، الا ان
واقع الامر مختلف تماما بفعل بعض
المتغيرات المتصلة بالواقع اللبناني تحديدا، فالسلوك السياسي المجتمعي في لبنان
اتخذ منحى آخرا ، فلم تعد باريس قبلة اللبنانيين كما كانت قبلا، بل ثمة قوى وازنة
تعتبر التعامل مع واشنطن اكثر فعالية ، رغم الانتكاسات التي واجهت بعض المعولين
عليها.
ودليل
ذلك اليوم ما يشهده تراجع الدور الفرنسي في الازمة اللبنانية وبالتحديد موضوع
انتخابات الرئاسة، فبعد الزخم الذي اعطته اللجنة الخماسية لباريس، بدا اليوم ان
ثمة تراجعا واضحا في سياسة الدعم التي أعطيت سابقا، بل ثمة من يعتبر حراك جان ايف لودريان الأخير عبر
التواصل بالمراسلة مع رؤساء الكتل النيابية اللبنانية تصرف غير مغطى ويعتبر من
بنات أفكار سياسة باريس ، وبالتالي لن تصل
الى مبتغاها المرغوب، بل من الممكن ان يكون سلوكا سيزيد الأمور تعقيدا ويعزز مظاهر
التباين والتوتير ان في الواقع الداخلي اللبناني او الإقليمي والدولي.
ثمة
عودة أميركية قوية الى المنطقة بعد
تراخي حراكها بعد انفجار الازمة الروسية
الأوكرانية، حيث لوحظ انكفاء واشنطن النسبي عن المنطقة مقابل الانخراط في المواجهة
مع موسكو، ما أتاح للصبن التقدم في ملفات المنطقة وبخاصة الخليجية منها كعودة العلاقات
السعودية الإيرانية والانفتاح على سوريا واعادتها الى أجواء جامعة الدول العربية،
فيما اليوم تشهد المنطقة إعادة خلط أوراق جديدة وبقوة ، ظهر في رغبة أميركية واضحة
بإعادة انتشار عسكري في الازمة السورية وتباطؤ عودة العلاقات بين الرياض
وطهران في ظل رغبة واضحة من إبقاء التطوير
في اطر الجوانب الدبلوماسية بعيدا عن الجوانب الاقتصادية والتجارية التي تسعى
طهران اليها وتعارضها بطبيعة الامر واشنطن، رغم صفقة تبادل المحتجزين الاميركيين
مقابل الافراج عن مليارات الدولارات المحتجزة بموجب العقوبات الأميركية على طهران.
هذه
الوقائع والمؤشرات التي ظهرت مؤخرا ارخت بثقلها على الواقع اللبناني، وأبطأت
الحراك الفرنسي ان لم يكن انهاءه عمليا،
ما يعني ان المبادرة الفرنسية التي
سيستأنفها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان هي بحكم الموت السريري وتنتظر
معجزة من الثعب تحققها في ظل هذه الظروف، وبالتالي ان الوضع اللبناني ذاهب الى
مزيد من التأزيم وسط انعدام جدي لأي حراك من قبل اللجنة الخماسية مجتمعة، وعليه
ثمة مزيد من التصعيد الداخلي في لبنان الدي بدأ يترجم ليس بمواقف متشددة فقط بل
تعداه الى انفلات الوضع الأمني بشكل لافت ،علاوة على مظاهر الغليان الاجتماعي
الناجم عن تفلت الأوضاع العميشةية وتحلل مؤسسات الدولة وانعدام الخدمات الأساسية
المفقودة أصلا.
ان
ابتعاد واشنطن النسبي عن الملف الاوكراني وتركه في عهدة الأوروبيين حاليا، سيعيد
واشنطن الى ساحة الشرق الأوسط بتشدد وربما سيكون مفرطا في المرحلة القادمة، وهو ما
ظهر بشكل لافت مؤخرا ان في الساحتين
العراقية والسورية والفلسطينية في شقها
اللبناني او الداخل الفلسطيني، علاوة على العديد من الملفات المتفرقة في دول
المنطقة، ما يشي بصور قاتمة تصعب فيها المرونة في التعاطي مع الملفات الرئيسة في
المنطقة.
ثمة
من يقول ان لبنان متروك لقدره حاليا، ولا أولوية له في أي حراك إقليمي او دولي،
وبالتالي باق على لائحة الانتظار ريثما
تنضح بعض الملفات المتصلة، وثمة من يريى أيضا ان أي نضوج لافكار او حلول لن تكون
الا نتاجا لأحداث صاخبة تعدل موازين القوى القائمة ةتعيد قواعد الاشتباك
والاستثنار فيها، ومن المؤكد ان لبنان سيكون الأكثر عرضة لهذه المتغيرات والأكثر
تأثرا بها، دلك في ظروف مدمرة يعيشها
لبنان شعبا وما تبقى من مظاهر دولة متحللة .فهل تظهر معجزة ما في ظل هدا التراجع
الفرنسي والعودة الأميركية القوية ؟ يبدو
انها معجزة!