من أفغانستان
الى أوكرانيا
د.خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
8=3=2022
ربما لم تتعظ روسيا من تجربتها المرة في
أفغانستان، حين عيّنت آنذاك بابراك كارمل رئيسا مواليا لها في العام 1978 في
كابول، في تلك الحقبة من سبعينيات القرن
الماضي شهدت العلاقات الأميركية مع الاتحاد السوفياتي تصعيدا غير مسبوق ابان الحرب الباردة، وثمة من
يدعي ان تورط موسكو في كابول انداك إضافة
الى مشروع حرب النجوم إضافة الى عوامل أخرى ،أدت الى انهيار الاتحاد السوفياتي،
فماذا عن أوكرانيا اليوم؟
أوكرانيا التي كانت ممرا لغزوين نفذا ضد
روسيا، الأول قام به نابليون والثاني ادولف هتلر، ورغم فشلهما، ظلت كييف الحجر
الأساس في بنية الامن القومي لروسيا في الحقبتين السوفياتية والحالية، ما جعلها
قبلة المجال الحيوي غير القابلة للتفاوض، والهدف الروسي الاستراتيجي لتحييدها
ومنعها من الدخول في حلف الناتو، وقد بدا هذا المطلب واضحا وجليا منذ بدء الاجتياح
الروسي، وهو تطبيق نظام الحياد باعتباره من وجه نظر موسكو الوضع الذي يبعدها عن
تشكيل أي خطر إضافة الى طي صفحة الدخول في حلف الأطلسي.
ان مطلب الحياد وفقا للقانون الدولي
يتطلب شروطا لتنفيذه ونجاحه، دلك قياسا
على تجارب سابقة، من بينها مثلا لا حصرا، التوافق الدولي على حياد اوكرانيا، وهو
امر غير متوفر باعتبار روسيا طرفا فيه ولن توافق على ذلك، إضافة الى اجماع
الاوكرانيين على ذلك، وقدرتهم على حماية حيادهم بنفسهم اذا ما تم التوافق عليه،
وفي مطلق الأحوال ثمة مصاعب جمة لتنفيذه ونجاحه.
ان وقائع الحرب الدائرة حاليا تشي بمعطيات
أخرى، ابرزها طول امد المعارك وعدم القدرة على الحسم السريع والفعال الذي ينتج
مشروع حل ما، وبالتالي تذهب الأمور الى تداعيات أخرى، من بينها ازدياد الاصطفاف
الدولي وانقسامه في طل عدم وجود مؤشرات جدية لمساعدة أوكرانيا او اقه الولوج في
مفاوضات جدية قابلة لإنتاج مشاريع حلول لاحقة؛ ما يعني المزيد من الوقت والأكلاف العالية على الصعيدين الأوروبي والدولي.
من الصعب توصيف الحرب القائمة حاليا بغير
الورطة الاستراتيجية التي دخلت بها موسكو، والتي لن تكون قادرة على الخروج منها
الا بأثمان باهظة، في وقت تهيئ واشنطن وأوروبا
للمستنقع الكبير في ظل استعار اجواء الحرب البارد والتي يمكن ان تنفجر في
اطار حرب عالمية ثالثة.
ان التدقيق في مجريات المعارك الميدانية
تشير الى بداية تقسيم للمناطق الأوكرانية ، شرق تسيطر عليه القوات الروسية، وغرب
تحاول السلطة الأوكرانية تعزيز مواقعها فيها يدعم غربي، وصولا الى تسريب إمكانية
اعلان الرئيس الاوكراني فيولوديمير يزلنسكي حكومة في المناطق الشرقية لأطلاق
المواجهة ضد موسكو بدعم غربي.
في الماضي قسمت بولندا جارة أوكرانيا
ثلاث مرات واختفت عن الجغرافيا السياسية الأوروبية، كما المانيا بعد الحرب
العالمية الثانية، فهل تتجه أوكرانيا كما يوغسلافيا للتقسيم ، كبداية لإشعال حرب
ومقاومة ضروس كما حدث ضد السوفييت في أفغانستان، ان التدقيق في وقائع وظروف تلك
الحقبات تبدو متشابهة ومتطابقة في بعضها الآخر، ما يعزز تلك الفرضيات .
ومهما يكن من امر تلك النتائج
والسيناريوهات المحتملة ، الا ان المشترك والثابت بينها، ان روسيا دخلت في نفق
طويل يتطلب الخروج منه اكلاف باهظة جدا ، وبصرف النظر أيضا عن النوايا والظروف
التي أحاطت بموسكو للدخول في الحرب، الا ان هذه الورطة التي أجبرت عليها موسكو من
وجهة نظرها، هي متطابقة مع ظروف ونتائج
الدخول في المستنقع الأفغاني، الذي أدى بالنتيجة الى تقسيم الاتحاد السوفياتي
وعزله كقوة فاعلة في النظام العالمي.، واليوم يبدو ربما الامر مماثلا لما يجري في
أوكرانيا، فهل سيؤدي ذلك المزيد من التوريط واضعاف روسيا مجددا وعزلها أيضا عن
النظام العالمي كدولة عظمى؟